2013/10/09

الغرب ينبش في ذاكرة الحربين العالميتين و"أكتوبر" تنتظر إنتاجاً عربياً مشتركاً
الغرب ينبش في ذاكرة الحربين العالميتين و"أكتوبر" تنتظر إنتاجاً عربياً مشتركاً

 

مارلين سلوم – دار الخليج

 

           

في السادس من أكتوبر تذكّر الجميع أن السينما المصرية لم تقدّم عملاً يليق بالنصر التاريخي الذي بلغ عامه الأربعين، بينما شاهدنا على الشاشات الصغيرة الأحد الماضي، ما يثبت أن العالم العربي لديه مواهب مبدعة، وهو ما تجسد من خلال أوبريت “مصر أم الدنيا . . مصر قد الدنيا” التي جمعت على خشبتها مجموعة من النجوم العرب . فلماذا لا يلتقي العرب على الشاشة الكبيرة، ليقدموا النصر بما يليق بهم وبتاريخهم؟

 

أثبت الفن العربي أنه قادر على الإبداع المشترك، سواء عى المسرح أو في الدراما أو في الغناء والنماذج كثيرة لن نحصيها . وأثبت أيضاً أنه لم يفكر حتى اليوم في بذل الجهود والأموال لإنتاج فيلم ضخم بكل معنى الكلمة، مثلما يفعل أهل الغرب في أي اتجاه كانوا من الأرض .

 

الغرب يشبعنا أفلاماً وحكايات وبطولات وهمية لكنه يقدم الحقائق أيضاً بأفلام تنال الجوائز العالمية، ونحن نرمي التاريخ خلفنا لننشغل بالعشوائيات وبيومياتنا وبأشياء عادية وأحياناً أقل من عادية . نبحث عن الممنوع لنناطحه، ونحارب الخطوط الحمر فندّعي بطولات وانتصارات وهمية مثل: الكلام البذيء والشتائم على الشاشة والعري وممثلات بما يشبه الملابس، والعلاقات المحرّمة وبنات الليل والخيانة والمخدرات . . ولك ما شئت من المشاهد القتالية والعنف والمتفجرات والضرب . . كلها بطولات وهمية، دون أن نقف على أرض صلبة لنقدم فيلماً واحداً ضخماً يستحق أن يدخل تاريخ السينما العربية، لما له من قيمة فنية عالية، ولجرأته في امتصاص التاريخ وتحويله إلى مشهد ملحمي رائع .

 

“شطّار” نحن في البكاء على الأطلال وعلى انكسار أو هزيمة أو موت، والنحيب يطول في الأفلام، ونكاد لا نخلع الرداء الأسود . لكن الانتصارات تتحول إلى ما يشبه الخدعة السينمائية الساذجة التي تضعف قيمتها بعد تحويلها إلى عمل ضعيف أو حتى عادي، يقلل من شأن الحدث ولا يرتقي إلى إحساس الناس بفرحته الحقيقية . وكأن كاميرا السينما العربية تتحرك ببطء، وتجود بالموجود أو أقل . فكيف ترى الكاميرا الغربية الحروب والانتصارات وكيف تراها العين العربية؟

 

السينما الغربية وخاصة الأمريكية، أبدعت أعمالاً، وما زالت تنبش في ذاكرة الحربين العالميتين الأولى والثانية لتخرج بحكايات مؤثرة، نتلقفها نحن أياً كانت هويتها، بكثير من التأثر ونسارع إلى الصالات لحجز مقاعدنا ومشاهدة التاريخ بعيون غربية . ولعلها السينما اللبنانية هي الأقرب إلى واقعها، وإلى ذاكرتها القريبة، فترى الأفلام الحديثة في أغلبيتها تتناول الحرب من زوايا مختلفة . لكننا هنا نعود إلى النقطة ذاتها، أن العرب يميلون إلى المشاهد الحزينة وجلد الذات أكثر مما يسلطون الضوء في إنجاز ينتهي بانتصار بعد الانكسار . والمؤسف أننا لا نعرف كيف نستغل الفرصة لا سيما أن أفلامنا العربية القصيرة والطويلة أصبحت مُشاهدة في كبرى المهرجانات العالمية وفي الصالات للجمهور أيضاً .

