2013/08/20
دام برس – حوار: محمد قاسم الساس
ضيفي أيقونة فنية عالية الجودة. أعطى المكتبة الدرامية والسينمائية والمسرحية السورية والعربية أعمالاً تترخ وأرشيفاً حياً لا يموت. فنانٌ سوريٌ رفيع المستوى وإنسانٌ لبقٌ يعرف تماماً كيف يجذبك إليه.
في أول إطلالة إعلامية له بعد عرض مسلسله (سنعود بعد قليل) والذي حقق نسبة مشاهدة عالية وألهب حوله الكثير من الأراء، يطل معنا الفنان السوري القدير " دريد لحام " في حوارٍ خاص نفتح فيه كواليس العمل وما دار حوله من ردود فعل وإنتقادات مختلفة، ولنعرف رأيه بأبطال المسلسل.
كما وطرقنا معه أبواب التابوهات المحرمة من سياسية ودين وجنس لتخيم على حوارنا أجواءٌ ديمقراطية طرحت فيها كل وجهات النظر بوسطية واعتدال دون أي تتطرفٍ أو تعصب لنناقشها بكل حرية، ولنكشف للعلن تفاصيل الحكاية مع أسرارٍ شخصية تكشف للمرة الأولى.
1_ بداية... أبارك لك على نجاح دورك في مسلسل (سنعود بعد قليل) والعمل معاً، هل جاءت ردود الفعل حسب التوقعات؟
الله يبارك فيك... الحمد لله كانت الردود إيجابية. بدون شك أشعر بالسعادة عندما أسمع كلمة طيبة بحق المسلسل بشكلٍ عام وعن أدائي بشكلٍ خاص. أهم ما سمعته أنني في هذا الدور لا أمثل بل أظهر بشخصيتي الطبيعية وهذه هي الحقيقية فأنا لعبت "دريد لحام" في هذه الشخصية رغم أن هذا الدور يعد مختلفاً وغريباً عن أسلوبي في الاداء.
بصراحة عندما جاء إلي المخرج الصديق المحترم ليث حجو مع المرحوم نضال سيجري ليعرض عليّ الدور، قلت له: "أنت تغامر بأعطائي هذا الدور"، فرد عليّ بقوله: "لا... لأنني أعرفك تماماً من خلال مسرحياتك كيف تزاوج بين الابتسامة والدمعة، والدور يحتاج للممثلٍ مثلك يُجد فعل ذلك"، وفعلاً قبلت خوض المغامرة.
2_ دورك الذي جسدته في المسلسل - نجيب أبو سامي - يعد خطوة جرئية تحسب لك كونه مختلف تماماً عما قدمته سابقاً بالاضافة لتركيبة العمل الجديدة من حيث الطرح والمعالجة، ما الرسالة التي أردت توصيلها؟
الرسالة الأهم في العمل هي عندما يغادر عصافير العائلة عشهم نحو الإستقلالية يتعرضون لضغوطٍ ومغرياتٍ عديدة قد تحرفهم عن مسارهم الطبيعي وعن الأخلاق التي تربو عليها في البيت الذي يتوسطه بحره ونانرجة وياسمينة.
3_ تعرضت لهجوم مع فريق العمل في طرابلس من قبل مجموعة شباب أثناء تصويركم العمل، البعض رأى ما حدث بأنه مجرد "بروبكندا" إعلامية للعمل ليس إلا بخاصة أنكم تكتمتم عن الإدلاء بأي تصريح صحافي عن العمل، ما رأيك؟
بالتأكيد ليست "بروبكندا" إعلامية. أنا كنت هناك وقت حدوث المشكلة وفي الحقيقة عندما تسمع وجهة نظر واحدة دون الأخرى لن تصل إلى الحقيقة لأنه يتوجب عليك سماع كل الأراء بغية الوصول إليها، ويبدو أن هؤلاء الشباب سمعوا وجهة نظر واحدة خزنت لديهم غضباً تجاهنا بوصفهم لنا بالمؤيدين وهنا يكمن الفرز الخطير الذي نعيشه اليوم.
على فكرة مصطلح مؤيد ومعارض فيها ظلمٌ شديد... هو إما أن تكون سورياً أو أن لا تكون... إما مع سورية أو ضدها. لا يوجد أحد مما يسمونهم بالمؤيدين برأيي يقبلون بوجود فساد في النظام أو كبتاً للحرية، وفي المقابل لا يوجد أحد مما يسمونهم معارضون إلا ويبارك بالانجازات التي سبق وفعلها النظام... يكفينا اتهامات حول مسألة موالاة ومعارضة.
