2013/11/10
لؤي ماجد سلمان – تشرين
مع إن سورية من الدول التي لا تمتلك معاهد أو كليات لتعليم فن الإخراج، إلا أنها تعد من أغنى الدول في عدد الأشخاص الذين يمتهنون هذا الفن، فلا رادع يعوق مواهبنا الفنية،
ولا أكاديميات تستطيع التحكم في الشهادات التي نمنحها لأنفسنا فيما بعض الأكاديميين، لا يجدون فرصة واحدة لتغيير الصورة التي عوّدنا عليها أصحاب المواهب حين قدموا لنا نظرتهم الثاقبة على طبق من دراما، ولاسيما أبناء الوسط الفني والعاملون فيه من ممثلين، وكومبارس، أو مصورين وغيرهم، إذ نشاهد مع كل موسم أسماء جديدة في الإخراج نعتقد للوهلة الأولى أن الموضوع مجرد تشابه أسماء، لكن بعد التمحيص وغياب النجم عن الشاشة والانكفاء وراء الكاميرا نتيقن أنه الممثل ذاته قد أسرى بنفسه من التمثيل إلى الإخراج من دون سابق ترويج. من الأسماء التي دخلت هذا المضمار عن معرفة أو عدمها سيف الدين سبيعي، رامي حنا، عباس النوري، أيمن زيدان، محمد الشيخ نجيب، حاتم علي، وائل رمضان، مهند قطيش، عارف الطويل، يامن الحجلي وغيرهم، بالطبع الظاهرة ليست جديدة على الدراما السورية بل هناك الكثير من الفنانين السوريين خاضوا تجربة الإخراج مع حفاظهم على مهنة التمثيل من بينهم الفنان دريد لحام، والفنان مظهر الحكيم، والفنان الراحل طلحت حمدي الذي كان يكتب ويمثل ويقوم بإخراج بعض أعماله على نحو «تل اللوز، طرابيش، الزاحفون».
الفنان الراحل هاني الروماني أيضاً قدم مسلسل «حمام القيشاني»، كما أن بعض المخرجين وقفوا أحياناً أمام الكاميرا كالمخرج هيثم حقي الذي ظهر في مشاهد صغيرة، والمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وتامر اسحق، ورشا شربتجي، وسمير حسين وغيرهم، فبعضهم ظهر كإطلالة خاصة في الأعمال الدرامية والتي عدها البعض «لوثة نجومية» أو شهوة الشهرة فانتقلوا من خلف الكاميرا إلى أمامها، كما نجد بعض النجوم أو المخرجين حاولوا زج زوجاتهم وأبنائهم في عالم الإخراج من دون أن يكون لديهم حد أدنى من الموهبة أو الاطلاع، فأثبتوا للأسف فشلهم الذريع كالمخرجة إيناس حقي ابنة المخرج هيثم حقي، وآخرون نجحوا في تقديم مواهب لافتة كالمخرجة رشا شربتجي ابنة المخرج هشام شربتجي.
لكن لماذا يترك النجم مكانه ويقف خلف الكاميرا، و ما السر وراء انتقال العديد من الفنانين إلى الإخراج؟ هل لأهمية هذه المهمة الفنية المعقدة، أم لأنها ذات مكانة ونفوذ في عالم المسلسل التلفزيوني؟ وهل الموضوع مجرد خطوات وتعلّم ألف باء الإخراج فيضع المغامر اسمه بين المخرجين المخضرمين، ليكون بإمكانه أن يضيف لسيرته الذاتية لقب «مخرج» الأمر الذي يزيد من شهرته من ناحية، ويؤمن له رصيداً مادياً جيداً لم يتقاضه في مهنة التمثيل من ناحيةٍ أخرى، حيث يلمح بعض المخرجين إلى أن الفشل في التمثيل وصعوبة الحصول على أدوار يحوّل الممثل الفاشل إلى مشروع مخرج! أما الإبداع والموهبة فتأتيان في الممارسة، إذ نجد الكثيرين ممن يحملون لقب مخرج متواضعين فيما قدموه للشاشة، ليفشلوا في تقديم أنفسهم كمخرجي دراما، آخذين من هذا الرهان الخاسر اللقب فقط، فالكثير من الممثلين حاولوا خوض هذه التجربة مرة واحدة وتوقفوا بعدها، ومنهم من نجح في اجتياز الاختبار، وكشفت لنا أعماله عن الموهبة والطاقة التي تكمن داخله، لكنه لم يستطع إظهارها في التمثيل لأسباب كثيرة منها تحكم مخرج آخر بطريقة عمله وأدائه. المشكلة بعد نجاح بعض الفنانين في التمثيل يؤمن بقدرته الخارقة في فن الإخراج على الرغم من فشله المتكرر، ويرفض العودة إلى الشاشة كممثل، فتخسره الشاشة بعد أن كان مبدعا في مجال التمثيل، فلم يطل عنب الدراما ولا بلح الإخراج، بل انكفأ ولم نعد نشاهده أو نسمع بصناعته الإخراجية!
البعض الآخر يُصرّ على تعدد مواهبه و إيمانه بذاته فيقوم بكتابة النص والتمثيل والإخراج والإنتاج دفعةً واحدة، فلا حرج مادامت الدراما حارته الصغيرة وهو قادر على التحكم بأدائه كممثل ومخرج ومنتج خلف الكاميرا أو أمامها وفوقها إن لزم الأمر.! فلا يسعى لتطوير أدواته بل هو مستعد لتقديم الأعمال الاجتماعية، وكارمن، وشكسبير بصبغة البيئة الشامية التي اعتاد عليها، من دون أن يعلمنا كيف يفكر كمخرج في الكاميرا وهو يقوم بأداء أدواره كممثل.
لكن هل يستطيع سعادة المخرج أثناء قيامه بالإخراج مراقبة انفعالاته وحركاته كممثل ومراقبة جودة أداء بقية الممثلين معه؟
أخيراً لا ننكر أن هناك مخرجين بالمعنى المهني والفني للعبارة كانوا ممثلين واستطاعوا إثبات قدراتهم، لكن ما الشروط التي يمكن اعتمادها حتى يستحق فلان من الناس أن يحمل صفة مخرج، هل نترك الحكم للمشاهد على التجارب التي خاض غمارها معظم الفنانين عن جهل أو دراية؟ أم يلزمنا شيخ كار يضبط الهجرة عوضاً عن مصطلح التلمذة المجانية التي انتهجها البعض كجواز عبور لقيادة الكاميرا.