2013/07/23
الحياة
حاولت مجموعة من الأعمال الدرامية السورية خلال هذا الموسم الرمضاني مقاربة الأزمة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عامين، عبر متابعة تأثيراتها وإفرازاتها، ومناقشة حيثياتها.
وتنقسم هذه الأعمال إلى نوعين، الأول الذي أنتجته الحكومة مثل «تحت سماء الوطن» و «وطن حاف» و «حدث في دمشق»، وظهرت هذه الأعمال كأداة سلطوية تنهج تغيير الوقائع وقلب الحقائق، لخدمة الجهة المنتجة، وهي في هذه الحالة، النظام السوري.
أما النوع الثاني فهو ما أنتج عبر القطاع الخاص، وأبرز أعماله «سنعود بعد قليل» والجزء الثالث من «الولادة من الخاصرة» الذي سمي «منبر الموتى»، وهما من إنتاج شركة «كلاكيت». واللافت أن هذين العملين ذهبا في اتجاه اعتماد حالة من الحياد، وحاولا إرضاء طرفي الصراع في سورية (السلطة والمعارضة)، فسقطا في فخ التعميمات التي تفتح مجال التأويلات، ليقدما جرأة مفتعلة، تلقي اللوم في شكل شبه دائم على طرف مجهول، يرتكب الجرائم وينكل بالشعب السوري الذي ظهر في مشاهد كثيرة كمجرم وليس ضحية.
مقص الرقيب
الدراما السورية في العقد الأخير انتهجت طريق الالتفاف على مقص الرقيب، واقتحمت –بحسب بعض النقاد- الثالوث المحرم في معالجتها لقضايا شائكة، مقدمة جرأة غير معتادة تلفزيونياً. وهذا الأمر في حقيقته لا يتجاوز كونه لعبة أجادها الدراميون السوريون في سعيهم الى تثبيت صناعتهم على الصعيد العربي، إذ عمدوا إلى ملامسة الواقع في قضايا شائكة مثل الجنس والسياسة والدين، من دون تقديم حلول أو اقتراحات لتجاوز المشاكل المزمنة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية. وبهذا السلوك كسبوا نقاطاً لدى المشاهد من جهة والفضائيات من جهة أخرى، متخذين من خط الوسط مكاناً لهم، في محاولة لإرضاء الجميع. ولكن مع مرور الوقت أصبحت اللعبة مكشوفة، فحالة البهرجة والجرأة الكاذبة لم تعد تقنع أحداً.
والأمر يتكرر هذا الموسم ولكن بطريقة تدعي حياداً مضللاً، إذ يعمد معظم الأعمال ومنها «سنعود بعد قليل و «منبر الموتى» إلى مواصلة اللعبة الدرامية التي أتقنها صناع الدراما السورية لسنوات، «فأمسكا العصا من الوسط». ولكن هذه المرة اتخذ هؤلاء دماء السوريين ذريعة لجرأة مفتعلة وإنسانية مترهلة، بطريقة غير مسؤولة، بحجة الوقوف على الحياد، وعدم الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب آخر.
فمسلسل «سنعود بعد قليل» تأليف رافي وهبي وإخراج الليث حجو وبطولة دريد لحام وباسل خياط وقصي خولي وعابد فهد وكندة علوش، ويعرض على قنوات عربية أبرزها «أم بي سي»، يقدم حالة من الفصام الدرامي، على مستوى النص والأفكار المطروحة، إذ يلقي الاتهامات بطريقة مستفزة على الجميع بصرف النظر عن انتمائهم السياسي. فيما ظهرت الشخصيات كأدوات درامية لخدمة أجندة خاصة بصناع العمل.
وعلى رغم محاولاته توثيق حياة السوريين في المنفى (لبنان) فشل في ذلك، وتحركت الشخصيات في فضاءات خيالية بعيدة من الواقع، فتاهت في خطوط العمل الدرامية، وقُدمت سطحياً من دون الغوص في أعماقها وتطلعاتها وأفكارها، خوفاً من تقديم وجهة نظر لا تتفق مع مبدأ الحياد المتبع في العمل.
