2016/06/30
أهلا بكم في كوكب المريّخ ومسلسله الجديد «جريمة شغف» (كتابة نور شيشكلي وإخراج وليد ناصيف)! نتمنى أن تكون إقامة المسلسل طيبة على كوكب الأرض! يحق القول إنّه ليس جريمة واحدة، بل مجزرة تلفزيونية ارتكبت عن سابق إصرار وترصّد بجميع مفاصل الذوق العام.
فعلياً كما تبيد الحروب شعوباً وحضارات، كذلك باتت تفعل الدراما الرديئة، بالذائقة ومستواها الذي تهاوى بفضلها. لذا ربما لم يعد يكفي النقد اللاذع كنوع من أضعف الإيمان، للرد على هذه الأعمال، بعدما استحالت ظاهرة خطيرة تغزو التلفزيونات، ومن شأنها تبديد أيّ قيمة فنية، والإجهاز على ما تبقى من حالة معرفية بالنسبة إلى الدراما. لقد باتت تستحق مواجهة حقيقية عساها توخز ضمير بعض القائمين عليها، علّهم يتذكرون بأن المال والشهرة لا يعنيان بالضرورة تشييد حالة عداء جذري مع الفكر والوعي والحد الأدنى من الفن وإن كان استهلاكياً.
في «جريمة شغف»، سيكون المشاهد على موعد مع التشويق في الحلقات الثلاث الأولى التي ظهرت مشدودة، رغم بنائها على مصادفات غرائبية، لا يمكن إدراجها تحت قاعدة الاصطفائية. هكذا، سيخرج أوس (قصي خولي) قاطعاً سهرته وهو محاط بالنساء الجميلات، ويذهب وحيداً إلى بيت غادة عشيقته المتزوجة (نظلي الروّاس) وهي أقل جمالاً من النساء اللواتي كن برفقته... وما هي إلا دقائق حتى يقتحم الزوج البيت على غير وقته، فيقفز أوس هارباً إلى أقرب نقطة، فيصادف أنها شرفة منزل جومانا (نادين الراسي) التي يقرر زوجها في هذه اللحظة الانتحار. كان يمكن محاولة إقناعنا حسب القواعد الإخراجية الحديثة لهذه الدراما، أن الضحية انتحرت بثلاث طلقات في الرأس دفعة واحدة، وقد تعود إلى الحياة في الحلقة الأخيرة بنصف بشر ونصف ملاك! لا أحد يعلم ماذا يدور في رأس هذا المسلسل العجيب. لا نعرف كيف يصل البطل الهارب من خارج درب التبّانة، إلى سيارته، وينطلق مسرعاً، يطلب من شريكه شادي (مازن معضم) وعشيق أخته لاحقاً، حجزاً فورياً على مصر، ويرحل ظناً منه أنّه تسبب في جريمة قتل، أو ربما يكون هو من ارتكبها.
اعتقدنا مطلع رمضان أننا أمسكنا هفوةً على المسلسل، بسبب صعوبة الحصول على تأشيرة دخول إلى «أرض الكنانة» بالنسبة لأي مواطن سوري هذه الأيام، لكن مع تتالي الأحداث الخرافية، سنكتشف أن ثقباً واحداً لا يعيب مصفاة مهترئة. تستمر المعاناة مع جلد الذات لمواصلة المتابعة، بعد أن تدخل جومانة السجن بكامل أبّهتها، وتسريحتها العصرية، وعنايتها الفائقة بالبشرة والماكياج، لتحاكي بأدائها الانفعالي وحركاتها الشكلية دعايات الصابون القديمة، أو إعلانات ماركات الماكياج المعاصرة، فيما لو افترض مخرج تلك الإعلانات بأن يكون موقع التصوير في الزنزانة كنوع من الفانتازيا! ستمرّ الأمور بشكل عادي، إذ لا تلفتنا نادين الراسي، بأي شيء تقدّمه، سوى تصريحها الشهير الذي تخيّلت نفسها فيه ميريل ستريب، وقالت من دون أن يرف لها جفن مستعار بأنّ أداءها صار يدرّس في الجامعات.
