2016/07/31
الحياة
فقد المخرج عبد اللطيف عبد الحميد إيمانه بـ «أمة عربية واحدة»، لذلك مدّ خيط الأسى إلى آخر مداه في فيلمه «العاشق»، حتى وصل إلى «واحد واحد واحد... الشعب السوري واحد»، ولكن بملامح «أبو نزار» المتهالكة، وجسده الآيل للانهيار. لن يتأخّر الإعلامي أمجد طعمة في سؤال عبد اللطيف عن اعتكافه، وامتناعه عن اللقاءات والأحاديث ومخالطة الناس. وسنلمح في ثنايا الجواب أنه كان يمارس التداوي بالسينما، والدخول في تصوير فيلم جديد، إيماناً منه بأن ثمة جدوى للسينما.
اليوم، وبعد أكثر من عام على بثّها للمرة الأولى، تتحوّل إطلالة عبد اللطيف عبد الحميد من خلال برنامج «إكسترا تلاقي» على قناة «تلاقي»، برفقة المذيع أمجد طعمة، وثيقة متعددة الوجوه: نشاهد حجم الانكسارات والشعور بالخيبة التي تعتمل في جوانيات صاحب «رسائل شفهية»، في وقت لا يتخلّى عن الإيمان بالناس الذين غصّت بهم صالة العرض الافتتاحي لفيلم «العاشق»، على رغم سقوط 105 قذائف هاون على أحياء دمشق. نلمح التماعة أمل غامض من دون أن يتمكّن الكلام من الإفصاح عنه.
صنع عبد اللطيف عبد الحميد سينماه بتميّز وفرادة، منذ رائعته «ليالي ابن آوى» (1990)، مؤسِّساً لتيار سينمائي أبرز سماته الكوميديا العالية، واستحضار البشر العاديين في واقعهم البكر، وكذلك القدرة على الموازنة بين العناية بالاشتغال على الشكل السينمائي الراقي والموضوعات الاجتماعية التي لا تفارق الهموم الوطنية والسياسية من جهة، مع الجماهيرية الواسعة التي غالباً ما تكون من مواصفات السينما التجارية من جهة أخرى. ثمة من سيقول إن «رسائل شفهية» هو فيلم المليون مشاهد وإن لم يكن هذا حقيقياً، إلا أنه لا يعدو أن يكون دلالة صغيرة على أهمية سينما عبد اللطيف عبد الحميد وحضورها وصدارتها.
أخرج عبد اللطيف عبد الحميد السينما من جدران النخب إلى اتساع الناس وفضاءاتهم. غاص في بيئته الساحلية إلى درجة هدّدت حياته، التي ربما ألمح إليها بالصفعة الشهيرة، بوصفها أسلوباً نقدياً. اشتغل على المدينة ليمطرها بالبطيخ، أو ليعمرها بالمحبة والجمال. حضرت فلسطين، والجبهة في الجولان، وأيام الوحدة، ونكسة حزيران، ونكبة الـ48، ولن تغيب مفاصل ومحطات تاريخية يعرفها الناس، ويحفظونها في ذاكرة الطفل، ودفاتر الأيام، التي بات من المشهود أن عبد اللطيف عبد الحميد يحسن فتحها، والتفتيش فيها، ومنحها أبعاداً أعمق مما هو ظاهر، وأغنى مما تبدو.
يتقدّم الحوار الذي بدأ غارقاً في الحزن، ليغتسل بالحديث عن السينما، ويغوص في فنون الفرجة وطرافة الشخصيات. والانتقال من أمام الكاميرا إلى خلفها، ساهم في تعزيز ذلك اختيار صالة «سينما الكندي» بدل الاستوديو، ومعرفة أمجد طعمة الضافية بضيفه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وأفلامه القصيرة والطويلة، وتجربته الشخصية والمهنية، ومحاورته من موقع المتضامن تماماً، من دون أي مشاكسة، أو محاولة لمقاسمة الضيف حضوره، ما جعل تلك الحلقة من «إكسترا تلاقي» قابلة للاستعادة مرة تلو أخرى، بالشجن كله.