الكوميديا السورية 2014.. من بطولة الحزن

سامر محمد اسماعيل - السفير

لا تزال الكوميديا السورية الظاهرة الأبرز في الدراما العربيّة. خلال السنوات الماضية، كان السوريون وحدهم القادرين على صوغ أنواع متجدّدة من الكوميديا، عربياً، بعدما توقفت مصر عن إنتاج الضحك منذ رحيل فؤاد المهندس وتراجع شباك تذاكر عادل إمام. استفاد صنّاع الضحك السوريون من ملفات الفساد الكبرى في بلادهم، لتحويلها إلى كوميديا. ظهر ذلك من تجربة «صحّ النوم» و«حمام الهنا» للثنائي دريد لحام ونهاد قلعي، نجمي «حارة كل مين إيدو إلو» سبعينيات القرن الفائت، مروراً بسلسلة «مرايا» لياسر العظمة التي انطفأ بريقها في نسختها الجزائرية الأخيرة، وصولاً إلى «بقعة ضوء» التي أنهى المخرج عامر فهد مؤخراً تصوير النسخة العاشرة منها عن نصوص لكتّاب مختلفين أبرزهم حازم سليمان ومازن طه وآخرون.

تفيد الأنباء عن الجزء العاشر من العمل، أنّه يتجاوز الكثير من الخطوط الحمر، كما يشهد عودة شراكات فنيّة ناجحة للعب أمام كاميرا «يا ناس خلوني بحالي»، مثل باسم ياخور وأيمن رضا، الثنائي المؤسس للسلسلة الكوميدية، جنباً إلى جنب مع عبد المنعم عمايري، ومحمد خير الجراح، وديمة قندلفت، وفايز قزق. ينقل «بقعة ضوء 10» مفارقات وطنيّة صادمة، عاشها السوريون على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر مأساتهم الدموية؛ بحيث لم يعد الضحك هنا مجرّد أداة تسلية أو ترفيه وحسب، بل أداة تعكس مرارة الموت اليومي، بغزارة قذائفه وسياراته المفخخة.

يشهد الموسم الحالي عملاً آخر، يقترب من أوجاع الشارع السوري الراهنة، بصورة ساخرة، وهو مسلسل «حقائب/ ضبوا الشناتي» لكل من كاتبه ممدوح حمادة ومخرجه الليث حجو. يكرّس هذا الثنائي تجربة جديدة في الكوميديا السوريّة، بعد تعاون لافت بينهما في مسلسلين استشرفا الكارثة، هما «ضيعة ضايعة» و«خربة». يؤدّي بطولة العمل بسام كوسا، وضحى الدبس، وأمل عرفة، وأحمد الأحمد، وجمال العلي، وندين تحسين بك، وأيمن رضا وجرجس جبارة، في خيار فنّي يقارب الكوميديا السوداء، عبر حكاية عائلة تعيش تمزقاً داخلياً بين هجرة البلاد أو البقاء فيها. تتكئ الكوميديا هنا، على ذكاء الممثل في خلق كاركترات جذابة أمام كاميرا حساسة للغاية، ككاميرا الليث حجو. وتلك كاميرا قادرة دائماً على اجتراح بيئة لونية ومكانية، توظّف هذه المرّة حارات دمشق القديمة، لمصلحة تهكمها اللاذع من بشر يعيشون تحت رحمة قذائف الهاون، وعظات مذيعي ومذيعات أخبار بلادهم. يتحوّل الممثل هنا إلى أداة نفي لقتامة الواقع وعبثيته. فالنصّ الذي حقّقه صاحب «أم الطنافس» يدخل إلى عمق المأساة، محاولاً إنجاز ما يشبه بورتريهات منفصلة/ متصلة عن فداحة الخسائر النفسية لمواطني بلاده.

في المقابل، يحقّق وسيم السيد «سيتكوم» جديداً بعنوان «نيو لوك»، ينتمي بعرف صحافة البابارتزي السورية إلى صنف «كوميديا لايت». واسم النوع الأخير هذا، درج إطلاقه على مسلسلات برؤوس أموال محدودة، يراهن صانعوها على تجريب حظهم في سوق العرض الرمضاني، مستفيدين من تدني أجور الأيدي العاملة في أوساط الدراما السورية، وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار (كون البيع للمحطات يتم بالعملة الصعبة، فيما يتقاضى الفنانون والفنيون أجورهم عن أعمالهم بالليرة السورية). كتب «نيو لوك» كل من الشابين حسام جليلاتي ووئام إسماعيل، وهو «كوميديا خفيفة» إذاً، عن زبائن محلّ تصفيف شعر نسائي، يتمّ فيه التركيز على لعبجات لفظية، وسيَر شخصيات محشورة في كادر واحد على مدى ثلاثين حلقة. يصوغ العمل مادة ضحك لا تمت للأزمة السورية بصلة، بل تسعى إلى تحقيق موطئ قدم لها في خريطة العرض الرمضاني.

وفي السياق ذاته، يأتي الجزء الثاني من مسلسل «سوبر فاميلي» الذي كتبه أسامة كوكش وتاج عبيدو ويخرجه فادي سليم. ينتمي العمل بدوره إلى مسلسلات «الكوميديا لايت» التي تركّز على العلاقات الأسريّة داخل البيت الواحد، وما يكتنفها من مشاحنات، بين شباب «فايسبوك» وبنات «تويتر» من جهة، وآباء «الزمن الجميل» من جهة أخرى. يشارك في بطولة العمل كلّ من زهير رمضان وسلمى المصري وتولاي هارون. من ناحية أخرى، يذهب مسلسل «خان الدراويش» الذي كتبه مروان قاووق وأخرجه سالم سويد، إلى ملعب ما يسمّى بـ«كوميديا البيئة». يعكس العمل رغبة الشركة المنتجة بالاستفادة من نجاح مسلسلات البيئة الشامية في سوق الفضائيات، وذلك عبر لوحات قصيرة لها إسقاطات من داخل الصيغة الشامية. لنكون مرةً أخرى أمام تطنيش ليوميات الحرب، والتركيز أكثر على طبق من الضحك الفولكلوري الممزوج بالتهريج والمبالغة في اللهجة الشامية، بمشاركة الممثلين أندريه سكاف، وناهد حلبي، ووفاء موصلي، وأيمن رضا. بذلك، يكون الجمهور هذا الموسم على موعد مع كوميديا سورية من بطولة الحزن، إن جاز التعبير.