2016/01/26
الأخبار - محمد الأزن
على أطراف «حي المهاجرين» الدمشقي العريق المطل على العاصمة السورية من جبل قاسيون، تعيّن علينا ركن السيارة في آخر مكانٍ يمكن أن تصل إليه، والاستسلام للصعود عبر سلالم الحي الحجرية: مئة، مئتان، ثلاثمئة درجة، وصولاً إلى مواقع التصوير الرئيسية لمسلسل «زوال» التي اختارها المخرج أحمد إبراهيم أحمد لتحاكي البيئة الحقيقية لأحداث العمل.
المسلسل الذي تنتجه «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» لموسم دراما 2016، عن نص كتبه الممثل يحيى بيازي بالشراكة مع زكي مارديني؛ تدور أحداثه في حي مشابه جغرافياً هو «ركن الدين»، حيث يشكّل الأكراد الدمشقيون المكوّن الرئيس لسكّان الحي على مدى مئات السنين، وبدأ يستقطب منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي الوافدين الجدد إلى دمشق، من البسطاء والفقراء ممّن تعذّر عليهم السكن في الأحياء الراقية للعاصمة، أو أحياء الطبقة الوسطى، وتحوّل تدريجاً إلى مجتمعٍ شديد الخصوصية، يضمّ مكونات الشعب السوري كافة، على اختلاف مرجعياته الدينية، والإثنية، والاجتماعية.
الممثل يحيى بيازي (صاحب فكرة العمل) نشأ داخل هذه المنطقة التي تعرف بـ «جبل الأكراد»، وكذلك مخرجه أحمد إبراهيم أحمد الذي ولد وتربى في المنطقة ذاتها. أما شريك الكتابة زكي مارديني، فنشأ في بيئةٍ مشابهةٍ تماماً، لكن في مدينة حلب، حي «الشيخ مقصود»، وهذا يعني أنّهم يتناولون عبر «زوال» عوالم عايشوها، واختبروها، وتشكّل جزءاً من ذاكرتهم.
«جميع حكايات المسلسل، ومعظم شخوصه حقيقية» وفق ما يؤكد المخرج أحمد إبراهيم أحمد لـ «الأخبار»، مشيراً إلى أنّ هذه البيئة: «تتشابه عوالمها بشكلٍ أو بآخر، مع العشوائيات المستحدثة لاحقاً في محيط المدن السورية، حيث أدى عدم وجود نظام تخطيط للمدن، وغياب السياسات التنموية الفاعلة من الحكومات المتعاقبة إلى تهميش الناس البسطاء، وسعيهم لتوفير المأوى، ولو بطرق غير شرعية».
وينوّه إلى «تناقض العلاقات القائمة بين أبناء هذه المناطق، التي تنطوي على التنافر، والتعاطف، والحميمية في آنٍ. هذا ما نسعى إلى إظهاره في العمل، وربما يستغرب المشاهد ردود الفعل القاسية أو غير المتوقعة للشخصيات، التي يمكن أن تقود إلى أحداث كارثية، وسببها الضغط المادي والفقر، وطبيعة الحياة داخل الحارة، والأعراف المتحكمّة بها، حيث تسود ثقافة الثأر، وتعاطي المخدرّات».
المسلسل زاخر بالشخصيّات الغنية في تركيبتها، منها «عنز» (سلوم حداد) «بهلول الحارة، وضميرها، والمنقذ، والساخر، والعاشق إلى أقصى درجات الوله». وهناك «أبو معروف» (باسم ياخور) «المسكون بهوس البحث عن الثروة، والكنوز الدفينة التي يسعى للكشف عنها عبر الطلاسم، والسحر»، وتقف في مواجهته زوجته «أم معروف» (شكران مرتجى)، و»أبو حوّا» (فادي صبيح) نصير الفقراء والمستضعفين في حارته، وزعيمها، وحاميها، لكن ليس بالمعنى الفولوكلوي السائد، بل إنّ شخصيته أقرب ما تكون إلى «روبن هود»، فهو يعمل في التهريب «الذي قد يستهجنه بعضهم، لكنّه يسخره من أجل قضيّة سامية يؤمن بها».