المشكلة حلت مع وجود الأمن والجيش اللبناني حيث أضطررنا لمغادرة الموقع تفادياً لإي صدامات نحن بغنى عنها، واللافت أن في لبنان العزيز والحبيب - أنا أمي لبنانية لذلك أقول لهم نصفي الحلو من لبنان - أنه كل شيء يحل بالتراضي فيه من الأمن وصولاً للأقتصاد وحتى الفساد.
(سنعود بعد قليل) ليس بحاجة لدعاية إعلامية مع وجود هذا الكم من النجوم السوريين واللبنانيين القادرين على جذب المشاهد السوري والعربي على حدٍ سواء.
4_ شاركك بطولة العمل نجوم متألقين تم أختيارهم بعناية، كيف وجدت التعامل مهم؟ ولعلك توصفهم لنا ببضع كلمات كلاً على حدا؟
كان التعامل معهم أكثر من رائع. البعض استغرب من وجود هذا الكم من النجوم في عملٍ واحد وتسألوا إن أهرق هذا الأمر ميزانية العمل؟ بصراحة أنا تقاضيت أقل من نصف أجري المعتاد وكل الذين شاركوا أيضاً، كون "ليث" يجعل من فريق العمل أسرة واحدة لذلك تم إنجاز العمل بكل محبة بالرغم من وجود ممثلين صنفتهم القوائم على أنهم موالاة ومعارضة (يقولها ضاحكاً)، وتميزوا بأنهم كانوا على مستوى واحد من حيث الأداء.
"قصي خولي"... أول عمل مثلناه معاً كان (أنا وعائلتي)، وعندما رأيت أدائه وتعرفت على شخصيته آنذاك، قلت له بأنه سيصبح فناناً مهماً في المستقبل وفعلاً هذا ما حدث.
"باسل خياط"... بدون شك يتميز بأدائه الهادىء الذي يوصل من خلاله أحساسيه الجميلة، وهنا عليّ القول بأنه يجب أن يكون أداء الممثل داخلي وليس خارجي كي يصل الدور بشكلٍ صادق إلى المشاهد... و"باسل" أدائه داخلي.
"عابد فهد"... سكرة حقيقية. حضوره في بعض الأحيان يلغي حضور الآخرين.
"سلافة معمار"... ياسمينة دمشقية.
"رافي وهبة"... أحبه كـ كاتب أكثر.
"كندة علوش"... بنت أميرة بكل المعاني ومن دون أي شك، وعلى فكرة "كندة" قرايبتنا من طرف والدتها.
"نادين الراسي"... فاجأتني كممثلة، وقالت بأن العمل معنا كفريق سوري كان مريح بالنسبة لها أكثر من أي فريق آخر تعمل معه.
5_ وماذا عن الممثلة الشابة "دانا مارديني" التي خطفت الأضواء بأدائها لبائعة الورد في المسلسل؟
هذه الفتاة فاجأتني بحلاوة أدائها بشكلٍ لا يوصف... كانت مقنعة ودمها خفيف.
6_ الحوار الذي كان يدور بينك وبين الممثل القدير عمر حجو - أبو عمر - جسد بكل رقي ومحبة رغم اختلافكما من حيث الرأي والمبدأ حيث لم نجد فيه أي شكلٍ من أشكال الإلغاء أوالأقصاء؟
"نجيب وأبو عمر" هما وجه سورية الحقيقي وإن اختلفا بالرأي ولم يلتقيا بوجة نظرٍ واحدة حول ما يجري من أحداث نعيشها لا يعني ذلك أنهما لم يعدا أهل وجيران أو أنهما أصبحا أعداء... نحن نختلف بالرأي ولكن بالتأكيد نلتقي بالمواطنة.
7_ كل من شاهد العمل عاش معه أدق التفاصيل التي يعيشها السوريين بأرقى صورة وبأسلوب راقي ظهر في الحوار لامس الناس، برأيك كان لابد من التطرق بهذه الجرأة لما نعيشيه اليوم بغية تفسيره ونقله وتصويره بحقيقته أم كما اعتبره البعض محاولة لصب الزيت على النار؟
بالعكس العمل كان يدعو إلى الحوار والعمل قدم وجهتي النظر طبعاً دون الخوض في الحلول. كان يقول بأن سوريا هم هؤلاء وهؤلاء ولم يلغي أياً منهم وهذه علامة خيرة، لأننا في النهاية كلنا ننتمي لهذا الوطن وعلينا أن نجعل ما بيننا أختلاف وليس خلاف.
