2014/07/18
بيان عز الدين – تشرين
لا أحد يستطيع نكران ما تعانيه الدراما السورية من صعوبات، لكن هذه الصعوبات ليست بالحجم الذي يعفيها من الاشتراطات المنتجة، إذ إنها دخلت المنافسة هذه السنة بموازنات ضخمة تفوق مثيلاتها في السابق، مثلاً رأينا أن عودة بعض الممثلين النجوم إلى سورية ساهمت برفع مستوى النتاجات الدرامية والتنويع في موضوعاتها لتربعهم عرش بطولتها بأدوار عدة، لاحظنا تجاوزها عائق أماكن التصوير التي كانت تخصص مسبقاً بالاعتماد على الداخل، لكن الحديث عن الصعوبات لن يعفيها في حال محاكمة توضع نتاجها على صعيد المنافسة، ونرى أنه لابد من تخطي عوامل التعويل على التمويل، ولاسيما في الأعمال الكوميدية المحلية المقدمة لمصلحة دراما تشبه الناس.
حينما نقول سورية تعيش أزمة حرب دائرة، نحن بحاجة لطروح ترصد الحالة بأسلوب واقعي جريء جرأة هذه الكارثة الفارضة ذاتها اليوم، بعيداً عن الانحياز لموقف ما أو الخيالية المبالغ فيها، بالفعل هذا ما سعى إليه صناع العمل الدرامي مسلسل «حقائب -ضبو الشناتي» للكاتب د.ممدوح حمادة والمخرج الليث الحجو، المتبنيّة له إنتاجياً «شركة سما الفن» الذي يعرض على «قناة سما الفضائية السورية» من دون تعرضه للحذف أو القص رغم جدّة بعض ألفاظه، وقناة «ال.دي.سي العربية»، هذا العمل الذي ساهم موسيقياً في توضيح فكرته مؤلف الشارة إياد الريماوي، إذ أبلى بلاء جميلاً بتوضيحه المعنى الحقيقي الذي يدفع كل مواطن سوري للسفر اليوم، وذلك بقوله على لسان مغنية التتر كارمن «سفرني على أيا بلد واتركني وانساني.. طالع مو بكيفي لأهروب وارتاح....».. استمر طرح هذه الفكرة القائمة لبناء عمل يوصف يوميات عائلة سورية متوسطة، تتفق بعد أخذ ورد على مغادرة البلد، تحت تأثير ضغوطات الحرب التي تدفعهم للسفر أو النزوح أو للجوء الإنساني وإن بالإكراه، لكن العوائق تقف في طريقهم في حلقات منفصلة متصلة تروي حادثة من وحي الواقع اليومي المعيش كالخطف مثلاً أو تحضير الجوازات، ووصولاً للتعرض للاحتجاز الأمني، هذا ما وصلت إليه الكوادر التلفزيونية في العمل في حلقته العاشرة التي مازالت تعرض نفسها مراراً وتكراراً لأن الشريط التلفزيوني «حقائب» قائم بالحديث عن عائلة «أبو عادل» المؤلفة باجتماع النجوم من «الأب خليل- بسام كوسا» الكبير بالعمر صاحب محل تجاري على خط التماس، والأم «فيحاء- ضحى الدبس» التي تحاول الهيمنة على وضع العائلة والبيت.
لاحظنا طرح حمادة للمواقف السياسية عن طريق تشبث كل أخ بموقف مغاير للآخر ودفاعه عنه إما بالثرثرة وإما بالشجار، قدم لنا الرجل الدوغمائي بشخصية «عادل- أيمن رضا» الأخ الأكبر الذي ترعرع في هذه البيئة الدوغمائية، والشاب الناشط بشخصية رضوان (أيمن عبد السلام) المناضل على موقع «الفيس بوك» لا أكثر!! في المقابل رأينا ما سمي «بالأغلبية الصامتة» مقدمة في شخصية «سلام- أحمد الأحمد»- الأخ الأكثر نضجاً في رأيي وتحملاً لمصائب العائلة والمشجع الأكبر للسفر، تشاركه الرأي الأخت المطلّقة «فداء- أمل عرفة» المصابة بحالة هوس من الوضع الحالي، يدفعها لملازمة حملها صينيّة نحاسية فوق رأسها، اعتقاداً نفسياً منها أنها ستدرأ عنها خطر شظية هاون، ما أضفى إطاراً كوميدياً خاصاً على شخصيتها، إضافة إلى شخصية «الكنّة- ندين تحسين بك» التي تعيش مشاحنات مع عائلة زوجها، ولاسيما مع الأخت الكبرى المثقفة «رنا شميس» التي تعرضت للاختطاف هي وزوجها من قبل مسلحين وتمكنوا من الهرب والعودة، وزوجها «يعقوب- قاسم ملحو» الذي يقطن عند عائلة زوجته لكونه مهجّراً من حلب، والأخت الصغرى الحالمة طالبة الجامعة المتهورة بتصرفاتها -(لوريس قزق).
سعى حمادة في هذا المسلسل إلى الخروج من حدود القرى السورية ورصد حال أهلها في ظل الأزمة، مستبدلاً قالب اللهجة الواحدة ليدخل صاحب (ضيعة ضايعة) أسوار مدينة دمشق، مصوراً معاناة أهالي أحد أزقتها الشعبية مضمناً فيه شرائح اجتماعية، جسدتها شخصيات تقدم لهجات متعددة تراوحت بين قاطن مقرر السفر عائلة «أبو عادل»، ومهجّر من محافظة أخرى هي محافظة حلب (محمد خير الجراح)، أو ذاك الأرمل (فايز قزق) الذي لم يفقد الأمل من الحياة والدليل رغبته في العشق والزواج من جارته السيدة العانس (غادة بشور) التي رغم صدها لتصرفاته المراهقية معها، مازال يحاول الاقتراب منها، لكن هو أيضاً تحدث عراقيل ومصائب في الحارة تمنعه من تنفيذ خطوة التقدم لطلب يدها.. شخصيات عديدة قدمها «حقائب»، منها صاحب المتجر (جمال علي) الذي على الأغلب اعتدنا رؤيته في أعمال من هذا النوع، كذلك شخصية الرجل المساعد للجميع الخياط (جرجس جبارة).
على الصعيد الفني، استفاد المخرج الليث الحجو من أصوات المدافع، وهول قذائف الهاون ووظفها في العمل، متخذها عنصراً بصرياً وسمعياً يراه ويسمعه المشاهد في كل حلقة.
يمكننا توصيفه بأنه الطرح الدرامي الأقرب إلى الواقع، رغم النزعة الاستهلاكية المكررة لشخصية «أبو عادل بسام كوسا» التي ذكرتنا بالموظف المتقاعد المقدم بمسلسل (قانون ولكن) التي مازالت مسيطرة على المزاج الدرامي، لكن لا يمكننا الحكم إلا أنه الأهم على الصعيد الكوميدي الخفيف والاجتماعي الحقيقي، غير أن الإقبال اللافت بدا على متابعته من الجمهور والنقاد على حدٍ سواء.
ختاماً نأمل رؤية دراما سورية خفيفة تحاكي وجع الشارع السوري بكل أطيافه وحالاته، وإن بقيت حالة الألم السياسي والاجتماعي والميداني أكبر من حالة التعبير الفني الذي يطلب منه المبالغة تارةً والتحيز لحالة ما تارةً أخرى، كي يعجب السوق الدرامي التجاري الذي تقوده القنوات العارضة للأعمال.