يصف صبيح الشخصية لـ «الأخبار» بـ «المربكة على مستوى الأداء، خاصةً أن المخرج أحمد إبراهيم أحمد يحرص على تقديمي لها بعيداً عن المبالغة، وبأبسط الأدوات التي تظهر سطوتها واحترامها، المستمدة من ثقة «أبو حوا» بنفسه، ومثاليته، إلى جانب كونه شخصاً عقائدياً، ونشاطه يتعدى حدود الحارة، ولديه فهمه الخاص للقانون. فهو يتجاوزه في مكانٍ ما، لكنّه في المقابل يقف في وجه الضابط الفاسد «ملحم» (سعد مينا)، بينما يحافظ على علاقة طيبة بـ «العميد جلال» (تامر العربيد) تعطيه نوعاً من الثقل الذي يعزز مكانته بين أبناء حارته».
«أبو حوّا» الذي يرفض الزواج لأسباب عدة منها ما يتعلق بإحساسه بالمسؤولية تجاه أهل حارته، تربطه علاقة حب طويلة بـ «وداد» (ميسون أبو أسعد) الأرملة التي تحتضنها الحارة منذ أن لجأت إليها هاربةً مع زوجها المتوفى. وتمثل والدته «أم خليل» (نادين خوري) نموذجاً خاصّاً للمرأة الصلبة والخيرة. أما رجاله وأعوانه في الحارة، فهم: فاروق (رامز أسود)، ووليد (يحيى بيازي)، وعارف (مصطفى المصطفى)، وخلدون (حسن دوبا).
ومن رجال «أبو حوّا» أيضاً «ينال» (يامن الحجلي) «الذي ترك الدراسة، وتفرّغ لهوسه بالحمام»، ويكون له منطقه الخاص بالحياة، خلافاً لأصدقاء طفولته من أهل الحارة كشيرو (لجين اسماعيل)، حسين (أنس طيّارة)، رولا (نانسي خوري)، وسهى (رنا كرم). الشباب الأربعة، أكلموا دراستهم، شقوا طريقهم الخاص، واختبروا جوانب أخرى من الحياة خارج الحي.
وحين التقوا بعد غياب أواخر عام 2010 مع بدايات «الربيع العربي»، قرروا العودة إلى الحارة، ليستكشف المُشاهد عبر ذاكرتهم عوالم المنطقة التي نشأوا فيها. وتدور معظم أحداث مسلسل «زوال» سنة 1998، هذه المرحلة شهدت بحسب صنّاع العمل «بدايات الانحطاط الفكري والاجتماعي في العالم العربي ككل، وصعود موجة المد الديني المتطرف، وتصدع المنظومة الأخلاقية القائمة في المجتمع السوري، وحلول بدائل عنها، قادت السوريين نتيجة تراكم الانكسارات إلى ما وصلنا إليه».
الكاتب زكي مارديني شددّ في حديثه لـ «الأخبار» على تقديم شخصيّات «زوال» «وفقاً لهويّاتها الحقيقية، وانتماءاتها الدينية، والإثنية، وعلاقاتها المميزة بين بعضها، والتحديّات الكبيرة التي تواجه عيشها المشترك، كعلاقات المصاهرة بين الطوائف». واعتبر أنّ العمل «يمثّل خطوة أولى نحو المكاشفة، أملاً بأن يولد مستقبلاً رأي عام ميّال للصراحة، والتفهم، والتصالح مع الذات».
وفي انتظار مشاهدة المسلسل، يبقى عنوانه الغني بالدلالات موضع تساؤل: فهل سيكون مصير «الأزمة السوريّة» نحو الزوال؟ أم أنّه زوال «الوجه المشرق لسوريا»؟