2012/07/04
غازي الموسى – تشرين دراما
كيف يمكن للفنان أن يساهم في خدمة الشأن العام وما هي انعكاسات ذلك على الأوساط الاجتماعية؟ والى أي مدى حقق عمل الفنان في الشأن العام قبولاً موازاة مع نشاطه الفني؟
هذه الأسئلة وأسئلة عديدة طرحناها على البعض من فنانينا الذين لهم بصمة عملية وملحوظة في هذا المجال, بعد أن شكلت ظاهرة عمل الفنانين بالشأن العام حالة من الوعي الحضاري والإنساني بما تعكسه هذه الظاهرة من إقبال متميز للمجتمع السوري في تعاطيه مع قضايا الوطن ورفع مستوى الوعي الاجتماعي للعديد من المسائل المهمة كالبيئة والنشاطات الإنسانية لذوي الاحتياجات الخاصة, وتأثير ذلك على الجمعيات الخيرية الأهلية لتكريس حالة التعاون الاجتماعي وتحفيز الجهات المعنية للعمل الجاد وتبني الأفكار المطروحة ووضعها على جدول الأعمال وتجسديها كضرورة حياتية لمجتمع يتطلع نحو غد مشرق. الناس تستمع للفنان أكثر من المسؤول
من النجوم الذين لمعوا وشاركوا في العمل بالشأن العام والذين استغلوا شهرتهم في خدمة المجتمع النجم جمال سليمان الذي كان سفيراً للنوايا الحسنة لفترة طويلة شارك في العديد من المشاريع الخيرية.يقول النجم سليمان: إن الفنانين لديهم دور كبير ليلعبوه فيما يتعلق بالشأن العام, لأن الفنان يتمتع بمحبة الجمهور واحترامه, وبالتالي فمن واجبه رد هذه المحبة وهذا الاحترام من خلال المشاركة بالقضايا الوطنية والقضايا الاجتماعية التي يهتم بها المواطن, إضافة إلى أن للفنان تأثيراً كبيراً في هذا المجال باعتبار أنه شخصية غير رسمية, فهو عندما يتطوع للمشاركة في الشأن العام سيلقى عمله القبول والتصديق من المواطن العادي لأن هذا العمل الذي يقوم به هذا الفنان هو ليس مهمة يقوم بها بموجب قانون أو تكليف وإنما نوع من القناعة الشخصية التي يحاول الفنان إيصالها من قلبه لقلب المواطنين.
وأنا شخصياً لدي تجربة في هذا المجال استمرت سنوات عديدة حيث كنت سفيراً للنوايا الحسنة لصندوق الأمم المتحدة, وفي كل مرة كنت ألتقي فيها مع الناس كنا نتحدث عن القضايا السكانية وعن التعليم للأطفال وعن أهمية تعلم المرأة وعن تنظيم الأسرة وعن قضايا إنسانية مختلفة, إضافة إلى اهتمامنا بالقضايا البيئية وحينها كنت أشعر بأن الناس لديهم استجابة شديدة لكل ما أطرحه لكونهم يعلمون بأنه ليس هنالك من أحد أملى علي هذا الشيء لكي أنقله لهم وأني لست مكلفاً من قبل أي جهة رسمية ولا أقوم بعمل وظيفي, ولا أتقاضى أي مبلغ مالي تجاه ما أقدمه, لذلك هم يشعرون بأنني إنسان أشبههم ولدي بعض الأفكار أشاركهم إياها, ولهذا كان التأثير كبيراً.
وأنا أعتقد أن كل فنان لديه المقدرة لخدمة قضية من قضايا الشأن العام يجب عليه أن لا يتوانى ولا يتردد, لأن هذا أفضل شكل من أشكال الاستفادة من الشهرة ومحبة الناس, ولكن علينا أن ننتبه لنقطتين هامتين هما: - أولاً:
لا بد من توافر إطار معين لحركة الفنان في هذا المجال, ولابد من وجود جهات تنظم ذلك وهذه الجهات قد تكون جهات رسمية أو جهات خاصة مثل جمعيات ومنتديات وجهات أخرى.
