2013/08/01
بيسان طي – السفير
وضعت الأزمة السورية صنّاع المسلسلات في الشام أمام خيارات جديدة، إن لناحية البحث عن أماكن تصوير آمنة، أو لناحية اختيار المواضيع. استفاد لبنان من آثار تلك الأزمة المستجدة. البلد الأقرب إلى الشام، شكّل مكاناً بديلاً لتصوير بعض المسلسلات السورية أو جزء منها. ودبّ النشاط في الاستوديوهات اللبنانية، المقفل منها والمفتوح.
ومع اقتراب نهاية الموسم الرمضاني، بات السؤال عن محصلة التعاون الدرامي الأهمّ (حتى الآن) بين لبنان وسوريا ممكناً... أو بالأحرى، ما الذي جناه اللبنانيون من ذلك التعاون؟
أطلّ علينا ممثلون لبنانيون في أكثر من عمل، بإدارة مخرجين سوريين. ذلك الظهور اللبناني كان موجوداً في الأعوام السابقة، لكنّه توسّع في رمضان 2013، كما في مسلسلات «حدود شقيقة»، و«لعبة الموت»، و«سنعود بعد قليل»، و«الولادة من الخاصرة».
على مستوى صناعة الصورة، يصعب الحديث عن أثر كبير. فتلك الصناعة متقدمة محلياً، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال الإعلانات والفيديو كليب. في المقابل، وجد الممثلون اللبنانيون أنفسهم أمام تجربة مهمة، في صناعة مشهدية جميلة، في ورشة عمل، تستند إلى خبرة متميزة في إدارة الممثل. هنا جاءت النتيجة واضحة. بعض الممثلين الذين مللنا أداءهم في أعمال لبنانية، بدوا أقل رتابة تحت إدارة الليث حجو مثلاً («لعبة الموت»).
وضعت النصوص الممثلين اللبنانيين في قالب جديد، دفع بهم إلى الأمام. ولا داعي في هذا الإطار للتذكير بأنّ المواضيع التي عالجتها المسلسلات اللبنانية خلال السنوات الماضية، كانت غريبة عن اهتمامات مختلف الطبقات الاجتماعية، حتى درج التندر على عبارات لا ترد إلاّ في المسلسلات اللبنانية.
أما بالنسبة للدراما السورية فقد وصلت إلى لبنان محمّلة بخبرة عقدين. فرضت المسلسلات السورية طوال سنوات نفسها على المشهد الدرامي العربي بأكمله: ممثلون وتقنيون ومخرجون متميّزون، وأصحاب رؤى إبداعية على تماس مع واقعهم. وحتى حين خرجت مسلسلات لا تتمتع بقيمة فنية (على مستوى الإخراج أو النص أو تشويه الحقائق التاريخية...)، فإنها ظلت على قدرتها في استقطاب الناس، كما كان الحال مع مسلسل «باب الحارة» على سبيل المثال. ومن الأمور التي ساهمت في نجاح الصناعة الدراميّة سورياً، كان الابتعاد عن الكليشيهات والغوص في تفاصيل حياة الناس، والغوص في حكايات التاريخ.
لكن لا يبدو أنّ الدراما السورية/اللبنانية (إن صحت التسمية اختزالاً للتعاون القائم بين البلدين حالياً) تستعيد عناصر نجاح المسلسلات السورية، بل إنّها ترتكز على «الوضع القائم» في كلا البلدين. جاء السوريون بممثليهم ومخرجيهم وتقنييهم وكتّابهم الناجحين، وتعاطوا مع ما فرضته الخريطة الإنتاجيّة اللبنانية من شروط وقوانين. يتمثّل ذلك في اختيار الممثلين أوّلاً. من يتابع النشاط المسرحي اللبناني على قلّته، يتبيّن وجود ممثلين قادرين على تأدية أدوار صعبة ومركبة. في المقابل، يرتكز المشهد التلفزيوني اللبناني على نجوم قادمين بمعظمهم من عالم عرض الأزياء. في الأعمال الدارميّة اللبنانيّة، كان الضعف في أداء أولئك النجوم، يظهر جلياً في المشاهد المشتركة بينهم وبين ممثلين محترفين، مثل كارمن لبس، وعمار شلق، وبرناديت حديب، وندى أبو فرحات، وتقلا شمعون، ورولا حمادة، وغيرهم... هذه الحال بدت مضخمة في المسلسلات السورية/اللبنانية. رغم تطور أداء الآتين والآتيات من عالم الأزياء، إلا أنه ظهر ضعيفاً في مواجهة الممثلين السوريين، ما أفقد الكثير من المشاهد بريقها واندفاعها. ذلك التسليم بقوانين السوق اللبنانية، من خلال الالتزام بلائحة النجوم الجاهزة، نقطة ضعف تؤخذ على المخرجين السوريين. كان بإمكانهم على سبيل المثال إطلاق ورش «كاستنغ» جديّة، تساعدهم على اكتشاف مواهب جديدة (شكّل مسلسل «حدود شقيقة» استثناءً في هذا المجال، من خلال إفساح المجال أمام ممثلين شباب).
مع الانتقال إلى لبنان، فقدت الدراما السوريّة أحد أبرز عناصر نجاحها، أيّ الانغراس في بيئتها. فكما هو الحال في المسلسلات اللبنانية نفسها، ظلت بيروت والمناطق الغنية أو الفقيرة، مجرد واجهة في الأعمال المشتركة. مناطق بلا ناس ولا قصص حقيقية.
والسؤال الملحّ هنا، كيف نجحت الدراما اللبنانية في إرساء قواعد إنتاج يصعب كسرها، فيما فشلت جماهيرياً بشكل كبير؟ لا إجابة عن هذا السؤال إلاّ عند أصحاب الأموال الذين يريدون للبنان أن يكون مجرّد صورة جميلة وباهتة في آن. والخوف هنا، في أن ينزلق جزء من الصناعة الدرامية السورية صوب النمط ذاته من الإنتاجات الباهتة.