عندما يصل «أبو عميد» إلى مصر، وهو لقب قصي خولي في الحياة ويمكن استعارته هنا لأنه يطلّ للمرة الأولى في حياته، كأنه نسي كليّاً فنّ التمثيل، يغرق المسلسل في شبر ماء ويبدأ في الدوران في حلقة مفرغة. بعد أن ينتحل اسماً جديداً وجوازاً مزوّراً، تلتقيه المخرجة الشهيرة (نجلاء بدر) التي تبحث عن عشيق أو بطل سوري لفيلمها الجديد. ولأن حسّها الإبداعي يخرق المحظور، تغامر بالشاب الذي يفترض أنه لا يعرف الألف من العصا في فن التمثيل. ورغم تهربّه منها مرات عدة، إلا أنه يقبل صاغراً. ويا للحظ، فاسم الشخصية «أوس» على اسمه الحقيقي! وكما يتوقع جميع مشاهدي المسلسل، تولد علاقة حب جارفة بينهما تجعلها تتعطاف معه إلى الحد الأقصى، حتى عندما يقف أمام كاميرتها. لن نتوقف عند الخرق الواضح في أصول المهنة، إذ من الممنوع على المخرج أن ينجر نحو تعاطف وتأثر كبير مع ممثله أو بطله، لكي يبقى قادراً على إدارته، وحراً في ضبطه، ولن نسأل كيف لمخرجة تمنح بطولة فيلم جاد لشخص لم يقف في حياته أمام كاميرا.
سنتجاوز كل ذلك ونتوجّه نحو الفرضية الأساسية المعطوبة التي بني عليها الحدث والمسلسل كلّه. كيف لهارب من جريمة قتل متخفياً وراء جواز سفر مزّور واسم مستعار، أن يقبل بتجسيد بطولة سينمائية ستخلق له شهرة عربية طائلة، كونه يلعب مع مخرجة لا يشق لها غبار في مصر؟! لكن مهلاً؟ لماذا هذه المحاكمة؟ ألم نقل بأنّ المسلسل مريخي ويحقّ له ما لا يجوز لغيره، ولو تاهت شخصياته بتصرفات ساذجة وسمعنا صدى لأصواتها بطريقة كرتونية، ومرّت حلقتان ونحن لا نشاهد سوى ألعاب نارية احتفالاً برأس السنة، وحتى لو تم حشد ممثلات الأمة العربية ليعشقن «أبو عميد»: أمه وأخته تذوبان في غرامه، زوجته تتنفس حبّه، عشيقته المتزوجة تحبّه، حتى جومانا التي قفز لثوان على شرفة بيتها غطست فيه. المخرجة الشهيرة تموت في «دباديبه» وابنتها المراهقة أيضاً، كاتبة السيناريو كادت لا توفّره، لكنها لم تتجرأ ربما من أجل صديقتها المخرجة، وما زال الحبل على الجرّار... فلم نشاهد حتى الآن سوى 23 حلقة و20 امرأة على أقل تقدير، يعشقن «الدون جوان»!
ربما بني «جريمة شغف» لكي يرضي غرور قصي خولي، ويحقق له حلمه، بعدما رسم قبل سنوات أولى خطواته نحو هدفه هذا. ظهر كـ «موديل» في كليب نانسي عجرم، وها هو يعود «موديلاً» في كليب طويل من ثلاثين حلقة. تتخلله كليبات قصيرة يعتقد نجمها بأن التمثيل صار يعتمد على الشكل و«التجغيل» والملابس الأنيقة. تلك مفردات عارض الأزياء، وهي فعلياً تنطبق على خولي في هذا الدور. «دون جوان عصره» يطلّ وهو ينظر في الكاميرا في بعض الأحيان لشدّة إعجابه بجماله، يذكرنا بغوّار عندما غنى «واشرحها»، وبدأ يصرخ على حبيبته «منتهى منتهى» مع فارق الموهبة والذكاء، وكامل الاعتذار من الكوميديان دريد لحّام.
كل ذلك في كفة، وظهور الممثلة القديرة منى واصف في هذا السيرك المبتذل في كفّة أخرى. ترى ماذا تفعل صاحبة صرخة «أسعد الورّاق» الشهيرة هنا؟ من دفعها لهذا الدرك؟ وهل قررت أن تحيد بقطارها الإبداعي نحو سكّة الانحلال الدرامي؟ ليس ذلك فحسب، بل يستعير القائمون على هذا الهراء مشاهد مكرسة في وجدان السوريين لمنى واصف ويجعلونها تعيد تمثيلها من دون أن يقّدم إحساسها العالي للعمل شيئاً سوى شعورنا بالأسف لهذا الظهور. وهو ما حصل عندما غنّت في أحد مشاهد العمل «هالأسمر اللون». ثم ما الذي حلّ بالنجمة المرموقة أمل عرفة حتى قبلت بدور تظهر فيه متصابية تبحث عن حب تغامر فيه في مواجهة المرض؟ الكليشيه المكرور هذا تلعبه ممثلة صاعدة في العشرين، لا مؤسسة مواهب في منتصف عقدها الرابع، وقد خلّفت وراءها تاريخاً حافلاً من النجاح والعطاء!