النقطة الثانية: أود إلقاء الضوء عليها من خلال تجربتي الشخصية وهي موقف المسؤولين حيال هذا الأمر فلاحظت أن بعض المسؤولين يشعرون بالانزعاج من دور الفنان وكأن هذا الفنان جاهل, فبطبيعة الحال عندما يظهر أي فنان وأي مسؤول جماهيرياً فإن الفنان هو من سيلتفت له الجمهور أكثر من التفاتهم للمسؤول وسيستمعون إليه أكثر من استماعهم للمسؤول, وهذا لا يعني أن المسؤول هو شخص غير ذي أهمية ولا يعني أن الفنان أهم منه, وإنما هذه طبيعة الحياة لأن المسؤول هو الشخص الذي يشبه مدير المدرسة أو أستاذ المدرسة فهو سلطة بينما الفنان لا يمتلك أي سلطة وفي هذه الحالة سيكون المواطن أكثر ارتياحاً لتعامله مع الفنان فيستمع ويتفاعل معه.
ومن خلال تجربتي الشخصية شعرت ببعض الفنانين وكأنهم يتحسسون من هذا الجانب وكأني أدخل معهم بعلاقة تنافسية.
وهذا ما تبلور أيضاً عند المسؤولين, عندما يعتقدون بأن هذا الفنان يقوم برسم مستقبل سياسي معين لنفسه فيبدؤوا بممارسة ما يسمى بتقليم الأظافر, رغم أن هذا الفنان لا يكون بذهنه مشروع أي مستقبل سياسي, وإنما ما يقدمه هو من دافع إنساني ووطني واجتماعي, فهو يحب خدمة بلده, لذلك يستخدم شهرته بقضايا الشأن العام بدلاً من استخدامها بأماكن لا فائدة من وجوده بها, وعموماً فإن المسؤول الذي يرى أن مصلحة مجتمعه ووطنه أكبر من مصالحه الشخصية فهو بالتأكيد لن يتورط بهذه الإشكالية فبالمحصلة إن الدولة مهما كانت أفكارها نيره وخططها وطنية وعملية هي لا تستطيع أن تنجح وتحقق النفع العام إلا بالمشاركة ومبدأ المشاركة يشمل الإنسان العادي ويشمل المسؤول الكبير ويشمل ما بينهما من شخصيات أكاديمية وخبراء وشخصيات عامة وفنانين ورياضيين.......الخ
الفنان محرض للعمل التطوعي
الفنان القدير دريد لحام الذي أثر لدرجة كبيرة في كل الفعاليات والنشاطات الإنسانية التي شارك بها وعن هذا الموضوع يقول الفنان لحام: عندما كنت أقوم بمهمة سفير للنوايا الحسنة كنت سعيداً جداً, لأن هذه المشاركة كانت تجعلني متصالحاً مع نفسي فكنت أنام مرتاح الضمير وأنا فخور بما أنجزته على الأقل في مجال الدعوة لعدم التساهل بمسألة تلقيح الأطفال حيث قمنا بجولات للعديد من البلدان العربية واستطعنا أن نجعل من مسألة تلقيح الأطفال عيداً وطنياً.
وبالتالي نحن استطعنا أن نحدث حراكاً لدى الناس ولذلك صرح وزير الصحة السوداني أثناءها قائلاً: لم يكن دريد لحام موجوداً معنا لم نكن لننجح في هذا اليوم فوجودي حرض الناس على الحضور وبالتأكيد دور الفنان هام جداً وهو مؤثر لدرجة عالية لدى الناس, فالفنان قادر على أن يكون محرضاً للعمل التطوعي خصوصاً وأن الجمهور ومحبي هذا الفنان يحبذون تقليده بكل تصرف يقوم به لذلك, أقول: من الأفضل أن لا نشعل السجائر على الشاشة لأن الناس تلتقط من الفنان الذي تحبه كل ما يتعلق به من السلب والإيجاب والانخراط بعمل اجتماعي هو عمل إيجابي للغاية وحبذا لو يكون بالتعاون مع المؤسسات الحكومية كونها ليست قادرة على الإلمام بجميع الوسائل فهي بحاجة المجتمع للتعامل معها وهذا يحصل بأكبر دول العالم ففي أميركا نجد جميع الناس منخرطين في جمعيات أهلية لخدمة مجتمع ولمساعدة المؤسسات الحكومية.
