2013/08/29
غيث حمّور - الحياة
قدّمت التلفزيونات السورية بشقيها الخاص والحكومي في السنوات الأخيرة عدداً من البرامج التي تعنى بالثقافة بمختلف نواحيها، لكنّ معظمها لقي الفشل، نتيجة الافتقار للطروحات الجديدة، كما عانت هذه البرامج على مستوى التقديم والإعداد والإخراج والتنفيذ، في ظل شح حقيقي في المواهب الإعلامية والتلفزيونية القادرة على النهوض بالآلة الإعلامية السورية إلى مستوى الفضاء العربي الذي تجاوز المحلية السورية بمراحل، بل بعقود. إذ دخلت هذه البرامج في حيّز التكرار، متمسكةً بالقوالب الجاهزة للبرامج التلفزيونية الثقافية، ومقدمةً إما مجرد سيرة ذاتية لشخصيات فكرية، أدبية، وفنية أو حوارات مفرغة من أي محتوى مفيد أو مطوّر للمشاهد، مبتعدةً عن الغوص في تفاصيل الحياة الثقافية ومشاكلها، وبخاصة على مستوى السينما والمسرح وبشكل أقل الدراما التلفزيونية.
أما معدوها ومقدموها فغاب عنهم التحضير والاستعداد والثقافة، إلى درجة أن أحد البرامج التي تقدم على فضائية سورية تديره محررة لا تملك الشهادة الإعدادية، وبحكم قدمها في المؤسسة بقيت في عملها، وتحولت إلى «منتجة ومعدة ومحررة» لواحد من البرامج الثقافية التي تبث في وقت الذروة، وهذا بطبيعة الحال ما أثر على البرنامج وحوله إلى مصدر استرزاق، بدلاً من أن يكون مصدراً للفكر والمعرفة. في المقابل برزت وجوه أخرى لفتت نظر المتابعين، ومنها الإعلامية السورية الشابة ريم معروف. فبعد غيابها عن الظهور الفضائي بعد وقف بث قناة «الدنيا» على الأقمار العربية، أطلت معروف في الأسبوعين الماضيين عبر برنامجها الجديد «تفاصيل» الذي تعده وتقدمه بنفسها، لتغير معادلة البرامج الثقافية.
معروف التي اكتفت بالظهور الأرضي لأكثر من عام عبر قناة «الدنيا» من خلال برنامج «بين قوسين» تقديماً وإعداداً، إضافة إلى ظهورها كمقدمة في البرنامج الصباحي للقناة، أثبتت وجود قدرات إعلامية سورية قادرة على تقديم الجديد والمختلف على صعيد الإعداد والتقديم والصورة.
وعلى رغم أن برنامج «تفاصيل» يفتقر للقدرات الإنتاجية الضخمة التي تساهم في إضفاء روح خاصة كما يحدث مع البرامج الثقافية والفنية التي تبث على الفضاء العربي، لكن ما قدمته الإعلامية الشابة على صعيد الإعداد والتقديم أنسى المشاهد غياب البهرجات الإنتاجية المعتادة، إضافة إلى الجهد الواضح لطاقم البرنامج.
«تفاصيل» الذي يبث كل أحد السابعة مساءً عبر شاشة قناة «سما» الفضائية السورية الخاصة، استضاف في حلقته الأولى المخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب صاحب عدد من المسلسلات الجدلية في تاريخ الدراما العربية ربما أبرزها «أنا القدس»، فيما استضاف في حلقته الثانية الممثل والمخرج المسرحي عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية سامر عمران.
استطاعت معروف بلغتها العربية الفصحى الخالية من الأخطاء (وهو أمر تفتقره غالبية المذيعات السوريات في الوقت الحالي) الخوض في تفاصيل الحياة الثقافية السورية، معرجةً على الدراما التلفزيونية ومشاكلها، وقضايا المسرح والسينما والعقبات التي تواجههما، وأفردت مساحة للموسيقى والأدب، متخذةً من اسم البرنامج وجهتها في التعامل مع ضيوفها، بتفصيل كل الطروحات والأفكار المقدمة على مدى أكثر من 40 دقيقة في كل حلقة.
عفوية الشابة السورية وسرعة بديهتها ساهمتا بشكل كبير في تغطية بعض المشاكل الفنية والتقنية وغياب الدعم الإنتاجي التي شابت البرنامج، وإن كانت الحاجة إلى فاصل بين الفقرات ضرورية لمساعدة المشاهد على استيعاب القضايا المطروحة، بخاصة أن الضيفين كانا يقدمان طروحات أكاديمية وفكرية عميقة وذات أهمية ثقافية، وبخاصة في الحلقة الثانية التي استضافت الدكتور عمران صاحب المشروع المسرحي والسينمائي المهم على الساحة السورية خصوصاً والعربية عموماً.
وعلى رغم بساطة الديكور التي تعود، كما يبدو، إلى مشاكل إنتاجية، غير أنه كان عاملاً مهماً في إضفاء الألفة على الحوار، بخاصة مع صور لمبدعين سوريين راحلين مثل سعد الله ونوس وأبي خليل القباني التي زينت رفوف المكتبة في خلفية الضيف.