2013/08/16
فؤاد مسعد – الثورة
صراع داخلي قوي عاشه الكثير من النقاد والمهتمين بالدراما السورية ، فمن أي زاوية ينبغي تناولها ؟ هل ينبغي معاملتها كما في أعوام سابقة بنقد موضوعي متوازن ينبه في أحد جوانبه من الخطأ والاستسهال خشية من هبوط المستوى ؟
أم تناولها من زاوية التصفيق الحار لأنها استطاعت هذه السنة اثبات تواجد لها على الرغم من الظروف التي تعيشها البلد ؟ ترى هل يلغي هذا ذاك ؟ هل فكرة الإنتاج والتصوير وسط ظروف الأزمة يشفع لأعمال بعينها أقل ما يقال عنها أنها تجارية وسخيفة ووصلت حد البذاءة أحياناً والاستعراض المجاني السياحي .. هل يشفع لها أنها انتِجت وصورت في سورية ووسط تلك الظروف ؟. ولكن مهلاً .. فهذه الأعمال التي أتحدث عنها (بعينها ـ وعلى محدوديتها) ركبت على الموجة ، بمعنى أنها استغلت الظرف لصالحها، فالخشية من قلة الأعمال مقابل رغبة الجميع بأن يكون عدد المسلسلات السورية أكثر أدى إلى استغلالها للوضع القائم فتقيأت ما في جوفها من ابتذال لتلصق نفسها عنوة وبكل وقاحة بالدراما السورية ، شأنها شأن أي تاجر استغل الأزمة ليتلاعب بقوت الناس .
استخدمت في كلامي السابق كلمات من نوع (بذاءة ، ابتذال ، وقاحة ..) لأن هناك اعمالاً وصلت لدرك أقل بكثير من كلمات من نوع (هابطة ، سطحية ، ساذجة ..) ، لذلك كان لا بد من التعامل معها بمفردات تناسب حالتها ، ورغم ذلك لايزال الكلام ضمن إطار ديبلوماسي ، رغم أنه أثناء مشاهدتها بت أترحم على الأيام التي قدمت فيها مسلسلات انتقدناها بالقول حينها :إنها تهزأ بعقل المشاهد وتستجر الكوميديا فيها من الوقوع والزحلطة .. ولكن اليوم عرفت قيمتها ، لأنه رغم ما بدا فيها من تهريج وقتها كانت أرقى وأهم من أعمال قد يكون هدفها أي شيء إلا أن تُصنف كأعمال درامية .
هناك مسلسلات تشوه ليس فقط صورة الدراما السورية، وإنما تشوه صورة الفنان السوري أيضاً لتحوّله أحياناً إلى مجرد (موديل) يرضي هذه القناة أو تلك وسط عمل غالباً ما يكون من إنتاجها ، وتحول الفعل الدرامي الإبداعي إلى ورقة لعب تجارية تسخره لرؤية مشوهة عن الدراما تفرز مفاهيم خطرة يتلقفها الجمهور المفترض من شباب ومراهقين .. والمناشدة اليوم ينبغي أن تكون بصوت عال : (لا تدعوا ما بناه الأولون وأكمله اللاحقون يضيع مع أولاد دخلوا خطأ في فعل ابداعي يسمى الدراما السورية) .
شتان ما بين التناول العميق للظواهر السلبية في المجتمع وما بين تبريرها وتجميلها وتقديمها للمشاهد على طبق من فضة (وربما أحياناً التشجيع عليها بقصد أو عن دون قصد) ، فشتان ما بين الجرأة والوقاحة ، ومن لا يميز بينهما ويريد تعلّم المعنى الحقيقي للجرأة فليعد إلى مسلسلات زمن الأبيض والأسود من نوعية (أسعد الوراق) إخراج علاء الدين كوكش وتأليف عبد العزيز هلال وبطولة هاني الروماني ومنى واصف ، وليعد إلى السينما الايرانية ويرى جرعة الجرأة التي تحملها الكثير من أفلامها راقية المستوى .. فكفاكم تشدقاً بجرأة مفبركة مصطنعة تريدون من ورائها تجارة وبزنس وعلاقات وشهرة و.. ، وكفاكم استهزاءً بعقول الناس واستغباء لها ، كفاكم التستر وراء (مانشيت) الجرأة لتنشروا تحت عنوانه ما يشوه صورة المجتمع فتعمموا الحالات الخاصة لتتحول إلى مسبار للمجتمع ككل .
من المؤكد لا بل من الغباء تعميم ما نذهب بالحديث عنه على الإنتاج الدرامي السوري ، فهو عبارة عن حالات ، ربما بدأت تتكاثر (على قلتها) إلا أنها تشكل فيما تقدم شكلاً ومضموناً استفزازاً للمشاهد ، والخوف أن تتوالد هذه الأعمال نتيجة حالة الاستسهال والاسترخاص التي يعتمدها بعض مدعو الإبداع ، ولكن رغم وجود هذه النماذج استطاعت الدراما السورية أن تحقق حضوراً في الموسم الأخير ، قد لا يكون كما نشتهي ، ولكنه سعى نحو التنوع على أكثر من صعيد (الموضوعات وطريقة معالجتها ، الرؤى والحلول الإخراجية ، المستوى الإنتاجي .. ) ، كما قدمت بعض الأعمال الهامة التي تحاكي الهموم الحقيقية للناس بشكل أو بآخر ، ويبقى الأمل دائماً أن تحمل الإنتاجات القادمة ما هو أفضل وأبقى .