2013/09/29
بديع منير صنيج - تشرين
لعل من أهم الأسباب التي تقف في وجه تطور الدراما النصوص التي تُقدَّم لها؛ والمحكومة مسبقاً بقوانين السوق، فمنذ ترسيخ قالب الثلاثين حلقة قلما تجد سيناريو متكاملاً من حيث أهمية الأفكار التي يطرحها،
وطريقة معالجتها درامياً وفق مشاهد متماسكة تعرض للأحداث ضمن حبكة محكمة تثير اهتمام المشاهد، وتستحوذ على عاطفته لمتابعة المسلسل حلقة حلقة ومشهداً إثر مشهد.
بعض المسلسلات استطاعت الاحتيال على هذا القالب الثلاثيني من خلال الحلقات متصلة- منفصلة كما في «ضيعة ضايعة» و«الخربة» و«خرزة زرقا»...، وبعضها الآخر حقق حرية أكبر عبر الاعتماد على مبدأ اللوحات مثل «بقعة ضوء» و«مرايا»، أضف إلى ذلك خماسيات من مثل خماسيتي «تقاطع خطر» و«بيت عامر» اللتين حققهما المخرج الليث حجو منذ أعوام قليلة، مع أن الغالب حتى الآن في الدراما السورية هو التقوقع ضمن نظام الثلاثين الرمضاني، لكن هذا القيد الإبداعي أبرز في كثير من الأحيان الضحالة التي يعانيها كثير من كتاب السيناريو السوريين، إذ نجدهم يلجؤون إلى إرهاق حبكاتهم بأحداث لا معنى لها، ولا تدفع الخط الدرامي نحو مزيد من تطوير الصراع، أو يزيدون من الحوارات بين الشخصيات ويستطيلون فيها إلى حد قد تنتهي فيه الحلقة الواحدة بحوارين اثنين، دون إدراك لأهمية الحوار في تعزيز الحدث الدرامي وتنمية الصراع والكشف عن بواطن الشخصيات ومآلالتها، والأنكى من هذا وذاك ما بات يُعرف باسم «مُستَكْتِبِي الدراما» بالمعنى السلبي للكلمة، إذ تقوم شركات الإنتاج بطرح أفكار مسبقة على الكتّاب، فتطلب منهم أن يقوموا بصياغتها ضمن سيناريو تلفزيوني، ومن ذلك نصوص مسلسلات الأجزاء التي لاقت رواجاً في الفضائيات وجذبت إليها المعلنين، من أمثال «باب الحارة»، أو التي صُنِّعَتْ أساساً وفي رأس مُقترِحيها الوصول إلى دغدغة الجانب الغرائزي لدى المشاهدين بحجة الاقتراب من الحدود الحمراء كمسلسل «صرخة روح» الذي يتناول الخيانات المحرّمة ضمن ست خماسيات، ومسلسل «صبايا» الذي حوَّل الممثلات السوريات إلى ما يشبه عارضات أزياء ومشاجب لتقليعات الموضة.
ظاهرة أخرى طفت على سطح الكتابة الدرامية وهي الاقتباس عن أفلام أجنبية من مثل مسلسل «سنعود بعد قليل» المأخوذ عن الفيلم الإيطالي «الجميع بخير»، و«لعبة الموت» المقتبس عن فيلم «النوم مع العدو»، توازيها الآن ظاهرة أخرى تقوم على تحويل مسلسلات أجنبية إلى سيناريوهات عربية لإعادة تمثيلها بممثلين سوريين ضمن تسمية «المسلسلات المُعَرَّبة» وباكورة هذه الأعمال سيكون مسلسل «الإخوة» المقتبس عن عمل مكسيكي، إذ سيحمل توقيع الكاتبة لواء يازجي على السيناريو الخاص به وتنتجه شركة «كلاكيت» للإنتاج الفني، ولا نعرف هنا المساحة الإبداعية الممنوحة لكاتب النص العربي، ولا الجهد الدراماتورجي الذي من المفترض أن يحيلنا إلى مسلسل سوري بامتياز، خاصة بعدما فُرِضَت على السيناريست الشخصيات والخطوط الدرامية والموضوعات والحبكة ونقاط توتر الصراع، وما إلى هنالك...
في اتجاه آخر، سيحظى الموسم الدرامي القادم بمسلسلين طويلين يتألف كل منهما من تسعين حلقة، إذ يعمل السيناريست خلدون قتلان على مسلسل «الحرملك» من إنتاج «كلاكيت» يتناول فيه التاريخ الدمشقي في العصر المملوكي، والنص الآخر يحمل عنوان «اسبريسو» وكتبه «هوزان عكو» لشركة «فردوس دراما» فعكو كما بات معروفاً يملك تجربة كبيرة في إطالة زمن المسلسلات إذ حوّل بلمحة عين «دليلة والزيبق» إلى ستين حلقة من إخراج سمير حسين، و نقل سباعية «أسعد الوراق» بلمح البصر إلى مسلسل من ثلاثين حلقة عداً ونقداً! وربما يفكر اليوم بتحويل «زقاق المايلة» إلى نمط العرض الرمضاني الثلاثيني.!
كل ذلك يحيلنا إلى التساؤل عن العمق الإبداعي لنصوص الدراما السورية، ومدى أهمية كسر التقليد في عدد الحلقات لتحقيق تألقها، ثم إلى أي درجة ستبقى السوق الدرامية هي من يفرض قوانينها على كُتّابِها، فتحجزهم في زنازين فكرية ضيقة، لا تتيح لهم إطلاق العنان لمخيلاتهم وكتابة ما يرغبون فيه، محولةً تلك الرغبة إلى صراعات درامية تطرح قضايا مهمة، فتعالجها برسم صور حية قادرة على خلق صلة قوية مع الجمهور بعد عرضها عليه؟ ثم إلى متى ستتغاضى شركات الإنتاج السورية عن مهمتها في دعم الدراما السورية وعدم الاكتفاء بحسابات الربح والخسارة؟ أليس أحد أهم أسباب تعزيز نجاح درامانا مستقبلاً هو التأسيس لجيل من كتّاب السيناريو المميزين، ودعمهم وتكريس إبداعاتهم، وعدم تحويلهم إلى مجرد مُستَكْتِبِين بحكم الضرورة أو الرغبة في الشهرة أو كسب المال أو غير ذلك؛ أم سنصل إلى يوم تأكل فيه الدراما أولادها؟