2013/07/29
مارلين سلوم – دار الخليج
“أنا من الموالاة” عبارة يقولها نجيب، بطل “سنعود بعد قليل”، فينتفض اثنان من محدثيه، أحدهما يقول له “يعني أنت مع النظام” فيرد نافياً، وتستنج أخرى “أنت مع المعارضة” فينفي أيضاً ويردف: “أنا من الموالاة لأبنائي وعائلتي وبلدتي . .” .
قد يختصر هذا المشهد الصورة التي يريد أن يوصلها إلى المشاهدين مسلسل “سنعود بعد قليل” الذي يدور في فلك الأحداث الراهنة في سوريا، ويحبك حكاياته العاطفية والأسرية والاجتماعية حول النقطة الرئيسة ألا وهي: تمزق السوريين بين الموالاة والمعارضة، وبين حنينهم إلى بلدهم وتمسكهم به واضطرارهم إلى الهجرة مؤقتاً .
لا يمكنك إلا أن تحب هذا العمل ولو أخذت عليه بعض الملحوظات الفنية، فأمام واقعية هذه الدراما وأداء أغلبية الأبطال وعلى رأسهم دريد لحام، تشعر برغبة شديدة في متابعة كل الحلقات بشغف وحب، وترتبط بالشخصيات، وتترقب الأحداث، وتغفر الهفوات لأنها تصبح هامشية . من هنا يمكنك اعتبار “سنعود بعد قليل” من أهم ما أنتجته وقدمته الدراما السورية هذا العام، وينافس بشدة “الولادة من الخاصرة - منبر الموتى” على قلوب المشاهدين، وعلى الصدارة في لائحة أفضل الأعمال الرمضانية لهذا الموسم .
قد يكون الكاتب رافي وهبي أراد أن يبرز معاناة النازحين السوريين، لاسيما من النواحي النفسية، إضافة إلى المشهد السياسي داخل سوريا وانقسام الشارع والناس، لكن المشاهد يرى في ثنايا الحكايات ما هو أبعد من هذه الآنية في الأحداث، حيث تبرز طبيعة العلاقة بين لبنان وسوريا، البلدين المتجاورين، وأن انتقال السوري للعيش في لبنان من أجل الزواج أو العمل، لا يشبه “الهجرة” ولا يسمى باسمها، وهو أيضاً لا يشبه السفر من بلد إلى آخر . أولاد “أبو سامي” (دريد لحام) الستة يقيمون مع أسرهم في لبنان منذ سنوات، وحين قرر زيارتهم، وضع على محله لافتة “سنعود بعد قليل”، كمن ذهب إلى بيته لقضاء حاجة ولن يُطيل الغياب .
رافي وهبي في نصه، مشى فوق الحبال بحرفية، كي لا يسقط في مطبّات التمييز والانحياز إلى أي من الفريقين، “الموالاة” و “المعارضة”، رغم ملامسته الواقع ووضعه كل أصابعه على الجراح النازفة . وبدا كمن يحمل الجمر بين كفيه، ينقله دون أن يحرق نفسه، فيقدم شخصية نجيب الرجل الوطني العاطفي الذي يحب أسرته بشكل كبير، ويخاف على أبنائه دون التمييز بينهم، تماماً كما هو موقفه مما يحصل في بلده، ومَن أكثر من دريد لحام يجيد أداء الدراما بدموع حارقة؟ هو يسمي ما يحصل “أزمة سياسية”، بينما صديقه وجاره أبو عبده يسميه “ثورة” . ولا يغفل رافي قضية التعذيب والمخابرات والمعتقلين السياسيين وانتشار المسلحين .
إخراج الليث حجو خدم كثيراً النص، ولعل “الرسالة السياسية الواقعية” هي التي طغت فتغاضى المشاهد عن التفاصيل الأخرى، مثل خيانة “دينا” لزوجها والعلاقة الشائكة وما يتبعها من أحداث تخرج عن المنطق أحياناً .