8_ هناك من رأى بأن الوجود اللبناني في العمل قد أعطى نكهة خاصة له بخاصة أداء الممثلين اللبنانيين العالي، وهناك من رأى بأن وجدهم أضاع بعض الشي بمعالجة القضية السورية التي يطرحها العمل، ما رأيك؟
"نجيب" زوجته لبنانية ومن الطبيعي وجود الخط اللبناني في العمل بخاصة انتقال أولاده للعيش في لبنان بسبب الأحداث. لابد من التفكير بكل وجهات النظر التي قيلت وأنا أحترمها جميعها، ولكن اسمح لي أن أتسأل... هل قدم العمل شيئاً غير موجود اجتماعياً من قصص المخدرات والخيانة الزوجية أوالمثلية الجنسية؟
9_ كيف تفسر إختيار محطةmbc لمسلسل (سنعود بعد قليل) من بين كل الأعمال السورية لتعرضه على شاشتها؟
ربما لأن العمل جاء على الموقف الوسط على عكس بعض الأعمال التي تبنت وجهة نظر واحدة، ومن مصلحتهم كمحطة أن تحافظ على كافة مشاهديها فقرروا عرض عمل سوري تسودة العدالة في تناوله للقضية السورية.
10_ هل ما زل أمام السوريين الكثير من الوقت لكي يعودون إلى حياتهم الطبيعية في بلدهم سوريا أم "سنعود بعد قليل"؟
سوف يبقى الكثير أمامهم إن لم يعودوا ويستمعوا لصوت العقل بغية حل الأزمة وانتهائها. إن بقي صوت الرصاص وإلا ما هنالك من أدوات تستخدم للقتل والإقتتال بكل تأكيد سيصبح الوضع أكثر سوءاً.... يجب أن نفكر قبل أن نعمل وليس العكس.
11_ ما هو تقيمك لموسم الأعمال السورية في رمضان 2013؟
بصراحة أنا من الأشخاص الذين يفضلون متابعة الأعمال بعد رمضان حيث ترتكب فيه مذبحة درامية لكثرة الأعمال المعروضة واستحالة متابعتها بهدوء لكي نستطيع إنصافها والتحدث عنها بموضوعية.
ولكن اسمح لي هنا أن أقول بأن أعمال البيئة الشامية تحيرني ولا أميز فيما بينها بسبب التشابه الحاصل من حيث النص والديكور والشخصيات... "ياريت يطلعوا منها"، أو أن تنفذ بتأني أكثر وأن لا ينسب ما يعرض فيها لتاريخ دمشق العريق الذي لا يتقاطع أبداً مع ما تعرضه هذه المسلسلات.
لا أذكر مرة بأن والدي قد وجه لوالدتي كلمة سيئة أو رفع يده عليها. المرأة الدمشقية لم تكن مهمشة... أين ثريا الحافظ التي دعت الجماهير إلى الثورة من أمام القصر العدلي؟ أين نائلة العابد التي ذهبت مع يوسف العظمة إلى معركة ميسلون؟ المرأة السورية عموماً ليست خنوعة أو يقتصر دورها بالإنجاب وأن "تاكل أتلة على الطالعة والنازلة" (يقولها ضاحكاً).
12_ هل من الممكن أن نراك في بطولة عمل عربي مشترك؟
أنا وفي هذا العمر أصبح مستقبلي ورائي... مستقبلي هو تاريخي الذي أخاف عليه، لذلك تكون اختياراتي جداً محدودة حيث أتواجد عندما يكون تواجدي ضرورة وليس فقط لتجميع الأسماء لا غير.
13_ ماذا عن السينما؟
من يوم ما ذبحت السينما في سوريا أصبح من الصعب أن تقف مجدداً على قدميها... أنت تعلم أنه بأمكانك أن تنسف عمارة مؤلفة من 20 دوراً بثوانيٍ ولكن إعادة أعمارها يتطلب وقتاً طويلاً. كنا نعيش أزمة ثقة وعندما بدأت تعود هذه الثقة بدأت الأحداث لدينا، والسينما تحتاج إلى جوٍ هادىءٍ وآمن كي تنعش ولذلك وللأسف تجد الصالات فارغة اليوم.
