2015/06/22
وسام كنعان - الأخبار
قبيل بدء السباق الدرامي الرمضاني، أجرينا هذا الحوار مع الممثل والمخرج السوري الذي تحدّث عن الحياة العملية والشخصية، لا سيّما عن وحيدته «دهب». وهو يطّل علينا الآن في مسلسل «بنت الشهنبدر»، كما سيظهر كضيف شرف في «دنيا 2»
كأنك في الفترة الأخيرة صرت تسعى إلى المقابلات الإعلامية بهدف إثارة البلبلة وتفجير قنابل إعلامية بشكل دعائي ومن دون أي سبب مقنع. متخلياً عن دبلوماسية مطلوبة في إطلالة الفنان؟
يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً لو كانت أحاديثي تجافي الحقيقة. ليس مطلوباً من الفنان أن يكون دبلوماسياً وهذا يبدو جلياً في إطلالات الفنانين العالميين مع إعلامية مثل إيلين ديجينيريس وفي برامج جدية أيضاً. أما في العالم العربي، فالظهور الإعلامي يقتصر على المجاملات التي تختلف كلياً عن شخصيتي، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بالمقابلات. لا أعرف أصلاً كيف يتمسّك الصحافيون بالسؤال عن آراء الفنانين، وهم يعرفون سلفاً أن معظم إجاباتهم ستكون «ماشي الحال جهد حلو وعمل لطيف». ولا أعرف كيف يمكن لأي حركة فنية أن تتطوّر إذا ظلت الآراء هكذا. لا أبحث عن فقاعات إعلامية، وكثير من الحوارت التي أجريتها لم يكن فيها أي تصريح يثير ضجة، لكن عندما أُسأل عن رأيي أجيب بصراحة.
أليس من المنطقي لمجرّد وضع اسمك على عمل فني أن تبقى على الحياد من دون أن تشن هجوماً عليه بسبب خلافاتك مع الجهة المنتجة، وهو مع حصل بعد انتهائك من تصوير مسلسل «الإخوة» الذي ما زلت تنتقده رغم أنّك مخرجه؟
هذا الموضوع ليس مرتبط بالخلافات مع الجهات المنتجة إطلاقاً، والدليل أنّني عندما أخرجت مسلسل «أهل الراية 2» لم يقع أي خلاف مع شركة «سوريا الدولية» المنتجة للعمل. يومها، انتقدت عملي كثيراً، واعتبرت أنّه ضمن أعمال شامية ساهمت في تشويه تاريخ دمشق. حتى لو ظلّت العلاقة التي جمعتني بشركة «كلاكيت» طيّبة كنت سأقدّم نفس الآراء بمسلسل «الإخوة». ربما كنت سأختلف معهم بسبب هذه التصريحات لأنّهم يعتقدون أن أعمالهم منزلة ولا يمكن أن يطاولها النقد. العمل الفني يحتاج إلى محاكمات نقدية دائمة خصوصاً من قبل أصحابه، وبغير ذلك لا يمكن للفن أن يتطوّر في بلادنا.
ليس هناك أفضل من أن نقف ونواجه أنفسنا ونحكي عن عيوب أعمالنا وأن نتخلى عن منطق القداسة لهذه الأعمال. فمن الممكن أن تحضر فيلماً لمخرج مثل كوينتن تارانتينو وتبدي استياءك منه ومن أسلوبه الإخراجي، فما بالك عند الحديث عن مخرجين سوريين؟
القاعدة العامة تفيد بأنّه يجب الابتعاد عن تقييم زملائك على أساس أن يكون الأجدر بك تجاوز هفواتهم في أعمالك والتركيز على تحقيق أشياء أفضل لم يتمكن نتاجهم من إحرازها؟
كلام سليم، لكنّه لم يسبق لي أن دخلت في إطار التقييم لأحد من زملائي، إنّما هي حالة إبداء رأي من دون تزلّف أو تزييف أو مجاملة، لا سيّما أنّ كل ما يقدّم في المنطقة العربية شبيه ببعضه ولاشيء مميّزاً. عندما تشاهد الفن في أوروبا والولايات المتحدة يستحق أن يقال عنه إنّه مميّز مثل أفلام InterstellarأوBorgman أو The Theory of Everything. لكن القول إنّه يوجد تميّز في ما نقدّمه مدعاة للسخرية.
