2016/11/05
السفير _ روز سليمان
حتى اللحظة لا فصل دقيقا في تصنيف الإذاعات السورية الخاصة بين «إخبارية» و «اجتماعية». فغالبيّة الإذاعات التي قدّمت نفسها اجتماعية تبعاً لمقتضيات الترخيص، تبثّ اليوم أخباراً. وبحسب المجلس الوطني للإعلام (ألغي منذ حوالي شهرين) فإنه ومع بدء الأحداث في سوريا مُنِحَت أذونات لتلك الإذاعات لتقديم التغطيات الإخبارية والحوارات السياسية.
إلا أن متابعة برمجة يومية لعيّنة مكونة من خمس إذاعات، يثبت أن غالبيتها تبالغ في اعتماد التسلية والبرامج الخفيفة في تغطية الحياة اليومية للناس. كما تفتقد إلى «منهجة» المادة السياسية الخبرية في برمجتها، باستثناء تلك التي يحتل فيها الخبر السياسي مساحة واسعة، إذاعة «شام أف أم» مثالاً. شكّلت الإذاعة تبعاً لاستطلاعات رأي ودراسات لمراكز أبحاث، استثناءً من ناحية المحتوى الإخباري والاجتماعي المقدّم وطبيعة الجمهور المستهدف وانتشاره.
ترافق توقف غالبية المطبوعات الخاصة من صحف ومجلات عن الصدور في سنوات الأزمة، مع ازدياد في عدد الإذاعات. فوفقاً للمرسوم التشريعي رقم 10 للعام 2002، الذي أتاح تأسيس إذاعات خاصة، ازداد عدد الإذاعات المرخصة منذ العام 2005 ليصل اليوم إلى حوالي عشرين إذاعة خاصة تبثّ من الداخل السوري عبر موجات «أف أم» تغطي المدن السورية.
تبثّ غالبيّة الإذاعات في دمشق، من بينها: «نينار»، «ميلودي»، «فيرجن»، «أرابيسك»، «روتانا ستايل»، «فرح»، «المدينة»، و «فيوز»... إضافة إلى إذاعة «الكرمة» التي تبث من السويداء، و «زنوبيا» من حمص. أما الإذاعات الرسمية الأربع التابعة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، فهي «إذاعة دمشق» تأسست كأول إذاعة عربية سورية في العام 1946، و «صوت الشعب»، و «صوت الشباب»، وإذاعة «سوريانا».
في ظروف الحرب لم يعد مقبولاً النظر إلى البرامج الصباحية بوصفها الأكثر بهجة. برامج تولّد الانطباع بأن كل شيء على ما يرام، لا يمكن التعويل عليها. لا قصص رئيسة. ضعف ثقافة. قلّة خبرة. تكلّف في نبرة الصوت وسعي دائم للتشابه؛ لتبقى الوظيفة الأهم على ما يبدو ملء «الهواء» بـ «الهواء» يرافقه ضعف القدرة التحريرية للمذيعين الشباب في اختيار مضمون برمجة بفقرات إخبارية واضحة وبرامج فنية واجتماعية وموسيقى هادفة.
أظهرت دراسة نشرتها وكالة التعاون الألمانية (MICT) في العام 2014، أن مصدر الأخبار الأول بالنسبة للسوريين أينما وجدوا وأيا كانت انتماءاتهم هو التلفزيون يليه الانترنت وثالثاً الإذاعة. فـ54 في المئة من السوريين يعتمدون على الإذاعة للحصول على الأخبار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مقابل 51 في المئة في المناطق الساخنة. لكن في ظلّ الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لا يمكن التعويل على التلفزيون ولا على شبكات الانترنت الضعيفة في كثير من الأحيان.
لكن دراسات أخرى تعتبر مشاريع الإذاعات السورية مجرد هدر للمال، ما يناقض بعض ما نشرته دراسة صادرة عن الوكالة الفرنسية للتعاون الإعلامي (CFI) في العام 2015، قدَّر فيها الباحث المتخصص في الإعلام السوري، إنريكو دي أنغليس، أسباب اختيار الانتقال إلى الإذاعة باعتبارها «الأوفر مادياً بعد الانترنت، كما أن إدارة الإذاعة أسهل من إدارة قناة تلفزيونية أو جريدة بالنسبة للمؤسسين وهم في غالبيّتهم غير متمرّسين»، على حدّ تعبيره.
لا شكّ أن البعد عن الجغرافيا السورية يسبّب انقطاعاً حتميا لاحقاً عن أولويات السوريين في الداخل بما يخصّ المجال الإخباري، برغم ذلك تُنفَق أموال على الإذاعات خارج سوريا، إذ قدّرت دراسة قامت بها «المنظمة الدولية لدعم الإعلام» في 2014 أن عدد الإذاعات السورية العاملة خارج سوريا يبلغ أكثر من عشرين إذاعة. ليبقى السؤال هل يصل فعلاً صوت تلك المنابر إلى السوريين؟
تبثّ إذاعة «أورينت» من الأردن، فيما تبثّ إذاعة «روزنا» من باريس عبر الانترنت، و»سوريالي» من الولايات المتحدة. كما يلحظ وجود ما يزيد على عشر إذاعات سورية «معارضة» تبثّ من تركيا عبر موجات «أف أم» أو عبر الانترنت، منها «نسائم سوريا»، «هوا سمارت»، «راية»، «راديو الكل»، «ألوان»، «حارة»، «العاصمة»... في حين تبثّ إذاعة «آرتا» من مدينة عامودا السورية.
تحت مسمّى «تعاون نادر على مستوى الإعلام السوري البديل» اتّحدت مؤخراً مجموعة من الإذاعات السورية المعارضة ببرنامج بثّ مشترك على الانترنت تحت عنوان «موجات سورية» بغية الوصول إلى جميع السوريين حسب القائمين على البرنامج. تستطيع الإذاعات أن تقدّم قدراً كبيراً من المعلومات ومجموعة من المواقف ولكنها بالمقابل يمكن أن تصبح جزءا من إعادة النظر اليومية وإعادة بناء عالم اجتماعي مشترك بين عينات من البشر. لكن قبل كل شيء الأمر بحاجة إلى فهم تغيّرات «المستمع السوري» في الحرب