المعضلة أن صنّاع العمل هم من سحب الدراما المتخيّلة نحو ما هو وثائقي بإصرارهم على وجود العلم ثلاثي النجوم في خلفيّة مكتب رئيس المخفر قبل أن يخفوه ثانية، بعدما تبنّى «ثوّار الربيع العربي» العلم نفسه، وجلب البسكليت إلى أزقة الحارة، والهاتف والعيادة الطبية الحديثة، وبقية المفردات العصرية التي شهدتها المدينة في حقبٍ تسبق تاريخية الاجزاء الجديدة من المسلسل الذي اقتحم فترة الثلاثينيات من القرن المنصرم وما بعدها، كأن عباقرة هذا العمل يرغبون بفكرة أساسية تتعلّق بإغلاق باب الحارة على أهلها دون غيرهم بما يقع في تعزيز فكرة «الغيتو» الدمشقي. الفكرة نفسها التي تعمل عليها الجهة المنتجة كأجندة أساسية موازية لما تعيشه البلاد اليوم من تمزّق جغرافي، وشحن طائفي، وذلك بإضافة جرعة ماضوية تختزل دمشق بصناعة الكبّة والعنتريات والشخصيات الكرتونية لا أكثر.
هكذا وجد أبطال العمل أنفسهم أمام دجاجة تبيض ذهباً. وفي المقابل ارتفعت حناجرهم في الدفاع عن مشروعية العمل وجماهيريته لإسكات الأصوات المضادة. اللافت أن هذا العمل مرفوض رقابياً من الجهات الرسمية، لكنه بيدٍ سحرية مغطّسة بعسل العطاءات السريّة يتمكّن من العبور إلى موقع التصوير، أو أنه يصوّر قبل الحصول على أية موافقة رسمية، وزيادةً في التحدي تتبناه قناة «سوريا دراما» بعرضه، على حساب مسلسلات أخرى لا تجد قناة عرض واحدة. المصيبة أن حالة الاحتضار التي بلغتها الدراما السورية هذا الموسم جعلت «باب الحارة» متفوقاً عن سواه لجهة الركاكة والابتذال واقتحام كتّاب البسطة واجهة الكار. اعقدوا صفقاتكم المشبوهة بعيداً عن الخطاب الوطني، واتركوا فسحة صغيرة لمن لا يرغب بأن تتلوّث ذائقته بهذه الدراما المهدرجة، على غرار الزيوت المغشوشة، والطحين الفاسد!