2015/06/23
السفير - طارق العبد
بعيداً عن دراما البيئة الشاميَّة أو الأعمال العربيَّة المشتركة، يتقدم مسلسل «غداً نلتقي» إلى صدارة لائحة الإنتاجات السوريّة المعروضة ضمن برمجة رمضان لهذا العام. يتطرّق العمل إلى أحد أكثر وجوه الأزمة السوريّة قسوةً وإيلاماً، أيّ ملفّ النزوح، ما يضعه أمام خطر المبالغة في العواطف أو التنظير، وتلك أمور يبدو أنّ المسلسل نجا منها.
تطرّقت الدراما السوريّة إلى موضوع النازحين السوريين في لبنان في أعمال سابقة، لكنّها لم تجعل منه محوراً أساسياً للمسلسل كما حصل في العمل الذي كتبه إياد أبو الشامات ورامي حنا الذي يتولّى مهمّة الإخراج أيضاً.
تكشف الحلقات الأولى من المسلسل عن حكاية عدة عائلات اضطرت للنزوح والاستقرار في بيوت صغيرة ضمن بناء قديم في محيط بيروت. تدور بينهم صراعات الحياة والمستقبل والهجرة وتراكمات الوضع السوري بعيداً عن الانقسامات السياسية. نتعرف على جابر (مكسيم خليل) بائع الأقراص المدمجة في شوارع بيروت، ونتابع تطوّر علاقته بوردة (كاريس بشار) التي تعمل في غسل الأموات، لكنّها تدّعي أنّها سكرتيرة في مجمع تجاري. تتقرّب وردة في الوقت ذاته من شقيق جابر الشاعر محمود (عبد المنعم عمايري)، كما تقضي وقتها في البيت تسمع الأغاني وترقص وحدها. في البناية ذاتها، يقاسي أبو عبدو (عبد الهادي صباغ) الحياة في البلد الجديد إلى جانب زوجته (ضحى الدبس) وابنته وسط محاولاته للهجرة إلى السويد. تقيم العائلة في غرفة واحدة مع أقاربهم، وتشهد حلقة أمس (الخامسة) محاولة أبو عبدو ذبح ابنته، لشكّه بأنّها ركبت خلف أحد الشبّان على درّاجة ناريّة. على خطّ موازٍ، نتعرّف على عائلة إيهاب (فادي صبيح) وخلود (نظلي الروّاس) ومحاولة الأخيرة رعاية حماتها المقعدة، في وقت تكتشف إخفاء زوجها لمبلغ كبير من المال.
يبتعد النصّ، رغم واقعيّته الشديدة، عن حالة السوداوية والبؤس الذي يطبع حياة غالبية النازحين في البلد الجار، بل يقترب من الكوميديا السوداء. يمزج بين السخرية حدّ المرارة، وبين واقع الحياة الصعبة للمسحوقين والفقراء الباحثين عن وسائل للهجرة منها قوارب الموت، وكيفيّة الاتفاق مع السماسرة على الهجرة في البحر وحلم الحياة في السويد والنرويج. يتابع العمل أيضاً السجالات بين جابر الموالي، وشقيقه المعارض محمود، وكيف يجدان صعوبة للإقامة في بيت واحد. تخرج السخرية في أكثر المحطّات غير المتوقّعة، مثل الحوارات بين وردة وشريكتها في غسل الموتى، وحتى لدى اجتماع سيدات المبنى العتيق بشكل يومي للنميمة وسماع الموسيقى، ليظهر أداء رفيع للممثلات ضحى الدبس، ونظلي الروّاس، وكاريس بشار.
في المحصّلة، يظهر «غداً نلتقي» أنّ السوريين قادرون على ابتكار لحظات السخرية في أشد فترات حياتهم بؤساً، وبالرغم من كلّ شيء. في المقابل، يبدو أن المخرج رامي حنا قد قرر اعتماد أسلوب جديد، يقوم على التصوير بتقنيات سينمائيّة، وذلك ما يظهر من اللون المختار للصورة القريب إلى الرمادي والأزرق الباهت. يركّز على الإضاءة الخافتة في المشاهد الداخليّة والخارجيّة، ما يعكس حجم الاختناق في الفضاء الذي تدور فيه الأحداث. كما يفرد مساحة واسعة للأداء الصامت في مشاهد وردة التي تلجأ إلى ارتداء بدلات الرقص والغناء وحيدة في غرفتها، إلى جانب محاولتها الاهتمام بذاتها على وقع أغانٍ شعبيّة. الثابت في المحصلة أننا أمام عمل يبتعد عن إلقاء الأحكام أو الاستسهال في العواطف، مقابل نص وصورة يشبهان إلى حد بعيد حياة المسحوقين الباحثين عن خلاص، في محطّة انتظارهم الطويلة على الأراضي اللبنانيّة.