2014/08/07
يوسف الجادر – تشرين
تشكل المقدمة الموسيقية والغنائية لأي عمل درامي مسرحي أو سينمائي أو تلفزيوني المفتاح السمعي الرئيس للدخول في عالم العمل الدرامي وأجوائه وفضاءاته المختلفة، بل تكاد تكون المقدمة الموسيقية والغنائية العتبة الأولى للمتلقي، وتفعل فعلتها في الاستعدادات السمعية المناسبة للولوج في عالم الفضاء الدرامي المختلف والمتعدد.
ولعل أكثر (الشارات) أو المقدمات الموسيقية والغنائية التي شكلت حضوراً لافتاً في الموسم الدرامي الحالي هو شارة مسلسل (الحقائب- ضبو الشناتي) للموسيقي إياد الريماوي التي حققت التعبيرية بشكل واضح في الموسيقا والغناء، إذ تماهت الجملة الموسيقية مع الحدث الدرامي لأبعد حدود على الرغم من قصر الأغنية من حيث الكلمات إلا أنها اختزلت الحكاية وتكويراتها عبر عدد من الأصوات (الصولو) في أكثر من آلة، فكان الحوار بين الأصوات طاغياً في اللحن، ودلّ على الحكاية التي تعتمد أصلاً على الحوار بين المختلفين في العمل الدرامي.
تبدأ (الشارة) الأغنية بمؤثرات صوتية تعبّر عن الرحيل (أصوات موج البحر والنوارس وصوت الباخرة)، ثم ينطلق البزق بجملة موسيقية على مقام النهاوند لها دلالاتها الجمالية التي تحيل المشاهد إلى وجع الرحيل والألم، ثم تتالى الأغنية بصوت المغنية والمغني (سفرني ع أيه بلد واتركني وإنساني)، وتجيب الكمنجات مع تصوير لخلفية الجملة الرئيسة، ويدور حوار سجالي بين الكمنجات والبزق من جهة وصوت المغنية لتعود الجملة مع كل الآلات الموسيقية دفعة واحدة.
وفي الكوبليه الثاني يبدأ صوت الإيقاع التحفيزي (الطار) مع صوت البزق تعبيراً عن الفرح وتتابع بقية الآلات أداء الجملة مع خلفية ثابتة لصوت الكمنجات التي تصور حالة الرحيل والنزوح (اتركني روح وارجع لو تى بالأحلام)، لكن هنا يترك إياد الريماوي المجال للارتجالات المدروسة لآلة الغيتار الكهربائي، ويوحي من بعيد ونتيجة الجملة الطويلة أن المقام هنا سيتحول إلى بيات، لكن القفلة سهلت الرجوع إلى مقام النهاوند الرئيس فأدت الآلات مقام الكرد.
ويعد الشيخ سيد درويش أول من وضع مقدمة موسيقية لأعماله المسرحية الغنائية، إذ فرد مساحة للموسيقا قبل دخول الممثلين خشبة المسرح، وتلك المقطوعة تعبر عن مشهدية الحكاية وانتقالاتها، وتساهم في أداء المقدمة وتحديد العتبة الدلالية للمسرحية.. وجرت العادة في ذلك الوقت أن تعزف المقدمة الموسيقية فرقة (التخت الشرقي) مضافاً إليها بعض الآلات الغربية النفخية والوترية، إضافة إلى أن أغلب أعمال سيد درويش المسرحية مملوءة بالطقطوقات والأدوار الغنائية والحواريات مثل مقطع (عشان مانعلا نعلا نعلا- لازم نطاطي نطاطي نطاطي) من مسرحية العشرة الطيبة، فالتصوير الموسيقي في هذا المقطع يتطابق مع الجملة الشعرية وحركة الكورال والممثلين الذين ترتفع أصواتهم إلى أعلى الطبقات الصوتية (الفورتي فورتي سيمو) في جملة (نعلا نعلا نعلا)، وتهبط إلى أدنى الطبقات الصوتية (بيانو بياني سيمو) في جملة (نطاطي نطاطي نطاطي).
ويشار إلى أن الموسيقي إياد الريماوي أحد أشهر كتاب الموسيقا للأعمال الدرامية، كتب العديد من المقطوعات الموسيقية والأغاني، وساهم في إصدار ألبومات غنائية مع عدد من الموسيقيين السوريين، وله في الموسم الدرامي الحالي ثلاثة أعمال موسيقية تصويرية، فكتب إضافة إلى موسيقا مسلسل (الحقائب- ضبوالشناتي) الموسيقا التصويرية الخاصة بمسلسل (قلم حمرة) من إخراج حاتم علي، ورافقت موسيقاه مشاهد المسلسل اللبناني (لو) من إخراج سامر برقاوي، وله العديد من الأعمال الموسيقية التصويرية في المواسم السابقة مثل مسلسل (الغفران).