2014/02/26
سامر محمد إسماعيل – تشرين
ذهب الفنان جهاد سعد في مشروع تخريج طلاب قسم التمثيل السنة الرابعة إلى خيار الورشة الفنية المفتوحة؛ واضعاً طلابه التسعة على مسرح سعد الله ونوس؛ وجهاً لوجه مع امتحانات عدة للجسد واللياقة والصوت وحساسية التفاعل الجماعي على الخشبة؛ لتفتتح هذه المسرحية عروضها في المعهد العالي للفنون المسرحية بصدامية أداء جماعي جعلت «الطالب/ الممثل» منساقاً إلى نوعية خاصة من مسرح العنف الذي تتغلب فيه القدرة البدنية على صناعة الشخصية المسرحية؛ إذاستطاع «سعد» في صياغته المسرحية الجديدة أن يحقق توريات مسرحية متعددة؛
رامزاً بقوة إلى حال العلاقات الإنسانية في ظل الأزمة السورية؛ وما يترتب من آثار نفسية قاسية على كل من الرجل والمرأة في ظل هيمنة نشرات الأخبار الدموية على وعي الناس وطبيعة سلوكهم اليومي؛ وليكون جمهور «المسرح الإيطالي» على موعد مع أمسية مسرحية ساخنة كان قوامها مشهدية عالية تمكنت من خلق فضاء حر للتعبير عن إمكانات الممثل على عتبة الاحتراف؛ وليسيطر عليها ميزانسين لخطة إخراجية محكمة؛ وضعت الممثل في ثنائيات عدة كان أبرزها ثنائية «الصوت والجسد». هكذا يمضي صاحب «كاليغولا» في خياره الفني هذا نحو ما كان اشتغل عليه في عروضه السابقة؛ مفضّلاً بطولة الحركة على الخضوع للنص الأدبي؛ دافعاً طلاب التمثيل نحو إنجازٍ مسرحيٍّ مفتوح على قدرات أداء متطورة؛ مزجت بعبقرية الواقع الراهن بمناخات سحرية؛ أرادها صاحب «أواكس» موازية لموسيقا ذات نبرة جنائزية أداها كل من الموسيقيين سيمون مريش- على الإيقاع وعرفان خليفة- ترومبيت وعبد الجواد حريتاني- تشيلو؛ بينما قام الفنان غيث منصور بأداء صوتي لافت رافق العديد من المشاهد والذروات الدرامية في العرض؛ ليكون الجمهور أمام مستويات سيكولوجية مغايرة من التلقي لهذا النوع من «المسرح- المختبر» الذي يدمج بقوة بين طاقة الممثل وقدراته الخفية على التجانس الجسدي والغرائزي من جهة؛ وكثافة الحالات النفسية المعقدة التي يتنقل بينها هذا الممثل؛ بالغاً مفازات جديدة من العطاء غير المحدود واللعب الحر والبريء للوصول إلى ما يشبه التجلي الإبداعي في مشروعات الارتجال الجماعي؛ كما حقق «هستيريا» عتبة جديدة في التنويع على الحالة المسرحية برمتها؛ نحو حواف إبداعية خطرة وحساسة؛ تجسدت عبرها طلاقة الجسد وفصاحته في التعويض عن غياب النص الأدبي في العروض الطبيعية؛ باتجاه إلغاء المسرح كحالة درامية أُحادية الجانب؛ بل بالعمل قُدماً بين الممثل والمتفرج على تطوير مستويات معقدة من التلقي غير التقليدي بينهما؛ حيث يحقق الجسد هنا بطولته المطلقة في تلوين الذروات الدرامية وتمكينها من الحفر عميقاً في اللاوعي الجمعي للجمهور والممثلين في آنٍ معاً.بالطبع، استفاد الفنان جهاد سعد من تجاربه الطويلة مع مادة المختبر المسرحي لتأسيس بيئة عرض «هستيريا» التي بدت أقرب إلى مزيج من اليوغا والتمارين السويدية والتأمل الجماعي والتوغل في مملكات الجسد وطاقته الداخلية؛ بعيداً عن صياغة واضحة للشخصية المسرحية التي تبدعها «الأنا الخالقة للممثل» على الخشبة في زمن البروفة التقليدية؛ صاعداً بممثليه التسعة نحو جوائز مختلفة لخفايا النفس البشرية وقدرتها الإبداعية على التهرب من التصنيف المدرسي المسرحي؛ باتجاه ظاهرة «الممثل الخالق» لأدواره؛ وذلك وفق هرموني جسدية جماعية متواطئة مع إبداع حالات ميتافيزيقية؛ يكون فيه العرض من بطولة الميزانسين؛ جنباً إلى جنب مع تسلط الممثل بكامل حضوره العضلي والنفسي على حالة التلقي عند المتفرج.طلاب التقنيات المسرحية في المعهد عملوا في هذا العرض جنباً إلى جنب مع زملائهم من طلاب التمثيل في صياغة فضاء مسرحي مفتوح على شتى أنواع الفرجة؛ مولّفين بين متاريس من أكياس رملية استوطنت عمق الخشبة وآلة بيانو وثريا وضعت على يمين الخشبة كدلالة على مواجهة صادمة بين الموسيقا والحرب؛ داعمين بذلك رغبة مخرج العرض في إبداع تناقضات الشكل المسرحي؛ الذي طالما عمل عليها صاحب «أنتيغون» لتأسيس فرجة مسرحية تكون فيها عناصر السينوغرافيا داعمة للعبة مسرحية؛ فلا تتوقف عن صياغة الدلالة؛ وذلك عبر إيقاعية عالية حبست الأنفاس من جهة شغلها المستمر على طاقة الجسد وسطوته الجمالية على خشبة المسرح.
بطاقة عرض «هستيريا»
تأليف وإخراج: جهاد سعد
تمثيل طلاب قسم التمثيل السنة الرابعة: حسن دوبا، رهام قصار، ريمي سرميني، كنان حميدان، مغيث صقر، مهران نعمو، مي السليم، هلا بدير، ولاء العزام.
بمشاركة من طلبة التقنيات المسرحية: أمجد عرقسوسي، سلمى ناصر، سامي منصور
صمم إعلان العرض كل من مريم سعد وعلي دوبا.
والعرض من إنتاج وزارة الثقافة السورية عام 2014