ويضاف إلى هذا الإصرار على تشويه حقائق كثيرة، كما حدث مع الشخصية التي ظهرت في الحلقة التاسعة والتي تجسد شخصية المخرج الشاب باسل شحادة الذي قضى برصاص قوات الأمن السورية قبل أشهر، مظهرةً عودة السينمائي الشاب لأرض الوطن بعد الغربة بسبب مقتل صديقه وسعياً لاكتشاف ما يحدث على أرض الواقع، وهو الأمر المنافي للحقيقة. فشحادة عاد ليشارك بالحراك عبر كاميرته، وهو على علم كامل بما يحدث، كما قالت شقيقته لاحقاً، وكما أثبت إنتاجه السينمائي الذي بث على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية.
ومن أبرز الملاحظات أيضاً، إصرار هذا العمل على إظهار المناصرين للحراك السوري بمظهر سلبي، كما يحدث مع الشخصية التي يجسدها عمر حجو، البسيط المحبط، والشخصية التي يجسدها رافي وهبي، التائه في الحياة والذي لا يعرف ماذا يريد، أو شخصية باسل خياط الذي يعمل على أطروحة الربيع العربي، ويخون زوجته مع امرأة أخرى.
أما الحوارات السياسية في المسلسل وبخاصة التي يلقيها عابد فهد عبر شخصيته، فبدت مترهلة، وتفتقر للبعد الفكري والسياسي، بسبب محاولة الكاتب البقاء في المنطقة الرمادية.
سقوط فكري وسياسي
مسلسل «منبر الموتى» للكاتب سامر رضوان والمخرج سيف سبيعي، ومن بطولة عابد فهد وباسم ياخور وعبد الحكيم قطيفان وقصي خولي وسمر سامي، ويعرض على محطات أبرزها «أبو ظبي»، يبدأ الجزء الجديد منه بانفجار يستهدف أحد المسؤولين، ويقدم شيئاً من ممارسات قوات الأمن تجاه أعضاء الحراك السوري في الشارع، إذ نتابع حملات الدهم وشراء الذمم والإهانة وغيرها من الممارسات. وفي حين ينحو العمل نحو التشويق والإثارة، وهو ما نجح فيه في شكل كبير درامياً، لكنه سقط فكرياً وسياسياً. فالمسلسل يصوّر الجريمة بطريقة «جميلة»، فيما يتغاضى عن أي عقاب -قد نراه في آخر دقائق من آخر حلقة أو ربما لا نراه- ويحرص على عدم إلقاء المسؤولية على مؤسسة أو تجمع أو تكتل، بل يدخل في دوامة الاتهامات المتبادلة، ويرسم صورة لمّاعة ومشرقة للحزن والمعاناة التي يعيشها السوري في الداخل.
فنياً وكالعادة قدّم معظم الممثلين السوريين في العملين الأداء التقني المطلوب والذي اعتدنا عليه في السنوات الماضية، من دون أي حالات ابداعية. فغالبية ممثلي الدراما السورية تحولوا بعد نجاحهم الساحق إلى «تقنيين» يتقنون فنون اللعبة الدرامية كأي مهنة أخرى، ويؤدون المطلوب منهم باحتراف، ولكن بعيداً من الخلق والإبداع المطلوبين في مثل هذه المهن، ربما باستثناء الشابة السورية دانا مارديني التي لمعت في دورها في «سنعود بعد قليل»، وقدمت حالة ابداعية جديدة.
ومن القضايا اللافتة أن لعبة الدراميين السوريين لم تتوقف في البقاء على حياد كاذب لإبقاء المجال أمامهم لاختيار جانب المنتصر على الأرض، بل تعدت ذلك إلى اللعب بمشاعر المشاهد، عبر زجّ ممثلين مؤيدين لحكومة دمشق في أدوار معارضة، والعكس، في محاولة لـ «حفظ خط الرجعة»، وفي لعبة وصفها بعضهم بأنها «قذرة»، لإبقاء كل الخطوط مفتوحة.
مفردات تخطت حاجز الرقابة
يرى بعض المتابعين للمسلسلات السورية التي تناولت الأزمة الراهنة أن مسلسلي «سنعود بعد قليل» و «منبر الموتى» تطاولا على الرقابة التي أحكمت قبضتها على الفن الدرامي السوري لسنوات، إذ استــخدما مفردات وألفاظاً جديدة مثل المعارضة والموالاة والثورة والجيش الحر وعناصر الأمن، وغيرها من التعابير التي كانت بمثابة خط أحمر. ومع هذا لم ير كثيرون في الأمر جرأة، بل اعتبروا أن العملين لم ينجـــحا في ملامسة ما يجــري، ولا يتمتعان بأي جرأة تذكر مقارنة بالواقع السوري.