وائل العدس - الوطن السورية
لم يكن نجماً، ولم يصنف يوماً بين فناني الصف الأول، ولم يزاحم على بطولة مطلقة، ولم يهدف يوماً إلى أجر عال، بل مارس الفن للفن بعيداً عن النفعية والغائية.
عاش فقيراً ومات وحيداً، وقضى أيامه الأخيرة حزيناً وقلقاً وخائفاً ومريضاً دون أن تشمله رعاية نقابة الفنانين رغم أنه أثرى الدراما السورية بأعمال راسخة وصنع نجوماً شكلوا علامة فارقة في العصر الذهبي.
فارق الحياة بصمت ودفن بهدوء، ولم يرافقه أي من زملائه في مشواره الأخير لوداعه، فووري ثرى الشام التي أحبها بعيداً عن الأضواء، مكملاً فصول مأساة فنان لم يطبل أو يزمر لمخرج أو فنان حتى أصبح من المنسيات.
شيع يوم الخميس الماضي جثمان الفنان القدير رياض شحرور عن عمر ناهز الـ78 عاماً... قضى أكثر من نصفها في عالم الدراما والمسرح، وانطلقت جنازته من منزله في حي الزاهرة بدمشق، وصلي على جثمانه في جامع شمدين آغا قبل أن يوارى الثرى في مقبرة بئر السبيل في حي ركن الدين.
أسس شحرور أول فرقة مسرحية عام 1955 وكان يعرض مسرحياته في البيوت العربية القديمة وقد تتلمذ الكثير من الفنانين في مسرحه، ووصف بخفة الدم من خلال أدواره الكوميدية وهو عضو في المسرح القومي ومن مؤسسي نقابة الفنانين بدمشق.
يشهد له نوابغ المسرح السوري والدراما والسينما في هذا البلد بأنه كان أستاذا لمعظمهم، بمن فيهم جيل العمالقة «دريد لحام ورفيق سبيعي وناجي جبر وعبد اللطيف فتحي... إلخ».
للفنان الراحل الكثير من الأعمال الكوميدية المعروفة، أشهرها: عيلة خمس نجوم، ويوميات مدير عام، والدغري، ودنيا، وبقعة ضوء، وأحلام أبو الهنا، وقلة ذوق وكترة غلبة.
مهد المسرح
في العام 1955 أسس شحرور أول مسرح في سورية جمع إليه مجموعة من الشبان ممن هم في سنه وأصغر بقليل، وطاف بهم شوارع دمشق في تلك المرحلة الذهبية من تاريخ سورية لجهة تقبّل الأفكار الجديدة.
وحين تم التضييق عليه لنشاطه في الشارع قرر شحرور نقل مسرحه الشارعي الجوال من الطرقات العامة والأرصفة، إلى بيوت دمشقية قديمة غير مسكونة، وكان يدفع أجرة اليوم لصاحب المنزل من جيبه الخاص، ولم يكن يربح من مسرحياته إلا القليل.
يقول شحرور في لقاء صحفي: كان همي إنشاء جيل سوري يعرف أن المسرح نعمة على أي شعب في العالم وليس نقمة.. في سبيل ذلك ندفع المال ولو من لقمة عيشنا. لم يكن شحرور ذاك الثري أو الذي يملك المال الكافي للصرف على مسرحه، وكذلك أجور الممثلين معه، أو حتى تعويض ساعات الكتابة أو البحث عن الأفكار.. كما لم يكن والده يؤمن بالمشروع من أساسه، وإن ترك له حرية التحرك كناشط في الفن والثقافة.
ظل على وضعية الصارف على فنه لسنوات، إلى أن جاء التلفزيون في العام 1960 وعندها تأسست دائرة في التلفزيون للفنون، فراح يقدم لها مشاريع مسرحية تم تجميع أبرز نجوم الوسط في ذلك الحين من ممثلين ومخرجين، فلاقى نتاجه المقابل المادي الذي يطمح إليه أي فنان.
في مطلع السبعينيات تأسست نقابة الفنانين، وكان واحدا من مؤسسيها، وعرضت عليه المناصب كثيراً ومراراً وتكراراً، لكنه كان على الدوام يرفض أو يعتذر، لأسباب تتعلق بالمهنة وروحها وحسب.
بلا شهرة ولا منصب
لا يمكن أن يبحث عن الشهرة بقدر ما يبحث عن اشتهار الفكرة التي يخلقها ويبدعها، ومن ثم يسوّقها، لتصبح في متناول المتلقي، تلك عبارة قالها شحرور قبيل سنوات في تعليقه لصحيفة عربية سألته عن قوة تأثيره ومحدودية شهرته في البلاد العربية.
وأكد أن المنصب سيمنع الفنان من الإبداع.. وسيتجه الشخص إلى الأمور الإدارية والتواقيع، وقال: لا أرى أن الفنان أصبح فناناً ليمسك قلما ويوقّع على طلبات ومعاملات للآخرين.
أدوار راسخة
رغم قلة أدواره إلا أن الكثير منها بصمت ورسخت في عقول المشاهدين، لعل أبرزها شخصية «أبو وصفي» في مسلسل «عيلة خمس نجوم» مع المخرج هشام شربتجي، ذلك الجار الشره الذي لا يفكر إلا بطعامه وشرابه.
أما دور «أبو زاهر» في الجزء الأول من «يوميات مدير عام» فكان له الأثر الكبير، حيث سعى هذا الموظف إلى تقاضي الرشوة من مأكل ومشرب مقابل تيسير أمور المعاملات، حيث نجح شحرور في ثاني تجاربه مع شربتجي أيضاً، كما انعكست خفة دمه على اللوحات الكوميدية التي قدمها في سلسلة «بقعة ضوء»، ودوره في «دنيا».
رثاء ولكن!
لأنه بقي فناناً مغموراً ولم يطرق باب النجومية، فقد تناسى معظم الفنانين فضل زميلهم، واكتفى البعض القليل منهم ببعض العبارات الإلكترونية، وهذا ما قاله الفنانون على مواقع التواصل الاجتماعي:
أمل عرفة: ذاك الحضور العفوي المدهش، وتلك الروح التي تُشِع فرحاً، رياض شحرور.. غاب أيضاً.
أيمن زيدان: رحمك اللـه أبوعاطف الفنان الصديق رياض شحرور.. كنت فناناً معجونا بالموهبة والنبل، خسرناك وخسرنا روحك العامرة بالحب.. وداعاً وأسكنك اللـه فسيح جناته.
ديمة الجندي: اللـه يرحمك ويصبر اهلك وأحبابك يا رب.
دينا هارون: الرحمة لروح الفنان رياض شحرور.. والصبر لعائلته الكريمة.
شكران مرتجى: البقاء لله اللـه يرحمه.. بسمة جديدة كانت مغيبة والآن غيبها القدر.
باسم ياخور: نخسركم بألم.. ويذهب معكم جزء من ذكرياتنا الجميلة، رياض شحرور رسمت البسمة على وجوه الكثيرين، وداعاً.
قصي خولي: رحمة اللـه عليك يا أستاذ رياض، إنا لله وإنا إليه راجعون.