2013/08/28
ليندا حمود - تشرين
لاشك في أن من تابع المسلسل السوري «حائرات» لكاتبه أسامة كوكش ومخرجه سمير حسين، ربما صنفه بادئ الأمر على أنه عمل عن المرأة السورية في ظل الأزمة التي تعيشها سورية
رغم أن العمل يحيكُ قصصاً اجتماعية سبق طرحها في أكثر من مسلسل، فإن معالجته لهذه القصص في ظل الأزمة الحالية، أعطته بُعداً خاصاً وجعلتهُ أقرب إلى متلق يعيش الأزمة منذ قرابة عامين ونصف العام، فحائرات عندما كُتب كان يقدم دراما تعود للعام 2009، لكن تم تعديله وإعادة صياغته ليتوافق مع الراهن السوري، وكي لا تبدو الشخصيات منفصلة عن الواقع،إذ تم جعل شخصيات الحكاية تعيش في ظل الأحداث المؤلمة التي تشهدها البلاد، ولذلك يُعد مسلسل «حائرات» من الأعمال القليلة التي تناولت الأزمة بذكاء بعيداً عن الأطروحات المباشرة، بل تم أخذ الجانب الإنساني الاجتماعي منها على غاية من الجدية، وبدرجة عالية من المسؤولية الفنية، سواء من كاتب العمل أو من مخرجه وممثليه، فلقد كان التوتر الناجم عن الوضع الراهن يلف أغلبية الشخصيات في (حائرات) لينعكس على تصرفاتها وتالياً على أحداث العمل الدرامي، إذ عاشت الشخصيات في ظل انقطاع الكهرباء والوقوف في طوابير أمام الأفران ومراكز توزيع الغاز، وأخرى عانت النزوح من بيتها «عائلة أبو نسرين»- «أسعد فضة».. وشخصية هيثم- «يحيى بيازي» كان ضحية لرصاصة طائشة من اشتباك، إضافة إلى أصوات حقيقية للاشتباكات والانفجارات التي سُمعت طوال مدة المسلسل، والمترافقة مع سُحب الدخان الأسود في سماء دمشق، بل إن اغتصاب «راغب- الفنان مصطفى الخاني» لحبيبته «نورا- جيانا عنيد» جاء رمزاً جوهرياً للدلالة على اغتصاب مدينة، بل اغتصاب بلد بحجم سورية من قوى الظلام والتطرف والتكفير.
ابتعد «حائرات» عن تقديم شخصية الشرير بالمطلق، فشخصية «راغب» لا تُصنف على أنها شريرة نهائياً، فالمشاهد تعاطف معها.
«راغب» المغتصب لحبيبته سيندم لاحقاً بشكل كبير، ليحاول جاهداً إصلاح خطئه وفعل المستحيل كي يتمكن من الزواج بها، لكنه عندما يحصل على موافقة الأب بعد معرفة هذا الأخير بالجريمة التي قام بها ابنه، تكون المفاجأة للمشاهد برفض «نورا» الغفران لمن غدر بها، لتتحدى مجتمعها ونظرته لها، وتكمل دراستها، رافضةً أن تتزوج من مغتصبها، الأمر الذي يؤدي إلى انتحار «راغب» في مشهد مؤثر قدمه الفنان مصطفى الخاني بحرفية وإبداع لم نتفاجأ به من فنان موهوب ومتفانٍ في عمله، وشغله على الشخصية حتى على صعيد الكتابة ورسم الكاركتر وصياغة التفاصيل المعيشية للدور، وتحقيق بيئة نفسية ملائمة على صعيد عمل الممثل، لكن المستغرب هو بقاء كل من رشيد عساف وجهاد سعد وفاديا خطاب وعبد الرحمن أبو القاسم أقل بكثير من مستوياتهم التي عهدناهم بها في أعمال أخرى، حتى ميسون أبو أسعد وجيانا عيد لم تبلغا مستوى ما قدمه الفنان فايز قزق مثلاً في شخصية «أبو صبحي» الرجل المنهار تحت رحمة راقصة في ملهى ليلي «مرح جبر»، والبعيد كل البعد عن حياة أسرته وهمومها، في المقابل أبلت الفنانة سوزان سكاف جهداً طيباً في دور «إنعام» مريضة السرطان، وتقدمت الشابة جيانا عنيد في دور لافت من مزيج طفولة وأنوثة في آنٍ معاً في دور «نورا» جنباً إلى جنب مع كل من ميلاد يوسف ويحيى بيازي ومروة أحمد لتقديم أدوار لافتة ومؤثرة.
حائرات ليس عملاً عن الأزمة بل هو عمل عاش الأزمة، وتم انجازه بكامله في دمشق في ظل ظروف أمنية صعبة وهو ما يستحق عليه صُناعه كل تقدير واحترام.