2014/06/26
زيد قطريب – تشرين
سيقول كثيرون إن العنوان قد تأخر كثيراً ولاسيما في هذه الظروف التي يأخذ فيها التعبير البصري بعده الكبير على صعيد الإعلام والثقافة، وأيضاً بسبب لجوء العديد من الشباب في اختصاصات إبداعية مختلفة إلى محاولة العمل منفردين أو ضمن مجموعات خاصة من جراء عدم قيام المؤسسات الثقافية بتقديم الحلول الإبداعية لهم، وهذا الأمر وجدناه في الشعر ومختلف فروع الأدب والمسرح، من هنا يأتي مهرجان الشباب والأفلام القصيرة في ذهبية المؤسسة العامة للسينما كحدث مهم فعلاً، بغض النظر عن الأثر الإبداعي الذي تركته هذه الأفلام، فالواضح أن الحل البصري الذي يمكن أن يقتفيه الشباب في هذه المرحلة بالتحديد، سيلقي الضوء على كثير من تفاصيل العملية الإعلامية والثقافية وتالياً فهو عملية خطرة وشديدة الحساسية..
أفلام اليوم الأول بدأت بعرض «رحيل» وهو من سيناريو وإخراج حنان سارة التي حاولت أن تبحث في مفهومي الحب والمحبة عبر حبيبين غير مكتملين من جهة الحب لكنهما يصران على لعب دور الحبيب ليصبح الرحيل حلاً بالنسبة للمرأة التي كانت على ضفة أخرى.. في فيلم «سنلتقي يوماً»، مدته ثماني دقائق، وهو من سيناريو وإخراج محمد علي، رؤية بصرية وحلول مختلفة لواقع يحفل بالمآزق، فالكلب المربوط في مكان منعزل على ضفة بحيرة ما، يتحول إلى ملجأ دونما سبب معروف، ويتحمل تالياً وزر التأويلات التي يمكن أن تجري لتصل في نهاية المطاف إلى موت الشخص الذي كان يرعاه وتوصيته بالكلب لصديقه الذي يأتي لكي يطلق صراحه وهو يصرخ..
في فيلم (ضجيج الذاكرة) تأليف وإخراج كوثر معراوي، استرجاع لماضي الأسرة الذي تعيشه البطلة عبر مقاربات ومفارقات تقدم الطفولة واللحظة الحالية بشيء من الأسى على تلاشي الزمن في تلك التفاصيل الهامشية.. ومن ثم يأتي عرض «خطوة ما»، تأليف وإخراج فراس كالوسية، الذي يطرح الطفولة ببراءتها ونبلها كحل لواقع العنف والحرب وانهيار الإنسان... أما في «حلقة مفرغة» لأيهم سليمان، فهناك ما يشبه المقارنة المحزنة بين البطل الذي يقوم بنقل الحطب على ظهر حماره الذي يموت في الطريق ويجلس لكي يبكيه ثم يقوم بدفنه، ليتحول المشهد إلى مفارقة تفضي إلى قيام البطل بدور الحمار أمام العربة ليتكرر المشهد وليموت البطل بالطريقة نفسها لكنه يموت وحيداً ولن يجد بقربه أحداً!.
«زهرة القبار»، إخراج قصي الأسدي، تأليف ربا الحمود، هناك محاولة أيضاً لتصوير واقع الحرب والدمار الذي تعرضت له العديد من المناطق السورية، ليبدو المشهد العاطفي غالباً على الموضوع البصري وضرورات بحث الكاميرا عن حلول مختلفة عما ألفناه عادة، فيشاء المخرج أن يختم بأغنية فيروز «في قهوة ع المفرق» لكي يفتح نافذة الأمل من جديد!.
من عروض الأيام اللاحقة فيلم «الرجل الذي صنع فيلماً» والسيناريو فيه لعلي وجيه أما الإخراج فلأحمد إبراهيم محمد يرافقهما عدد كبير من الممثلين على رأسهم جهاد سعد.. الحلول الإخراجية تبدو حاضرة بقوة في هذا العمل إضافة إلى الفكرة التي اشتغل عليها المؤلف وهي محاولة تفكيك الكارثة التي من الممكن عملياً أن تولد العديد من الكوارث المتصلة، الفيلم اشتغل على موضوع السينما داخل السينما وهي أسلوبية نجح فيها المخرج إلى حد كبير..
في أفلام أخرى مثل «توتر عالي» حضرت فكرة المؤلف سامر محمد إسماعيل بشكل محبوك ومرسوم بدقة كأنها مخصصة لفيلم طويل، لكن التكثيف هنا كان من شأنه أن يستنفر ذهنية المتابع لكي تكتشف مع أدوات المخرج المهند كلثوم الكثير من خبايا العمل وجمالياته.. الفيلم من بطولة الفنان أديب قدورة، علي صطوف، مي مرهج، سامر خليلي..
«وليمة مسعود»، عمل فيه الكثير من الجهد على صعيد السيناريو والإخراج، لقطات سريعة تألق فيها أندريه سكاف مع مجموعة الممثلين لكي يعبروا بالصوت والحركات والحديث المقتضب الكثير من تناقضات الحالة الريفية وتصوراتها عن المسؤول القادم من المدينة حيث مسعود يريد أن يحقق مكانة ما عبر عزيمة هذا المسؤول ضمن مفارقات وتناقضات مضحكة ومحزنة في الوقت نفسه.. الفيلم من إخراج وضاح الفهد، وسيناريو عبد اللطيف عبد الحميد، و تمثيل فؤاد العلي – أندريه سكاف – أحمد رافع – شيرين منصور – فرح الدبيات – لينا حاج حسين – عكرو أبو سعدة – مصطفى المصطفى - محمد القرينات – محمد معتز اتلق.
ظاهرة عامة طبعت الكثير من أفلام المهرجان، حيث كانت المعادلة غير موفقة دائماً بين المخرج وكاتب النص والممثلين، فمرات نحصل على الحلول البصرية وهي ترتفع بمستوى النص، ومرات أخرى يحدث العكس تماماً، مثلما يلعب الممثلون المعروفون الدور نفسه في العمل.. لكن وفي جميع الأحوال فإن الملاحظات لا يمكن أن تقلل من قيمة مهرجان يحاول فيه الشباب أن يكتشفوا تصويراً بصرياً يحمل ذائقتهم وحساسيتهم للواقع حيث أصبحت الكاميرا ملكة الفنون من دون شك!.