 

جورج كلوني نبش في دفاتر الحرب العالمية الثانية وطلع بحكاية حقيقية فكتب وأخرج فيلم “رجال الآثار” The Monuments Men الذي سيرى النور بعد شهرين، ويشارك في تمثيله مجموعة من نجوم هوليوود، عن مجموعة من مؤرخي الفن وأمناء المتاحف الذين تم اعتقالهم من قبل النازيين لأنهم أرادوا استعادة أعمال فنية مهمة سرقها هؤلاء خلال الحرب العالمية الثانية لتدميرها تنفيذاً لخطة هتلر في القضاء على الثقافة الأوروبية .

 

وفي أرشيف السينما العالمية مجموعة لا تحصى من الأفلام، وأمريكا سبقت العرب إلى تقديم “حرب العراق” من منظورها الخاص، بينما قدمنا نحن “ليلة البيبي دول” عن سجن أبوغريب!

 

فيلم “عازف البيانو” الذي قدمه رومان بولانسكي عام 2002 وحاز السعفة الذهبية في مهرجان “كان السينمائي الدولي”، وعدداً لا يحصى من الجوائز حول العالم، عن قصة عازف بيانو من أسرة يهودية تشردت وعانت ويلات الحرب العالمية الثانية، وطبعاً يقدم “الغيتو” بشكل يخدم أهدافه وقد نجح في التأثير بالمشاهدين . بل يمكن القول أن بولانسكي عرف كيف يوظف كاميرته ليقدم عملاً لا يمكن أن ينساه من يشاهده، والأهم أنه لم يكن ليستطيع تقديم هذا الفيلم لولا الإنتاج المشترك بين دول عدة، بولندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي نقطة مهمة لا يتوقف عندها صناع السينما العربية، أو بالأحرى من بيدهم القدرة على دعم السينما العربية . فلماذا لا تقف أكثر من دولة عربية وراء فكر واع وكاتب جيد ومخرج سينمائي بارع، ولدينا منهم عدد لا بأس به، لتقديم فيلم عن مرحلة من التاريخ العربي المهمة، و6 أكتوبر هي من هذه المحطات المشرفة في تاريخ مصر والأمة العربية؟

 

إلى متى نبقى نتباهى باستعانتنا بخبراء مفرقعات وتفجيرات أجانب لتقديم “الأكشن” كما يجب؟ وهنا لا نستهين بقدرات نجوم هذه الأفلام وتميزهم خصوصاً أحمد السقا وكريم عبدالعزيز، ولا بالجهود أو التكاليف الباهظة التي تخصص لهذه الأفلام ولا بجمهورها . إنما نحتاج إلى “قفزات” سينمائية لتحقيق ما نحلم به، ولفيلم يكون هو الحدث، وكأنه يولد بكل ما فيه أمامنا وليس رواية قديمة جاء من يجسدها على الشاشة اليوم .

 

كونوا الحدث في السينما، لأن ولادة الحدث تكون دائماً صاخبة، دماؤها ساخنة، تفيض بالمشاعر بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، ولحظة الحدث عند مشاهدتها أجمل من أن تحكى . فكونوا الحدث لا الحكواتي على الشاشة . وفي تواريخنا العربية الكثير من الحروب التي تنتظر من يقرأها بكاميرا ذكية، ومن يقرر أن يعيد صناعة التاريخ بالصورة .

 

لا نريد “ملحمة” عسكرية على الشاشة كما يطالب البعض هذه الأيام، رامين الكرة في ملعب القوات المسلحة المصرية، لأن أي فيلم من هذا النوع لابد أن يأتي “توثيقياً” أكثر منه واقعياً . بينما المطلوب أن يأتي من يقدم رؤية حقيقية للأحداث مصبوغة بفكر أدبي سينمائي، بدعم “لوجستي” فقط من القوات المسلحة . الحل بإنتاج عربي مشترك، لأن نصر أكتوبر هو نصر للعرب وليس لمصر وحدها .