ما المشكلة التي حدثت خلال حوارك الأخير مع إذاعة «المدنية أف أم» وإرسالهم تفريغ الحوار إلى وسائل الإعلام معنوناً بـ«حاتم علي كاذب»؟
لم أتحدّث بهذه الطريقة، وأنا متأكد من أنّني قلت أشياء أهم بكثير، لكن تم اجتزاء الكلام ووضعه كعنوان لأبدو وكأنّني أتهم وأتهجّم على حاتم علي بشكل مقصود. ما حصل أنّه وُجّه لي سؤال حول قناعتنا كمخرجين بكل ما نقدّمه، فقلت إنّنا نضطر أحياناً لتقديم أشياء لا تنسجم مع قناعاتنا لأنّنا بحاجة للعمل في المهنة الوحيدة التي نعيش من ورائها، لكن هناك مخرجون يمكن لهم أن يختاروا بهدوء لأنّهم يتقاضون أجوراً عالية، وأنا لست واحداً منهم. وضربت مثالاً شوقي الماجري وحاتم علي وتابعت بأنّه حتى هما لا يمكن أن يكونا مقتنعين بكل ما قدّماه، فردّ المذيع بأنّه يمكن لحاتم علي أن يقول إنّه مقتنع تماماً بكل أعماله، فقلت لو حكى بهذه الطريقة سيكون كاذباً لأنّ لديه أعمالاً دون سويته المعتادة مثل «تحت الأرض» و«صراع على الرمال». جرى الحديث بهذا السياق لكنه اجتزئ ووضع له عنوان مزوّر. وتحدّثت عن الحظوظ والفرص التي وجدت لحاتم علي أكثر من غيره، مع الاعتراف المطلق بموهبته. فحتماً لو سنحت تلك الفرص لمخرج أقل موهبة لما تمكن من الوصول إلى المكانة التي وصل إليها. هذا بينما كان على جيلنا يعني الليث حجو ورشا شربتجي والمثنى صبح واجب الحفر بالصخر ليشق كلّ منّا طريقه. قُدمت لي فرص وصنعت أعمالاً مهمة لكنّها عرضت على قنوات مشفرة، ولو أفرج عنها لصالح العروض الجماهيرية لكان الوضع مختلفاً كلياً.
طيب ما قصة خلافك مع المنتجين. كلّما عملت مع شركة تخرج بخلاف معها، وقد سبق لك أن اختلفت مع «مروى غروب» (مروان حداد) والآن يتكرر الأمر مع «كلاكيت» (إياد نجار)… على هذه الحالة يمكن أن نفهم أن المشكة في شخصيتك أو في طريقة عملك؟
ربّما تكون المشكلة بسببي... على العموم لم يسبق لي أن اختلفت مع جهة إنتاجية بسبب شأن فنّي، إنّما هي خلافات شخصية بحتة تتعلّق بكيفية التعامل مع هؤلاء المنتجين وسوية تعاملهم معك. وفي ما بعد، انقلب الأمر مهنياً بحسب تعليقاتهم المضحكة فصار إخراجي ردئياً بحسب مروان حداد ولا أفهم (بالشكليّة واللونية) بحسب إياد نجار. هذا شأن آخر (يضحك)، والدليل على كلامي أنّ كل الأعمال التي قدّمتها مع هاتين الشركتين رأت النور ولم تتوقف.
منذ سنوات، اتخذت موقفاً شرساً عندما تولّى زميل لك مهمة إخراج عمل كنت تحضّره بعد خلافك مع شركة الإنتاج، لكنّك في المقابل عملت مكان رشا شربتجي في «الولادة من الخاصرة3» وكذلك مكان رامي حنا أو الليث حجو في «الإخوة»، حتى أن البعض صار يتهمك في الخفاء بأنّك «المخرج الاحتياط». هل لك أن توضح لنا هذا التناقض؟
هذه القصة لم تحدث إلا مرّة واحدة معشركة «كلاكيت»، بداعي الصداقة الشخصية التي كانت تجمعني سابقاً بصاحبها إياد نجار، وكانت بقصد إنقاذه من كارثة مالية في المسلسلين. أما الآن، فدعني أتعهد من خلالكم بأنّ هذا الأمر لن يتكرّر، ليس فقط إن تعرّض أحد لكارثة مالية بل حتى لو دُمّرت جميع الشركات. كم أنّني لن أقترب من أي مشروع يفكر فيه مخرج آخر مجرّد تفكير، لأنّني تعلمت من تجربتين أثبتتا نتائج كارثية على المستوى الشخصي. وفي النهاية «تعلّمت من كيسي» كما يقال بالعامية.
