2014/04/09
سامر محمد اسماعيل- السفير
على مقربةٍ من مسرح نقابات العمال في دمشق، الخشبة التي احتضنت مسرحيّة «كاسك يا وطن» (1976)، كان لقاؤنا مع دريد لحام، في مكتبه. على جدران المكتب عشرات الجوائز وشهادات التقدير، حصدها الممثل السوري على مدى مسيرة تمتدّ لما يزيد عن خمسين عاماً. يستقبلنا بقهوة صباحيّة وابتسامة، ويحدّثنا عن «يوسف آغا» الشخصيّة التي يقوم بأدائها في مسلسل «بواب الريح»، عن سيناريو لخلدون قتلان وإخراج المثنى صبح. «أقدّم في العمل شخصية شيخ كار النحاسين في دمشق، الشخصيّة السوريّة اليهودية، والرجل المسموعة كلمته بين أبناء قومه، وهو شخصيّة وطنيّة متعلّقة بالشام، يحارب ويناضل ضدّ هجرة اليهود الشوام إلى «أرض الميعاد». تدور أحداث هذا المسلسل العام 1860 خلال أحداث الفتنة الطائفية التي بدأت في الشوف بين الدروز والمسيحيين، وانتقلت إلى دمشق».
يأتي أداء لحام لشخصيّة يهوديّة في سياق اهتمام ملحوظ تعطيه الدراما السوريّة للسوريين اليهود، كما ظهر في أكثر من عمل خلال المواسم الرمضانيّة الماضية. وفي هذا السياق، يقول لحّام إنّ «اليهود جزء لا يتجزأ من النسيج الديموغرافي السوري، وكان لهم نائبان في البرلمان السوري خمسينيات القرن الفائت، فهم سوريون قبل أن يكونوا يهوداً. والفرق كبير بين أن تقول «سوري يهودي»، وأن تقول «يهودي سوري» فالمرء يجب أن ينتمي لوطنه قبل أن ينتمي لطائفته». لكنّ شخصيّة الآغا لم تكن المحفّز الوحيد لمشاركة لحام في عمل يأخذ قالباً تاريخياً، وتلك التجربة الأولى له ضمن هذا النوع على الشاشة الصغيرة. يقول: «ما أحببته في المسلسل أنّه واقعي. وقد عدتُ خلال قراءتي للنصّ، إلى وثائق ومراجع تاريخيّة، وتأكدت من الأحداث التي يعالجها الخطّ الرئيس للمسلسل. طبعاً هناك ما يتناوله الكاتب ضمن قالب درامي وهذا حقه كونه ليس مؤرّخاً، لكن الأحداث المكتوبة بالمجمل هي موثّقة وواقعيّة».
من ناحية أخرى، كانت معالجة «بواب الريح» للشخصيّات النسائيّة، عاملاً مؤثراً لإقناع لحّام في خوض التجربة. يقول: «نصّ العمل يحترم المرأة السوريّة، ويحترم نضالها وكفاحها ووجودها في المجتمع. فهي في هذا المسلسل ليست فقط لتُضرب وتنجب، على خلاف الصورة التي تمّ تقديمها في بعض أعمال البيئة الشامية مؤخَّراً». في هذا السياق، يقول «غوّار»: «قلت لمعظم صنّاع أعمال البيئة الشاميّة إنّها كانت لتكون جيّدة لو لم ينسبوها للشام، ونسبوها إلى نوع الفانتازيا. لكنّ صناع أعمال البيئة الشامية وقعوا في فخّ التاريخ، كونهم تعرّضوا في تلك المسلسلات للاستعمارين العثماني والفرنسي، من دون أن يأخذوا بالحسبان دور المرأة في تلك الحقب. فمن ينسى المناضلة ثريّا الحافظ التي كانت تخطب بالمتظاهرين في ساحات وشوارع دمشق ضد الاستعمار الفرنسي؟ ومن ينسى نازك العابد التي حملت السلاح إلى جانب البطل الشهيد يوسف العظمة في موقعة ميسلون ضدَّ جيش الاستعمار؟ كل أم في دمشق في تلك الفترة كانت مناضلة، أمي ولدت اثني عشر ولداً ولا أذكر أنها سمعت كلمة نابية من أبي (...). لذلك، أعتقد أنه من الخطأ أن نضع بعض الأعمال في خانة «البيئة الشاميّة»، فهي بيئة من حيث ديكورات المدينة والبيوت والأزياء، لكنّها في المضمون ليست بيئة شاميّة إطلاقاً».
يتوقف لحام عن الحديث ناظراً بأسى من نافذة مكتبه نحو دمشق. يصلنا صوت قذيفة هاون وقعت لتوّها في ساحة الأمويين: «سوريا تتعرض لظلم لم يتعرَّض له بلد في العالم إطلاقاً، وتحت مسمّيات كاذبة. لا أحد منّا ضدّ الحريّة أو ضدّ الديموقراطية؛ بالعكس، فمنذ أيام عملنا في «مسرح الشوك» مع الأستاذ عمر حجو، كنّا نطالب بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، لكن ما يجري على الأرض السورية اليوم لا علاقة له بتلك الشعارات. عندما ترى مسلّحين قادمين من كلّ أنحاء الأرض، تعرف أنَّ الهدف هو تدمير البلد وليس الحرية، فالحرية تعني السوريين وحدهم». لكن هل الفنّ قادر اليوم على مجابهة الكارثة؟ يقول لحام: «الفن يمكن أن يشارك في الحلّ، لكنَّنا اليوم أمام عقول غير قابلة للنقاش، فمن يفجِّر نفسه في سوق لو كان عقله معه، لفكر كيف سيدخل الجنة وهو يتسبب بقتل أطفال وطلاب مدارس وأبرياء؟ لكن للأسف هذا كله تابع للعبة المال القادر اليوم على شراء ضمائر الكثيرين».