2013/07/13
صهيب عنجريني - السفير
تسابق السوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالأمس، في التباهي بصداقة النجم نضال سيجري... ونضال كان صديق الجميع بحقّ. ويبدو أنّ الموت رغب أيضاً في صداقته، فلم يخذله، ملبياً النداء الذي كتبه سيجري قبل دقائق من دخول العام 2013: «بعد قليل سأحلم بأنّ كل السوريين سيبدأون العمل معاً لإعادة البناء. بعد قليل إذا لم تخرج بلادي من وجعها سأتمنّى الموت، وأغادر مع هذا العام البائس المليء بالسرطان، تحيا سوريا بكل أبنائها».
توفي «تشارلي شابلن العرب» بعد صراع استمرّ ثلاث سنوات مع سرطان الحنجرة، ويُدفن اليوم الجمعة بعد أن يزور جثمانه خشبة المسرح القومي في مدينة اللاذقية التي شهدت ولادته بتاريخ 28 أيار 1965. تخرج الممثل السوري الكبير من «المعهد العالي للفنون المسرحية» العام 1991، وترك وراءه ولدين هما ويليام، آدم، ورصيداً كبيراً من الأعمال التلفزيونية قاربَ المئة مسلسل، منها «الشريد»، و«الفوارس»، و«سيرة آل الجلالي»، و«أبناء القهر»، و«أبيض أبيض»، و«بقعة ضوء»، و«غزلان في غابة الذئاب»، و«زمن العار»، وشركاء يتقاسمون الخراب».
وحقّق شهرة كبيرة بعد أدائه المذهل في المسلسل الكوميدي «ضيعة ضايعة» بجزأيه، حيث لعب دور أسعد ذي القلب الأبيض، الذي يشبه قلب نضال. عُرف عن «أبو ويليام» شغفه بالمسرح، فلم يأخذه التلفزيون بعيداً، وقدم للخشبة عشرات الأعمال بين تمثيل وإخراج، منها: «كاليغولا»، و«نور العيون»، و«سفربرلك»، و«بحيرة البجع»، و«صدى»... وكان آخرها «حمَّام بغدادي»، وأخرج فيلماً بعنوان «طعم الليمون».
وفور انتشار خبر وفاته سارع معظم المشتغلين بالدراما إلى نعيه عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب مؤلف «ضيعة ضايعة» السيناريست ممدوح حمادة: «تحياتي يا صديقي.. حكيت مع بيروت قبل شوي، وعرفت إنك بالشام فقررت حملك أمانة «بوسة للشام»، وبوسة إلك ماركة مسجلة». كانت هذه آخر رسالة بيننا ولم أتلق رداً يومها، وبما أنه ليس من عادتك ألا ترد صاع الحب صاعين فقد أدركت يومها، أن قبلاتي لم تصل لك ولا للشام». بينما كتب السيناريست فادي قوشقجي: «لم يهزمك المرض، بل حرقة قلبك على وطنك، فأنا لم أرَ سورياً أكثر منك حناناً على «أمنا العظيمة» كما كان يحلو لك أن تسميها، وداعاً أيها النبيل... لقد ازدادت بشاعة العالم برحيلك». وكتب السيناريست مازن طه: «نضال سيجري، مفجع غيابك أيها البحار النبيل، مفجع غيابك يا طائر الفينيق، لم يكن صوتك غائباً، بل كان حاضراً وبقوة (...) كنت الصوت الذي لم يفقد البوصلة، كنت الصوت الذي نصغي إليه جميعاً وبخشوع أسطوري، كنت الصوت الذي يخرج من رحم الوجع. لا لن يغيب صوتك.. لن يغيب حضورك».
التزم سيجري منذ بدء الأزمة السورية موقفاً واضحاً يدعو إلى الحب بوصفه بوصلةً وخلاصاً، وكانت له مبادرةٌ على الأرض أول الأحداث في مدينة اللاذقية برفقة صديقيه المخرج الليث حجو، والنجم باسم ياخور، حيث التقوا بمتظاهرين، ونقلوا مطالبهم إلى الجهات الحكومية. ووجّه لاحقاً عدة رسائل إلى السوريين بجميع أطيافهم، لعلّ أكثرها رسوخاً قوله: «وطني مجروح وأنا أنزف. خانتني حنجرتي فاقتلعتها. أرجوكم لا تخونوا وطنكم». قليلةٌ هي المواقف التي وحّدت السوريين منذ آذار 2011، وكان رحيل جسد نضال واحداً من أبرزها، وقد سارع المخرج السينمائي السوري جود سعيد إلى إطلاق مبادرة خاطب فيها الفنانين السوريين بالقول: «فرّقتنا الحياة ونبضها فليلمّنا موت نضال وصمته.. فلتجمعنا روحه ولنكن وردة سلامها الأخيرة. معاً ليكون يوم الغد (اليوم) يوماً جامعاً، بلا تخوين ولا سباب ولا تحريض... لربّما يبتسم نضال وهو يغادر».