قلت سابقاً في هذه المرحلة ليس متاحاً أنّ يقدم المخرج السوري أعمالاً ضمن مشروع تراكمي بدأ فيه منذ سنوات لانحسار خيارته. هل عملت كمخرج لنص هوزان عكو «بنت الشهبندر» (يُعرض على «المستقبل»، و«السومرية») وفق هذا المنطق، وكيف تعرّفنا أكثر عن هذه التجربة؟
في «بنت الشهبندر» صادفت جزءاً من الأشياء التي أرغب في تقديمها وجزءاً مما يريده السوق. ربما هذا ما دفعنا لنقل التصوير من دمشق إلى بيروت حتى نخلق بيئة جديدة. لأنّ النص مكتوب بطريقة جيدة عند الحديث عن الأعمال الشامية على أساس أن تنفصل الحكاية عن الحدث التاريخي من دون أن يدخل التاريخ في الحكاية، ويتم تشويهه وتحريفه. والعمل هنا يقدّم «حدوتة» جميلة تدور على خلفية فترة تاريخية معيّنة من دون المساس بأحداث مفصلية ومؤرخة أو التدخل بها. واقترحنا أن تكون في ولاية بيروت واستطعنا أن نحقق توليفة نجوم جذابة من سوريا ولبنان، وأعتقد أنّ يحقق العمل أجواء جماهيرية عالية، لأنّه قصة حب جميلة تدور بين ثلاثة أشخاص.
عندما عُرض برومو العمل خلق لدى البعض إحساس باستعارة ــ إن لم نقل سرقة ــ مفردات التراث والتاريخ الدمشقي وتركيبها على عمل تجري أحداثه في بيروت، وربما يتكرّر الأمر في أعمال أخرى. كيف تعلق على هذا؟
على الإطلاق، المكان والديكورات مختلفة عن الأعمال الشامية بسبب الاختلاف العمراني بين دمشق وبيروت وسيظهر هذا واضحاً. ربّما تولّد هذا الشعور من دقائق قليلة نتيجة اللهجة الشامية التي كانت طاغية لوجود النجوم السوريين رفيق سبيعي ومنى واصف وقصي خولي وسلافة معمار وقيس الشيخ نجيب.
يتجه المزاج العام للفضائيات العربية نحو أعمال طويلة وسخيفة من دون وجود أي قيمة معرفية تقدَّم إلى المشاهد مع بدء الخروج من الموسم الرمضاني. ما هي الحلول وكيف يمكن لأصحاب المهن الإبداعية حماية ذائقة الجمهور؟
من الواضح أنّ المحطات الكبرى لا تريد أن تدخل في معمعة الثورات والحراكات والحروب. هي تريد حماية نفسها ومشاهديها من كل ذلك، وهذا حقها. لذا تتجه نحو قصص الحب الطويلة والأعمال المدبلجة بكثافة، أما العمل المصري فقد حمى نفسه من هذا المطب لأنّ المصريين يملكون سوق عرض فضائية واكتفاء ذاتياً على هذا الصعيد. لذا يمكن أن تجد أعمالاً مصرية تحكي همّاً وواقعاً حقيقياً. للأمانة ليس لدينا كسوريين أي حلول حالياً. ففي الشام الأمور متوترة وهناك فوضى عارمة لدرجة أن مسلسل مثل «عناية مشددة» لأحمد ابراهيم أحمد (كتابة يامن الحجلي وعلي وجيه) صوّر داخل سوريا، ومنع عرضه في البداية من قبل الرقابة لحجج واهية.
انتهيت من «بنت الشهبندر» وعدت للتمثيل في أكثر من مسلسل سوري. ما هو السبب؟ هل تبحث عن نجومية افتقدتها أم هو تمهيد لاعتزالك الإخراج؟
هو نوع من الحنين ووجود وقت فراغ وتلبية دعوات ودية من الأصدقاء والزملاء للمشاركة في أعمالهم.
