2014/04/01
روز سليمان – السفير
تشذيب البشاعة". بهذه الكلمات يختزل ممدوح حمادة (1959)، ما يستطيع فعله أمام قسوة ما يجري اليوم. ليست القصة محاولة "تجميل" هنا، بل هموم شخصية نموذجية. تُبنى على الجماعة، لا الفرد. تبنى على البساطة، لا التعقيد. لا ريفية ولا مدينيّة، ولا خيال ولا واقع، ولا نجاة ولا يأس. لا انتماء ولا شرعنة. لا هروب ولا سخرية. وحدة، غربة، ضجر. لا انفصال ولا اتّصال. كلمات. تصورات لحياة. صفحات. أشهر وربما سنوات يعيش فيها الكاتب مع شخصياته. لتحيا هي. وإلا، يملّ هو، وتختفي.
الطفل الذي عاش حرب حزيران 1967 عن قرب، بحكم انتمائه للمنطقة الواقعة في الجبهة آنذاك، خاض تجربة النزوح بكل تفاصيلها المرة. خاض حرب 1973 جندياً، أثناء تأديته الخدمة العسكرية. الكاتب السوري المقيم في بيلاروسيا، يعكف حالياً على إنهاء نص "حقائب" (عنوان مؤقت)، وهو المسلسل الذي يحمل توقيع المخرج الليث حجو، وتنتجه "سما الفن" ليكون جاهزاً للعرض في الموسم الرمضاني القادم.
ما مدى تداخل نصّ "حقائب" بالأزمة التي تعيشها سوريا؟ "تداخل وثيق"، يجيب صاحب مسلسل "خربة" و"ضيعة ضايعة". "إنّها حكاية معاناة أسرة سوريّة، تقرّر الهجرة غير الشرعية وطلب اللجوء في أوروبا. ولكن حتّى هذا الحلم يصبح مستحيلاً، إذ أنّ العائلة تتعرض لمشاكل تمنعها من تنفيذ رغبتها، وطبيعة المشاكل التي تتعرَّض لها هي نماذج عما يتعرض له السوريون في هذه الفترة".
عندما لم ينج "الخربة" من الجمهور، شبّهه بـ"ضيعة ضايعة". بالمقابل رأى النقاد المختصون اختلافاً كبيراً بينهما، ضمن هذا المعطى أين يقف "حقائب" بالنسبة للعملين السابقين؟ "بالنسبة لهذا العمل لا أظنّ أنه سيحدث لبسا من هذا النوع، كونه يجري في بيئة دمشقية معاصرة تنتمي إلى واقعنا الحالي، وفيها من الواقع أكثر مما فيها من الإسقاطات"، يقول حمادة. "السبب الرئيسي الذي جعل الجمهور يشعر بأنّ هناك صلة بين "الخربة" و"ضيعة ضايعة" هو أنّ العملين قَدِّما ضمن بيئة ريفيّة رغم الفوارق الكبيرة بينهما. بكلام آخر في هذا العمل، أحاول الانتقال إلى تجربة درامية جديدة، لأنني أعتقد أنّ التجربة الريفية قد أُشبعت تماماً". يضيف: "بلغت القصص الريفية التي قدّمتها في أعمالي المختلفة ما يقارب المئة، توزّعت على خمسة أعمال أشهرها "بقعة ضوء"، و"ضيعة ضايعة"، و"الخربة"، وهناك عملان آخران هما "عالمكشوف"، وعمل أردني بعنوان "شو هالحكي" وأعتقد أنّ ذلك أكثر من كاف للتفكير بالانتقال إلى تجربة أخرى، مرتبطة بالحدث بشكل من الأشكال".
