جولة البوسطجي

مصير الشخصيات مفتوحاً بانتظار الجزء الثاني، باستثناء المعلم أبو عليا الذي يقتله حارسه الشخصي، ويسرق ما معه من ملفّات خطيرة حملها إلى بيته في القرية الساحليّة

منهم منَ لم يمض زمنٌ طويل على دخوله دائرة الضوء، لكنّه بات يتقدمّ بخطى واثقة، ويقدم نفسه بقوّة أمام الكاميرا، وآخرون تجاوزوا أخيراً مرحلة مراوحة مكانهم.

رأينا اعترافات صريحة من مخرجين قلّما يعترفون بهذه الشفافية بأيّ منجز ثري لأي أحد. على سبيل المثال، صرّحت المخرجة السورية رشا شربتجي في حوار صحافي عن مدى إعجابها بهذا العمل وتميزه واختلافه عن

يبدو الكلام فضفاضاً إذا انسحب على الدراما التلفزيونية التي باتت تلتزم منطق السوق الأهوج، أو تعتصم عند مواضيع «السيكس» المجانية، وصراعات رؤوس الأموال.

امتاز هذا الموسم بفجاجة الطرح، لتتلخّص كلّ أطروحته بكاميرا تدور حول سرير. كما أنّه يبدو محاولة اقتراب من أحد أضلاع المحرمات الاجتماعية (الجنس)، في حين أنّه لا يكسر أيّ حاجز،

هو التأكيد على فداحة العواقب الإنسانية عبر حساسية بصرية لافتة، لا يمكن تجاوزها في اشتغالات الدراما السورية، وقدرتها على أن تكون وثيقة حرب عن شعب واحد في جحيمين.

ضمّ المطرب عاصي الحلّاني، بما يعني من نجومية، إلى اللعبة ممثلاً درامياً للمرة الأولى، بخاصة بعد خسارة توقيع النجوم باسم ياخور وقصي خولي وعابد فهد.

ونظراً لقوة الموجة المضادة، بدت بعض الأعمال تغرّد خارج السرب، مثل «حرائر» الذي يستدعي مواقف تنويرية لنساء دمشقيات عشن آخر حقبة الرجل العثماني المريض

«العكيد معتز» يزور «حارة الضبع» ويتخفى في «حارة اليهود» ويقضيها ضرب كفوف لخصومه، وتشليحهم الخناجر والبنادق، بشرط غياب تهوّره السابق عله يكون القائد المنتظر.

المسلسل بقي محاذياً لكل ذلك، مثلما كان محاذياً لما يحدث في سوريا الداخل: ثورة، حرب، تطرف، شبح التقسيم، الشهداء، المعتقلين

وفيما يطغى الادعاء والتصنّع على أداء بعض الممثلين، نكتشف إمكانات جديدة لعابد فهد تمنحه قدرة على لعب شخصية مختلفة كلياً عما قدّمه سابقاً.

مبالغة تصل بالمشاهد إلى درجة يشعر فيها بنهاية الحلقة عندما يخبو صوت الصراخ والعويل والضحك المصطنع وردود الأفعال المبالغة. مع كل ذلك، وجدت عرفة متسعاً في قلوب الجمهور،

إلى جانب لقطات «حميمة» تجمع بين سوزان (دانا مارديني) وحبيبها عمر (زياد برجي)، أو بين أبو عليا (جمال سليمان) وعشيقته جمانة (دارين حمزة).

ربّما يطرح الثنائي بديلاً موضوعياً لموالٍ ومعارض من عامّة الناس، علقا في جزيرة معزولة وراحت نقاشاتهما اليومية تطرح واحدة من عناوين نشرات الأخبار بلغة يرتفع مستواها حيناً نحو الفلسفة الساخرة، وينحدر أحياناً باتجاه العموميات المكرورة

قد لا نتفق مع بعض طروحات «عناية مشددة» أو لا نستسيغها، ويحقّ انتقاد ذلك أو تشريحه ضمن إطار نقدي، أمّا أن يصل الأمر إلى إطلاق حملة لمحاكمة صنّاع العمل قضائياً، فهذا أمر مستغرب

سوزان نجم الدين بطلة العمل تمثّل مطلع الإخفاق الذريع، بسبب محاولات مبالغة لفريق الماكياج لتصغيرها لتتناسب مع عمر الشخصية المكتوبة.

لا يمكن تجاهل الشعور بالصدمة حيال أداء سليم صبري الذي يمكن اعتباره من الأداءات الأكثر سوءاً بالعمل.

هذا المشهد جاء مستعاراً بشكل حرفي من إحدى زوايا فيلم أميرلاي الذي يؤرّخ لسيرة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

يستغلّ المخرج حاتم علي، بذكاء يواكبه طوال العمل، مشهداً بسيطاً لدبكة الأسرة في عرس ابنتها «جيدا»، ليبيّن الخصوصية التي تتمتع بها. «أبو عليا» وعائلته يرقصون بحلقة مقفلة، لا بصفٍّ مفتوح.

على وقع هادئ ومتزن، وضمن قالب تشويقي افتقدته الدراما السورية بعد اندلاع الحرب، ولجوء الكثير من صنّاعها إلى مواكبة الحدث والآثار الناجمة عنه.