حبّذا لو أطلعتنا على أدوارك التمثيلية هذا الموسم؟
في «العرّاب» مع المثنى صبح، أجسّد دور المحقق الذي يلاحق أبناء العائلة كونهم يقدّمون على أعمال غير قانوينة ويحاول مراقبتهم، والبحث عن مشاكلهم القانوينة. أما في «صدر الباز» مع المخرج تامر اسحق، والذي تأجّل عرضه، فألعب شخصية الباشا ضمن التركيبة المعروفة للأعمال الشامية، ولدي مشاركة كضيف في حلقتين من مسلسل «دنيا» («الجديد»، و«أبو ظبي») لأمل عرفة وزهير قنوع.
توّزع موهبتك بين الموسيقى والغناء والتمثيل والإخراج. البعض قال إنّها تشتت؟
الشغف لا يتجّزأ بالنسبة لأي جانب مما ذكرت. لا يمكن لي تقبّل مخرج لا يفهم بالموسيقى. سيكون لديه مشكلة في الإيقاع حتماً. هي حالة تكاملية، كلّما استطاع المخرج أن يكون مطلعاً ومعنياً بالموسيقى والغناء والتمثيل سيكون مخرجاً ناجحاً.
هناك مخرجون كانوا مكرّسين جداً سابقاً، لكنّهم وجدوا أنفسهم فجأة عاطلين عن العمل مثل هشام شربتجي وعلاء الدين كوكش وغيرهما. ما السبب برأيك، وهل تفكر بتحاشي هذا المأزق مستقبلاً؟
الأكيد أنّهم يتحملون جزءاً من المسؤولية بسبب تقصيرهم في مواكبة ركب التطوّر. لو لاحظت ريدلي سكوت عمره 75 سنة، وما زال متصدراً وأفلامه تكتسح السوق لأنّه ظل في حالة تحديث دائم. لكن أيضاً الوسط الفني ينسى بسرعة، لهذا يجب البحث عن بدائل تكون بمثابة حماية لي كي لا أضطر للعمل في أي شيء يُعرض عليّ مستقبلاً.
لم ينجح زواجك بسلافة معمار ولم ترتبط حتى الآن، هل ستكمل حياتك وحيداً؟
لا أؤمن بمنطق الزواج السائد في الحياة أو أنّني لا أنفع كزوج، لأنّني أكون مضرّاً للأسرة أكثر من نفعي لها. جرّبت وعشت متزوّجاً لفترة طويلة، وقرّرت ألا أستمر في ضرر هذه العائلة.
وماذا عن حضور المرأة في حياتك؟
عندما تحضر المرأة يحضر واجبها (يضحك).
تحرص على نشر صور ابنتك «دهب» بشكل دائم؟
صدّقني أشتهيها للناس.
يبدو أنّها ميالة للشهرة. ما رأيك بالموضوع؟
واضح أنّها لن تبتعد عن الشهرة، خصوصاً بعدما ظهرت مع والدتها في لقاء صحافي. لديها بوادر موهبة على أكثر من صعيد، وعندما تتضح القصة وتختار سأكون إلى جانبها إلى الحد الأقصى.
كيف تقرأ مسؤولياتك تجاهها؟
حكماً ظلمتها كوني كنت السبب في مجيئها إلى هذا العالم، لذا لن أوفّر أي جهد لكي أؤمن لها أفضل ظرف تعليمي وحياتي، على أمل أنّها عندما تكبر وتنتقل إلى حياتها الخاصة أكون قد أسّستها بشكل صحيح. وهذا أقل واجب بعدما حكمت عليها بالعيش في هذه الظروف. لذا هذا دين عليّ حتى أتمكن من تسديده، وأطمئن إلى أنّها صارت قادرة على الوقوف على قدميها وتستمر لوحدها.
لنتحدث عن دمشق.
(يقاطعنا). أشعر بالحزن على بلدي ولن أدلي بأي كلمة لها علاقة بالسياسية والحرب.
طيّب، ماذا فعلت للاجئين السوريين حتى اليوم؟
إذا أردت أن أفعل شيئاً من المؤكد لن يدري به أحد، ولن يستفيد هؤلاء اللاجئون من زيارتي واستعراضي لها.
ماذا تقول لوالدك رفيق السبيعي؟
أطال الله بعمره. أتمنى أن يستمر من دون أن يحتاج إلى أحد. وآمل أن يبقى فوق رؤوسنا تاجاً يشبه تراث الشام.