2013/11/04
سوزان الصعبي – تشرين
من بين كل شخصيات العمل السورية المسافرة طوعاً أو قسراً إلى لبنان، لم نشعر أن هناك من يتمثل مقولة العمل التي يلخصها العنوان؛ سوى الرجل الكبير والأب الذي لم يغادر بيته ودمشقه إلا ليقابل أولاده؛
الذي جسده الفنان الكبير دريد لحام، فرأينا الرغبة نفسها بالعودة إلى الوطن عند شخصية (لينا، سلافة معمار) الزوجة والأم والابنة البارة لكل الذكريات والآلام الممتدة على طول الزمان والمكان السوريين، فانتقلت للعيش مع عائلتها إلى مكان آخر ليس سوى منفى، وما انقطعت عن متابعة الأخبار عبر الفضائيات والانترنيت؛ ما جعلها في حالة اكتئاب أو حزن دائم، الأمر الذي أدى بزوجها (كريم، باسل خياط) إلى خيانتها؛ مصمماً على إنكار هذه الخيانة كلما واجهته زوجته بها هكذا بجملةٍ منها، قالت له ذات مرة بما معناه: (حين خرجنا من البلد كنتَ تضع يدكَ على كتفي فأحسست بالأمان، اليوم أخشى أن لا أجد يدك..) المنفى هو من فرق بينهما بعد أن عجزت النيران عن ذلك، المنفى البارد من كل أمل بالنجاة.. هذه الانفعالات الوطنية لدى شخصية لينا لم تتحول إلى أفعال إلا في الحلقات الأخيرة؛ تماماً حين اشتغلت بجمع التبرعات للاجئين السوريين. وهناك شخصية (ميرا، غيدا نوري) التي عرفت بالمصادفة أن هناك حرباً وجروحاً في وطنها، وذلك بعد أن تعرّفت إلى (يوسف، جابر جوخدار) وصارت فجأة مسؤولة عن فيلم يُعدهُ صديقها عن الحرب؛ فيلم لم يكتمل بغياب صاحبه الذي أراد أن ينقل المآسي بين إطلاق الرصاصة وإصابتها من قبل قناص.
هذه العائلة لم تلتق خلال العمل سوى مرة واحدة في المشفى، ما يدل بوضوح أن أحداً لا يرغب بالعودة إلى أخيه أو أخته أو حتى أبيه؛ فما بالك بالعودة إلى الوطن الحاضر الغائب عند (فؤاد، قصي خولي) لغرض التجارة واستغلال الفرص؟ الغائب عاطفياً عنه حتى إنه لم يكلم زوجته سوى مرة واحدة لم تكن لأسباب الشوق، كذلك غاب الوطن عند الفنان التشكيلي (راجي، رافي وهبي) إلا من حالة ركود وباب يدق عليه دائماً وفتاة سورية يلتقي بها مصادفة ويأخذ على عاتقه حمايتها ومن ثم الزواج منها؛ وكأنه يعتقد أنه يحمي كل الفتيات السوريات!.
هؤلاء الأخوة لم يقولوا ولو مرة واحدة حتى لأبيهم (سنعود بعد قليل) فيما جال هذا الرجل المريض عليهم واحداً تلو الآخر، من دون أن ينتبه أحدهم إلى مرضه، هؤلاء (العصافير) كما يردد الأب «نجيب» طوال المسلسل ابتعدوا أكثر مما يمكن حتى إنهم تشاجروا في المشفى على بعد غرفة من أبيهم الواقف على حافة الموت! وحده الأب ظل يحمل في جيوبه (القضامة الحلوة الملونة) وكاميرا تريد أن تفاجئهم بقدومه، بينما خلت جيوبهم حتى من ابتسامة صادقة لأجل تلك الصورة.
خيبات أمل الأب المتكررة ولداً تلو الآخر أودت به إلى غرفة العناية المشددة، ليستفيق على اعتراف طبيبه السوري صديق أولاده بأنه كان يعالج ويمول المسلحين، فكانت الخيبة القاتلة التي حملته على ضوء أخير سمت به روحه بعيداً عن الغربة، هناك في حارته جالت روحه واستقرت، فنعمت بالسعادة غير عارفة أن حريقاً شب في دكانه، بينما الأمل بأن يعود الجميع لم يحترق؛ لذلك بقيت اللافتة حية متصدرة باب المحل وكل أبواب الوطن بعودة الأحباب.
هذا المسلسل أشبه بالفيلم السينمائي من ناحية الإخرج ولون الصورة وخلا من الثرثرات لتسود الصورة والموسيقا المؤثرة- «وضعها طاهر مامللي»، لكنه ابتعد كثيراً عن مضامين الحنين فلم يكن الحنين ثقيلاً كما قالت أغنية الشارة إلا على قلب (أبو سامي) بل كانت العبارة على باب دكان الأب تتبدل لتصير «سنموت بعد قليل»..