نسأل حمادة، المعروف باشتغاله على الشخصية، عمّا إذا كان المشاهد السوري على موعد في "حقائب" مع أحداث تشبه في تفاصيلها ما عاشه على مدى الثلاث السنوات الأخيرة، أم أنّه سيقدّم رسالة سياسيّة من خلال كوميديا الموقف كما حصل في أعماله السابقة؟ يقول: "عندما نتحدّث عن كتابة عمل درامي نحن نتحدّث عن مئات الصفحات، نتحدّث عن أشهر وربما سنوات يعيش فيها الكاتب مع تلك الشخصيات". تشبه الفترة الأولى من كتابة السيناريو، الدخول إلى حارة لا يعرف الكاتب ساكنيها، يتعامل معهم بطريقة شبه رسمية، ثم مع بناء الشخصية وتطورها، يصير هناك تآلف أعمق. "الكتابة الحقيقية للعمل تبدأ في هذه المرحلة بالذات، وفي أغلب الأحيان أصل إليها بعد كتابة الحلقة العاشرة، فأعود إلى تعديل الحلقات بناءً على ما توصلت إليه"، يقول. وفي حالة "حقائب"، لا يزال حمادة في "حالة تعارف مع شخصياته ويسعى لتكون شخصيّات ممتعة له بالدرجة الأولى ولمن سيتعامل معها لاحقاً".
ليس القدر السعيد ما ساق السيناريست السوري للعيش خارج سوريا. رغم قصر المدّة الزمنيّة التي عاشها في دمشق، ومصاعبها، إلا أنها كانت "الأكثر دفئاً في حياتي". ورغم طول فترة غيابه عنها، يكتب نصوصاً بهوية سوريّة خالصة، ألم تنضب الذاكرة بعد؟ يعتبر حمادة أن المشاهدة هي المصدر الأساسي للكتابة، وهي عملية لا تنقطع. "قصص كثيرة أكتبها، مستقاة من أحداث جرت في دول أجنبية عشت فيها، ومع معارف وأصدقاء أجانب، لكنني قمت "بسورنتها"، إن صحّ التعبير، أما الذاكرة فهي مصدر من المصادر الهامة، إضافةً إلى الخيال الذي هو دائماً ابن للواقع".
يرفض حمادة تدخّل شركات الإنتاج بأي شكل في نصّه، سواء لناحية الموضوع أو الفكرة أو أية إيحاءات أخرى. يخبرنا: "اعتذرت عن العمل في مشاريع مع عدة شركات، اقترحت عليّ فكرة وتريد كتابة نص يدور حول فكرتها. ربما أقبل المشاركة بكتابة عمل مع كتاب آخرين كنوع من ممارسة العمل الذي لا بد منه للحصول على دخل يمكنني من مواصلة الحياة". ويضيف: "كتابة السيناريو مهنة في نهاية المطاف، وفي البلدان حيث صناعة السينما متطوّرة فإنَّ معظم كتاب السيناريو يكلفون بكتابة أفكار تقدّم لهم، لأنهم حرفيون، أمّا عندنا فمعظم كتاب السيناريو هم بالأصل كتّاب. وما يقدمونه يكون في الكثير من الأحيان مشاريع إبداعية، لا إنتاجات حرفية".
شكّل حمادة ثنائياً ناجحاً مع الليث حجو، وتركت أعمالهما المشتركة أثراً على مسار الدراما السوريّة خلال السنوات الأخيرة. فهل صار النجاح خلطة محسومة بالنسبة لهما؟ "باب المفاجآت يبقى مفتوحاً على مصراعيه دائماً"، يقول. "هناك دائماً مفاتيح للنجاح يمكن رؤيتها مسبقاً، بحكم التجربة والاطلاع. وفي تجربتي مع الليث حجو لدينا تقاليد درجنا عليها هي عدم التسرع". هل يتغيّر مزاج الجمهور؟ "مع الأسف نعم،" يجيب ممدوح، "الأحداث الجارية والانقسامات الحاصلة قد أثرت عليه كثيراً، وأصبح يكفي أن يشارك ممثل ما في عمل ما لكي تناصب شريحة من الجمهور العداء لهذا العمل، وإهمال كل شيء آخر متعلّق به، وهذا ينطبق على الجميع".
يأتي "حقائب" بعد انقطاع ثلاث سنوات لم يقدم فيها ممدوح حمادة أي عمل، لكن ثمة نصوصا قيد الإنجاز مرتبط بها مع عدة شركات إنتاجية، إلا أنه يرى أن من المبكر الحديث عنها. "ما أستطيع قوله فقط أن هناك عملين قادمين سيكونان تجربتين جديدتين بدأت العمل على أحدهما منذ أكثر من خمس سنوات، وعلى الثاني منذ ثلاث سنوات، وأفضل ترك التفاصيل لحينها".