2014/07/18
مأمون الحاج – السفير
يستخدم مسلسل «قلم حمرة» (من تأليف وسيناريو وحوار يم مشهدي وإخراج حاتم علي) الأزمة السورية ديكوراً لأزمة جزئية، هي أزمة «الشريحة المثقفة»، إن جاز التعبير. ويعيد رسم الواقع السوري قبل الأحداث وخلالها، من زاوية الرؤية الخاصة بتلك الشريحة.
تدور الأحداث ضمن وسط ضيّق يضم طلاب إحدى دفعات المعهد العالي المسرحي، وكاتب سيناريو (رامي حنا) وكاتبة سيناريو (ورد/ سلافة معمار)، وطبيبا نفسيا (عابد فهد)، وصاحبة بار (كاريس بشار)، ومجموعة من الكتاب والمثقفين والممثلين. تتطوّر الأحداث على لسان الراوية (ورد) التي تعتقل في بداية الأحداث، وتعيد قراءة ما جرى ويجري، في سيناريو تكتبه من داخل المعتقل.
لا أثر هنا للمشاكل التي يعيشها باقي السوريين، من فقر ونزوح وموت يومي وغيره.. هنالك فقط نوع من الاشتراك الرمزي في آلام المجتمع، و«البراءة الأخلاقية» عبر تجربة اعتقال ورد.
يستخدم «قلم حمرة» تقنية تعميق القراءة والكشف على ثلاثة مستويات. في المستوى الأول تجري الأحداث ويجري النقاش مباشرة؛ في الثاني تفكّر الشخصية بصوت عالٍ يسمعه المشاهد فقط، فيكتسب هذا الصوت مصداقية أعلى باعتباره حواراً مع الذات، وباعتباره خروجاً عن الضرورات التي تفرضها العلاقة مع الشخصيات الأخرى؛ لنصل إلى المستوى الثالث مستوى الراوي الذي ينحصر بصوت سلافة معمار/ورد. تعيد الأخيرة التنظير للمشهد كاملاً وللواقع كاملاً، مزوّدة بمدفعية ثقيلة، هي الإيحاء بأنّها تكشف الزيف والنفاق الاجتماعيين، وتقول أفكارها العميقة و«المتحرّرة» بصراحة ومباشرة.
إنّ استخدام التقنية المشار إليها وبناء النص وفقاً لها، يكسب العمل شيئاً من السحر، وخاصة حين تدور الأحداث في وسط يعدّ مجهولاً بالنسبة لمعظم المشاهدين. لكنّ الكشف الذي يجري تحضير المشاهد لابتلاعه وهضمه باعتباره الحقيقة المطلقة، لا يعدو كونه رؤية مأزومة للواقع. تنشغل الشخصيات بمقولات «التحرّر»، و«الرغبة»، و«المسؤولية»، و«النفاق الاجتماعي»، وكلّها مقولات سبق أن عالجها «تخت شرقي» ليم مشهدي أيضاً، بصدقية عالية. الفرق في «قلم حمرة»، هو محاولة اختزال الأزمة السورية، في عقليّة «هي الحرية الي بدكن ياها». فرغم أنّ النفس العام للمسلسل معارضٌ من حيث الشكل، ومعارض للمقولة السابقة تحديداً، إلا أنّه لا يخرج في عمقه عن منطق النظام نفسه. فالصراع هو بين «التطوّر والتخلف»، «العلمانية والأسلمة»، «الغرب والشرق»، «النخبة والقطيع»، «النظام والمعارضة».. ويتمّ تكثيف إحدى ثنائيّات ذلك الصراع، في اجتماع ريم علي (الصيدلانية التي تنتمي بالمصادفة لنخبة أخرى أيضاً!) مع سلافة معمار في الزنزانة، باعتباره اجتماعاً للأسلمة والعلمانية، والذي يصب في نهاية المطاف في مصلحة العلمانية بشكلها «الفكري التحرّري». تفقد الأزمة السورية بذلك عناصرها الحقيقية، فهنا جميع المشاكل «الأخرى» (البطالة، الفقر، التهميش، الفساد) عناصر ثانوية، والأزمة تتعلّق فقط بمسألة الحريات السياسية، والاجتماعية.
يسلّط المسلسل الضوء على شريحة لها آلامها الخاصة، ومن الطبيعي أن تكون لها مساحتها الخاصة في الدراما. يحكي المسلسل عن حالات الانكسار التي تعيشها «النخب» يوميا، يحكي عن الهواجس الأنانية التي تسيطر عليها، عن عدميتها وفوقيتها في أحيان كثيرة، وهذا كله حقيقي، ولكنّ مشكلة العمل في مكان آخر. يقدّم العمل الواقع من وجهة نظر «النخبة» المترفعة عن «القطيع».. ولعل أزمة المسلسل هي في هذه النقطة بالذات. فالهروب نحو المقولات الجاهزة حول التحرر والنفاق الاجتماعي، الظاهرة في حالات العدمية والاكتئاب المزمن لدى جميع شخصيات العمل تقريباً، تعكس بدورها فقدان النخبة بطلة العمل، لوظيفتها الاجتماعية والسياسية، واستسهالها الدخول في الاصطفاف الجاهز. وكي تبرّر تلك الفئة غياب أيّ موقف نقديّ لديها، فإنّها تعود إلى اجترار أزمة غيابها عن الناس، وعجزها عن التأثير فيهم، عبر الهجوم المتكرّر على «تخلّفهم»، وبؤسهم، ومعاناتهم والتي لا ترقى إلى مستوى «المعاناة الفكرية» التي تعيشها. لذلك، فإنّ «قلم حمرة» يصلح باعتباره قاعدة انطلاق لقراءة نقدية لـ«أزمة المثقفين»، ولدورهم في ما جرى ويجري في سوريا.
«قلم حمرة» يومياً خلال رمضان على شاشة «السومريّة» عند الخامسة والنصف مساءً