2014/02/11
مؤمن المحمدي – السفير
بات مشهد المقاهي، وهي تهيئ مقاعدها لاستقبال مشاهدي برنامج باسم يوسف، أمراً معتاداً في شوارع القاهرة. ليس فقط المقاهي، فأغلبية حسابات الإعلام الجديد من "فايسبوك" و"تويتر"، أصبحت تخصّص موعد بث حلقات البرنامج للمناقشة حوله مدحاً أو قدحاً. ذلك ما تكرّر مع عودة عرض "البرنامج؟" مساء الجمعة الماضي، على شاشة "أم بي سي مصر". تلك الحالة من الإقبال، التي تفوّقت على مباريات الكرة وحلقات المصارعة، سيظلّ الإعلام المصري مديناً بها للجراح المذيع، مهما كان الجدل حول ما يقدّمه سواء من حيث الشكل أو المضمون. غير أنَّ هذه الحالة لا علاقة لها بالجدل السياسي الدائر حوله، سواء من يرونه "مناضلاً" يجابه السلطات، و"ينصر قضايا الثورة"، أو من يرونه "مخرباً مأجوراً عميلاً مبتذلاً"، ففي تقديرنا أنّه من الضروري الفصل بين صناعة الميديا وبين الدور السياسي الذي تلعبه.
ولفهم السياق الذي يدور فيه الحدث، نعود بالذاكرة قبل سنوات قليلة، أقل من أربع سنوات، عندما بدأ يوسف برنامجه. وكان كغيره من صانعي المواد التي تُبثّ عبر شبكة الإنترنت، أقرب إلى الهواية منه إلى الاحتراف، ما يعطيهم ميزة ألا يكونوا طرفاً في أيّة لعبة سياسية أو اقتصادية تجري على السطح.
التحول الذي طرأ على "البرنامج؟"، خصوصاً خلال العام الأخير، جعله جزءاً مما يدور حولنا، وهنا بدأت المشكلة. فاللعبة من الداخل تختلف كلياً عن اللعبة من الخارج، خصوصاً إذا أضفنا العنصر المالي الذي كان أساس خلافه مع قناة "سي بي سي".
هذا التحول فرض معضلة على أغلى مقدم برامج في مصر، وهي كيفية إدارته لصراعات البرنامج، مع الاحتفاظ بالصورة التي أدخلته اللعبة، ولا نغفل رغبته الشخصية في أن يظل محترماً لنفسه قبل جمهوره (بافتراض حسن النية، وهو افتراض نصدّقه بشكل شخصي). ونستطيع القول إن هناك نجاحاً في إيجاد صيغة، حتى الآن، تحقّق تلك المعادلة، إلا أنّ هذه الصيغة تحمل تناقضات قد لا تجعلها تستمر، فضلاً عن انها بالفعل تقود يوسف وجمهوره إلى نتائج عكسية تماماً لما يستهدفه.
جرأة "البرنامج؟" كانت ولا تزال أحد عوامل نجاحه، لكنّ الجرأة هذه المرّة ليست موجَّهة ضدَّ نظام يتجّه إلى الأفول جماهيرياً. بالعكس، الجنرال في مصر له ظهير شعبي جارف، من هنا جاءت فكرة الهجوم على فكرة الهوس المبالغ فيه برئيس مصر المقبل. قد يكون هذا الحلّ مقبولاً مؤقتاً، لكن إلى أي مدى يمكنه الاستمرار، خصوصاً انّنا مقبلون على انتخابات رئاسية، وسيتوافر لديه من التسجيلات ما يكفي لعمل حلقات وحلقات، فهل سيكتفي بالهجوم على "الفانز"، ويترك النجم؟
بمناسبة النجم و"الفانز"، يبدو غريباً هجوم شخص مثل باسم يوسف على تلك الظاهرة، فهو في النهاية إعلامي رأسماله الحقيقي "الجماهير مهووسة". "فانز" باسم، لا يقبلون بأيّ نقد يطاله، فهل يمكن لباسم أن ينتقد يوماً، هوس جماهيره به؟
على أن أهم ملمح من ملامح البرنامج بعد عودته، في تقديرنا، هو تلبيس الأمور غير لباسها، كأن يوحي، ويصر في الإيحاء، بأن نقده للسيسي (وهو ما لم يحدث أصلاً) كان السبب في منع برنامجه. ولعل اللافت للنظر هنا هو الفقرة التي هاجم فيها باسم مالك "سي بي سي" (قناته السابقة) التي يتهمه فيها بأنه السبب وراء إغلاق البرنامج. فلا تعود تدري، هل السيسي من أوقف البرنامج أم أنه الأمين، أم أنه الصراع على الأموال؟
ما يزيد الأمر تعقيداً هو دخول طرف جديد في الأمر هو قناة "أم بي سي مصر"، ما جعل باسم يبدو "محافظاً" إلى حد كبير، خصوصاً في ما يتعلّق باستخدام بعد الألفاظ.
بعيداً عن هذا يبقى الجانب الفني مهماً، وهنا يمكننا رصد حالتين إحداهما إيجابية للغاية، والأخرى سلبية تماماً. أما الأولى فهي حالة المسرحة التي تأخذ مساحةً أكبر، وهذا أمر مبهج، وينقل البرنامج نقلة كبيرة، وربما ينقل معه الإعلام كله إلى مستوىً آخر، مما يخلق أشكالاً جديدة من الخدمة الإعلامية. يأتي ذلك في الوقت الذي تزيد فيه مساحة "الإيفيه"، وهذا خطر، لأنه أحياناً يضحّي بمفاهيم ليبرالية مهمة لصالح النكتة، النكتة التي تزيد نكهتها، كلما زادت مساحة الكيد الشخصي. ولنتأمل في هذا السياق ردّ يوسف على الملحّن عمرو مصطفى، إذ لم يفصل بين كونه متحدِّثاً في السياسة، وبين كونه فناناً، فانتقد توظيفه للرقص في تصوير الأغاني، وهو أمر غريب على شخص داعٍ للحرية.
على أيّة حال، نحن نؤمن بصعوبة موقف باسم يوسف، ونتمنى له أن يبقى إعلامياً موهوباً، يضيف لنا جميعاً، على أن هذا يتطلَّب الكثير من الجهد والتركيز، والقليل من إنكار الذات، وهو لها.