2014/01/21

محاولة تنجيم عن الدراما السورية
محاولة تنجيم عن الدراما السورية

 

تمام علي بركات – تشرين

 

 

 

يبدو الحديث عن أزمة الدراما السورية في الواقع الراهن للحالة التي تمر بها البلاد؛ وكأنه حديث يدور في جلسة قهوة صباحية بين مجموعة نساء اعتدن كل صباح بعد خروج أزواجهن إلى العمل الركون إلى «ركوة قهوة» لاحتسائها وطب الفنجان للتبصير أو قراءة الطالع من بقايا البنّ المترسب على جدران الفنجان وفي قعره، لتبدأ بعدها مرحلة النميمة المنعشة التي تنال من أول سيدة تغادر المجلس العتيد، ثم من تليها.. وهكذا دواليك، إلى أن تبقى المضيفة وحيدة مع فناجينها وحكاياها، قبل أن تفتح عليها صنبور ماء يشطف كل تلك الثرثرة المسلية.

 

أما الأسباب التي دفعتني إلى هذا التشبيه الطريف بين واقع الدراما السورية وجلسات نميمة القهوة النسائية تتلخص بما يلي: أولاً تكرار تلك الجلسات يومياً؛ وما يقابلها من تكرار في الحديث والتشخيص لواقع الدراما السورية الذي ينحو في بعض الأحيان منحى الثرثرة المجانية، وثانيها هو التنجيم الذي تبني مصائره بقايا القهوة؛ وما يقابله من تكهنات يتلقفها السوريون من كل حدب وصوب حول مصير دراماهم التلفزيونية؛ وإشارات الاستفهام الكثيرة التي تبقى معلّقة بالحدس والتخمين؛ لكأنما الأمر محصور بين الثرثرة ويانصيب تفل القهوة.

أغلب الهواجس والأسئلة التي تُثار حول الدراما السورية في الآونة الأخيرة تتلخص بالسؤال التالي : هل الدراما قادرة على تجاوز العقبات التي تعترض طريقها كصناعة أثبتت جودتها جيلاً بعد جيل أولاً، وكحالة فنية متميزة ومنوعة ثانياً أثناء الأزمة التي تعصف بالبلاد؟ في الحقيقة لهذا السؤال أو الهاجس مبرراته العديدة ومن أهمها مغادرة الكثير من نجوم الصف الأول البلاد تحت مسميات عديدة، لسنا في وارد ذكرها الآن، والمبرر الآخر، هو عزوف الكثير من شركات الإنتاج عن التصدي لهذه الصناعة المكلفة مادياً، بعد تصريح أهم المحطات التلفزيونية النفطية السخية بمقاطعة هذا المُنتج لاعتبارات سياسية، لم تعد تخفى على أحد، كما نعرف أن رأس المال جبان، وليس مستعداً للمقامرة؛ خصوصاً بالنسبة إلى الشركات الإنتاجية التي دخلت المعترك الإنتاجي منذ فترة ليست بالبعيدة؛ لكن واقع حال الدراما الذي ظهرت معطياته على السطح في الآونة الأخيرة يشير إلى وجود الدراما السورية بقوة هذا العام كلاعب مهم وفاعل على الساحة الفنية العربية، كما كان في العام الفائت، حتى لو تراجع الإنتاج من جهة الكم تراجعاً ملموساً، وقلَّ عدد المسلسلات التي وصلت في بعض المواسم إلى الستين مسلسلاً، لكن الحقيقة أن الكثير من المحطات الفضائية العربية لا تستطيع مقاطعة الدراما السورية، خصوصاً أمام النجاح المتواضع؛ كي لا نقول الفشل الذي أصاب الدراما الخليجية رغم ضخامة الإنتاج في الموسم الماضي، وعدم نضوج الدراما اللبنانية إلى الدرجة التي تصبح فيها منافساً قوياً لدرامانا المحلية. أما السبب الأهم، فيكمن في الإقبال الجماهيري العربي على أغلب الأعمال السورية التي حصدت أرقاماً قياسية بالمتابعة والاهتمام، إذ تبين أن من يسعى لمقاطعة الدراما السورية تحت ضغط الواقع السياسي، إنما يترك ساعات البث التلفزيوني الخاصة به، مفتوحة على أرخص أنواع السلع الدرامية المصنوعة سلقاً، كما يقال بالعامية.وأعود إلى السبب الأول الذي دارت حوله الأقاويل في كونه سيقصم ظهر صناعتنا المحلية الفنية العالية الجودة، وهو غياب نجوم الصف الأول عن الساحة الفنية من مخرجين مبدعين وممثلين لا يشق لهم غبار؛ وما سيخلفه هذا الغياب من بالغ الأثر على درامانا السورية، وهو طرح مردود عليه، إذ إن تلك الظاهرة ليست ناتجة عن الحالة العامة التي تمر بها سورية اليوم، بل هو أمر واقع قبل الأزمة بسنوات عدة، سواء من بعض المخرجين الذين أغنوا الحياة الفنية السورية، وقد وصلت أجورهم عند بعض الشركات السورية العريقة إلى أرقام لا يستهان بها، إلا أن بعضهم قرر التوجه إلى بيئات أخرى أكثر اتساعاً وتنوعاً كالبيئة المصرية التي كان للمخرج حاتم علي أثره الرائع فيها بأكثر من عمل ومنها مسلسل «الملك فاروق»، أو في توجههم نحو البيئة الخليجية التي تحتاج إلى الدعم كي تقلع بقوة أكبر وتصبح في مصاف الدراما السورية والمصرية، وهذا ليس بالأمر الغريب على السوريين في دعمهم أشقاءهم العرب في كل مجال. أما بالنسبة إلى الممثلين، فذهابهم إلى مساحات فنية أخرى بدأ أيضاً قبل مدة لا بأس بها من عمر الأزمة السورية؛ ومنهم النجم تيم حسن وسواه، ونستطيع أن نفهم هذا التوجه وطبيعته في مغازلة العالمية من البوابة المصرية، التي خرج منها نجوم مصريون كبار كالنجم العالمي عمر الشريف؛ وهو أمر مشروع وحلم نبيل يراود أي فنان. وهناك من خرج بسبب سوء الأوضاع الأمنية في سورية، وكما هو معروف، فإن العمل الإبداعي يحتاج إلى بيئة آمنة بالدرجة الأولى. ولكن ماذا نقول حقاً للذين لم يسمع باسمهم الكثير من الشعب السوري لا في الدراما ولا المسرح ولا السينما، ولا يتذكر أسماءهم حتى لو مروا أمامه وجهاً لوجه، أولئك لم يخرجوا إلا تعويضاً عن فشلهم في إثبات وجودهم على الساحة الفنية فقط.

نعم تأثرت الدراما السورية الأصيلة والمشغولة بماء العين كغيرها من مرافق الوطن وصناعاته وكفاءاته، بفعل الأزمة الحاصلة في البلاد، ولكن رغم الجراح هناك كما أسلفت أعمال عديدة أُنجزت وأُخرى في طور الإنتاج، ولن تتوقف هذه الصناعة، لأن جوهرها قائم على المحلية الخالصة، وهنا يكمن سر نجاحها وبقائها في محليتها التي صنعها السوريون بأرواحهم وصاغوها بأعمارهم، تلك المحلية التي يقول عنها الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف: «عند عتبة بيتي يبدأ العالم ومن أمام عتبة بيتي تجيء العالمية». السوريون كطائر الفينيق لا تجيء قيامته إلا من الرماد.