وأنا أعتقد بأن أي إنسان لديه شيء فائض عن حاجته يستطيع أن يقدمه لمجتمعه أن لا يتوانى أبداً, وليس بالضرورة أن يكون هذا الشيء مالاً وإنما قد يكون وقتاً أو علماً أو أي شيء آخر يعود بالفائدة على المجتمع ولكن السؤال الذي يجب علينا طرحه هو, كيف يمكن لهذه الإمكانات الفائضة لدى هؤلاء الأشخاص أن تجمع في حزمة واحدة؟
لأن كلمة أنا متحمس ليست كافية ولا تعطينا أية نتيجة- فالمفروض وجود تكوينات مجتمعية تستطيع حسم هذا الموضوع لتجعل من هذه السواقي جدولاً يعود بالفائدة والخير على أبنائه.
الفنان قدوة ولا بد أن يكون فعالاً في المجتمع
من الفنانات اللواتي قدمن المشاركات والنشاطات في خدمة الشأن العام الفنانة سوزان نجم الدين التي تدعم جمعية الوئام للكفيفات إضافة إلى مشاركتها الدائمة في فعاليات مختلفة تخص خدمة المجتمع الإنساني وتقول الفنانة نجم الدين: إن عملي في الشأن العام هو من أولويات حياتي قبل دخولي للوسط الفني ولكن بعدما أصبحت فنانة مشهورة حاولت استغلال اسمي أكثر للعمل بهذا الشأن, فأنا بالنسبة لي هذا الأمر يسعدني جداً ويحقق لي رغبة كبيرة في داخلي, سواء أكان العمل الذي أقوم به في العلن أو في الخفاء لأن الإنسان أحياناً يقدم على فعل أشياء عديدة تبقى خفية بينه وبين ربه عز وجل, ولكن لابد من ظهور بعض الأشياء للعلن لخلق نوع من المنافسة الشريفة في هذا المجال في الإنسان العادي يجب أن يكون كذلك, فكيف لو كان هذا الإنسان هو فنان محبوب ومشهور, وخاصة وأن الفنان يعتبر قدوة للكثير من الأجيال التي تليه فلا بد له بأن يكون موجوداً وفعالاً بالشأن العام, إضافة إلى ذلك فإن وجودي في المجتمع كفنانة يزيدني مسؤولية تجاه هذا العمل, وأنا أعتقد بأن كل شخص يقوم بعمل للشأن العام سيلقى القبول من الناس لأن هذا الفنان لا يقوم بفعل شيء خاص به وإنما كل عمله مقدم للناس, خصوصاً إذ كان هذا العمل نابعاً من القلب وفيه صدق كبير وإحساس بالآخرين مع العلم أن هذا العمل يأخذ من وقتنا الكثير وأنا و«الحمد لله» على مدار سنوات عمري لا أذكر بأن هذا العمل قد توقف بالنسبة لي فدائماً لدي نشاطات مختلفة بهذا الخصوص, ومن خلال تجربتي أرى بأنه ليس من الضروري على الإنسان المتطوع أن يقوم بمشاركة مؤسسات حكومية لدعمه, فهذا الأمر هو اجتهاد شخصي أولاً يعود لرغبة الشخص نفسه في المشاركة, وثانياً فإن أي شخص يستطيع أن ينتمي لجهة ما وهذا الأمر يعود لطبيعة كل شخص أما بالنسبة لي فأنا لدي جمعية خيرية تدعى باسم «الوئام» للكفيفات ومشاركة بالعديد من الجمعيات الأخرى فكل ما أقوم بعمله هو اجتهاد شخصي وانتمائي لمؤسسة ما ليس له أي علاقة بعملي الخيري.
ننزل إلى الشارع لنكون أكثر مصداقية
حملة النظافة في سورية بدأت فكرتها الفنانة يارا صبري صاحبة المشروع والسباقة دائماً للحضور في الندوات والمحاضرات والجمعيات الخيرية إضافة إلى مواقفها الثابتة حيال حقوق المرأة, وعن الموضوع الأكثر جدلاً اليوم وهو موضوع البيئة تقول الفنانة يارا صبري: هنالك العديد من الأشخاص الذين لا يهتمون بمسألة المشاركة في الشأن العام, أو لا يعتبرونها من أولوياتهم, وهنالك فنانون يعتبرونها من إحدى اهتماماتهم الأساسية وأنا أعتقد أنه من الواجب الحي مشاركتهم بهذه النشاطات.