14_ هل بالإمكان مشاهدة الكبير "دريد لحام" بمسرحية لا تقل أهمية عن ما قدمته سابقاً عما قريب؟
أتمنى... ولكن حالياً من الصعب تقديم عرض مباشر ونحن نعاني من هذا الفرز الخطير بين الناس ضمن الظرف الأمني الذي نعيشه اليوم. المسرحيات باتت تعرض حالياً في الساعة الخامسة عصراً !! وبصراحة أخاف أن تستمر الأمور بهذا السوء لتعرض الأعمال على الريق أو أن تلغى.
15_ كيف يعيش فنانٌ كبيرٌ مثلك ورجلٌ متقدم في السن مع هذا الموت والدمار الذي يلفنا وإلا ما هنالك من أمورٍ باتت جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية؟
ربما يصبح الشخص في هذه الأيام أقرب إلى خالقه حيث نبدأ يومنا بقول (يا رضى الله والوالدين)، ونرجوه في كل ثانية بأن يخرجنا من محنتنا سالمين.
أبن رشد قال قبل ألف عام أن تجارة الدين هي التجارة الأكثر رواجاً في الدول المتخلفة... وللأسف هناك من سلبت عقولهم وأتبعوا من يدعون بأنهم رجال دين. ربنا تعالى لا يمكن أن يعطينا عقلاً وشرائع مخالفة له... هذه هو الفهم الحقيقي للدين.
16_ نشتاق اليوم للكثير من نجوم الدراما السورية الذين غادروا البلد على خلفية الأحداث، ما رأيك بمغادرتهم؟
بصراحة أزعل منهم وعليهم. لا توجد مشكلة أبداً أن تكون مخالفاً للرأي من داخل وطنك - كندة علوش تعد من صقور المعارضة وعندما ألتقينا معاً خيم الود والمحبة والاحترام على لقائنا - ربما حملوا المسألة أكثر مما تتحمل وحملوا بالتالي أنفسهم أكثر من طاقتها... لماذا ذهبوا؟
17_ (أقاطعه بقولي) ربما لأنهم تعرضوا إلى مضايقات أوضغوط؟
إن حصل هذا الشيء فأنا ضده بالتأكيد. كوننا نطالب بالحرية والديمقراطية فنحن نطالب بها للجميع وليس لفئة دون أخرى حتى ولو كان الآخر يختلف معنا برأيه... "لازم نحطون بعيونا".
إن أراد أحدهم العودة إلى دياره وينتابه شعور الخوف من العودة ما عليه إلا أن يخبرني بذلك وأنا مستعد لأن أذهب إلى الحدود لإنتظاره... وإما أن ندخل معاً وإما أن نغادر معاً.
18_ الموت غيب العديد من نجوم الدراما السورية مؤخراً، كيف تلقيت نبأ رحيلهم؟
هؤلاء لم يرحلوا بل أجسادهم فقط ذهبت إلى جوار ربها... هم مازالوا معنا كونهم تركوا أثراً طيباً خلفهم.
19_ هل تخشى الموت بعد عمر طويل؟
لو سيأتيني الموت وحدي دون غيري بالتأكيد سأخاف منه، ولكنه قدرٌ مكتوبٌ على الإنسان... لذالك لا داعي للخوف منه.
20_ هل يغلب طعم المرارة على مشوارك الفني أم طعم الحلو فيه؟
لا يوجد مر وحلو برأيي فبعض الذكريات المرة يصبح مذاقها طيب مع مرور الأيام.
21_ كيف يعيش "دريد لحام" حياته الإجتماعية؟
أنا أبن مريم - رحمها الله - التي علمتنا معنى الأخوة الحقيقي حيث زرعت المحبة فيما بيننا - نحن عشرة أخوة - حيث نجتمع لغاية اليوم معاً في كل اسبوع لتبقى هذه اللحمة والألفة والمعرفة بين أبناء العائلة الواحدة، وصادق من يقول لك بأن الوطن السليم تصنعه العائلة السليمة وليس العكس.
22_ أخيراً... هل من رسالة تود إيصالها للجمهور عبر موقع دام برس؟
الضربة التي تتلقاها من إبن بلدك تكون أكثر صعوبة ومرارة من الغريب ولذلك أوجه رسالة لكل مسؤول عربي بأن يأخذ بالحسبان أولاد بلده. وأتمنى أن تكون لدينا النية لكي نكتب أسم بلادنا على الشمس التي لا تغيب.