فأحياناً تقوم بعض الجهات بالمبادرة لتقديم شيء بخصوص هذا الموضوع فتدعو بعض الفنانين لوجودهم في هذه الفعالية, وأحياناً أخرى نلحظ فنانين يحبذون القيام بهذه المبادرة شخصياً إذا أتيحت لهم الإمكانات المطلوبة والأهم بهذا الموضوع أن الشريحة التي يؤثر بها هذا الفنان أو تلك الفنانة هي شريحة صغيرة وقليلة جداً, فبرأيي أن نتيجة هذا العمل هي تراكمية لا نحصل عليها بشكل مباشر, وهذا الموضوع يشبه تماماً العمل الفني ولكن العمل بالشأن العام فيه ملامسة شفافة مع الناس لذلك يكون التفاعل معهم أكبر.
أما عن الحملة الأهلية للبيئة التي نقوم بها فنحن ما زلنا مستمرين بها منذ 2008 حتى هذه اللحظة, ولكن بطريقة مغايرة, فنحن حاولنا اليوم النزول إلى الشارع والمشاركة مع الناس لنكون أكثر مصداقية معهم ولكي لا يصبح الموضوع هو موضوع تنظيري بحت, وحاولنا قدر الإمكان تسليط الضوء على أغلب النشاطات من خلال حملة إعلامية مرافقة لنا ولكن للأسف لم تكن في البداية لدينا الخبرة الكافية لجمع وسائل إعلام كثيرة, ومع هذا استطعنا الحصول على نتائج لا بأس بها وفيما بعد توجهنا للمحافظات وتواصلنا معهم من خلال الموقع الالكتروني فأصبحت لدينا تجارب كبيرة من قبل الجمعيات والفعاليات المهتمة بموضوع النظافة والبيئة وأصبح لديهم رغبة فيما بعد بالمشاركة في هذه الحملة حيث تمت دعوتنا للذهاب إلى محافظاتهم وهذا ما حصل فيما بعد وتم التعاون بيننا وبين فعاليات أهلية موجودة في المحافظات والجمعيات التي لها علاقة بالبيئة والنشاط الاجتماعي بشكل عام.
وأهم ما تطرقنا إليه أن هذه الحملة جذبت انتباه بعض المسؤولين فتعاونا بورشة عمل مع وزارة البيئة وشكلنا لجنة لمتابعة المقترحات التي صدرت عن هذه الورشة, وكنت أنا أحد الأعضاء الأساسيين في اللجنة باعتبار أنني كنت المشرفة على حملة النظافة منذ البداية
وأعتقد في وقتنا الحالي أن الفنان لديه أثر كبير فهو اليوم مثل أعلى بغض النظر إذا كان هو يعتبر نفسه كذلك أم لا, فنحن نعيش في مجتمعات شرقية لا يمكن لها إلا أن تنجذب للمثل الأعلى وتتعلق به والفنان تنطبق عليه هذه المواصفات المطلوبة ليتقلده الناس هذا بالنسبة للأطفال والمراهقين تحديداً فالفنان عندما يكون صادقاً بتعامله مع الناس فهو سيرى مدى تفاعل هؤلاء الأشخاص معه وهذا ما لمسته فعلاً إن كان في الحملة الأهلية للنظافة أو بالنشاطات التي لها علاقة بالأيتام أو في المرأة أو موضوع العنف ضد المرأة وبالطبع هذا العمل سيستحوذ على وقت كبير مني ومن عملي الفني ولكني أعتبره أحد اهتماماتي الشخصية بغض النظر عني كفنانة فأنا أحاول استغلال اسمي كفنانة للمشاركة بمثل هذه الفعاليات, وبالمحصلة أنا أعتبر هذه المسألة نابعة من اهتمام فردي واجتهاد شخصي لا نستطيع فرض شيء على أحد وإنما هو إحساس بواجب ما وإحساس بمسؤولية ما.