2012/07/04
أحمد الخليل – تشرين دراما
الركود الفني الذي عانى منه جبر لفترة طويلة تحرك بقوة وعادت المياه الإبداعية تجري في عروقه التي كادت تجف، فمشاركة جبر في مسلسل أيام شامية من خلال شخصية سيف أعادته إلى مقدمة المشهد لأدائه الشفاف والعميق والغني وبدا جبر وكأن غيابه عن التلفزيون ليس أكثر من فترة كمون كان يشحذ خلالها أدواته من جديد ويبحث بهدوء عن طريق يجدد فيه دمه الإبداعي..
ولم يتوقف الفنان جبر بعد عودته المظفرة مع نهاية العقد الأخير من القرن العشرين بل تنوعت أدواره وتتالت، فعاد كما أيام زمان لمقدمة المشهد الدرامي، حيث أسندت إليه المخرجة رشا شربتجي دور ضابط الأمن الجنائي في مسلسل (غزلان في غابة الذئاب) للكاتب فؤاد حميرة هذا الضابط الذي يتعرض لضغوط كثيرة فيبدو متناقضا وضعيفا أمام الاملاءات والإغراءات الكثيرة، لذلك هو حلقة صغيرة في مؤسسات بيروقراطية تنخر فيها فيروسات الفساد والظلم فيعجز وهو المسؤول عن أمن الناس عن حماية الضعفاء ومحاسبة الظالمين والفاسدين رغم جوهره الطيب... دور مختلف أداه جبر بعفوية وبحساسة فنية كانت وراء إمساكه لتفاصيل الشخصية ومواصفاتها..
في مسلسل أسير الانتقام أضاف الفنان جبر دورا جديدا لأدواره الكثيرة في مسيرته الفنية المتشعبة، فهنا يلعب الفنان ناجي دور رجل أعمال مستهتر بأسرته (نسونجي) يضع أمواله كلها في خدمة غرائزه وملذاته وأنانيته، فدائما نراه يتقرب من سكرتيراته ويغدق عليهم العطايا، وبنفس الوقت يهمل بيته ويترك ابنه يتصرف كمراهق طائش ثري مغرم بالسيارات يتصرف في الشوارع كشبيح لا يحفل بالقانون أو بأي منظومة أخلاقية... سلوك رجل الأعمال الثري يؤدي لتفكك أسري كبير ينتج ابنا مستهترا يتسبب لقيامه بالتشفيط وملاحقة سيارة أخرى من خلال ألعاب بهلوانية بقتل الطفل (ابن الطبيب فراس إبراهيم) حيث تتعرض سيارته لحادث مؤلم..الحادث هذا يقلب حياة الطبيب ويجعله أسيرا فعلا لسلسلة من أفعال الانتقام ثأرا لمقتل طفله الوحيد فتتجه خطته لقتل الشاب الطائش ابن الثري (ناجي جبر) بعد أن صفى اثنين من أصدقائه اللذين كانا معه في السيارة أثناء تسببه بمقتل الطفل..
شخصية رجل الأعمال (جبر) لم تكن كما نعرفها كرصانة وهندام وكلام منمق وحضور قوي بل هو رجل فاسق يعطي الجنس أغلب وقته وفي شخصيته ملامح كوميدية وخاصة في علاقاته النسائية، فدائما يردد على المرأة الجميلة كلمة (وازنة) وهي مفردة سوقية الهدف من تكرارها الدلالة على شخصية محدثة النعمة لا تحمل قيم رجال الأعمال التقليدية ولا أخلاقهم...
في دوره هذا كان جبر خفيف الظل مقنعا كرجل هبطت عليه الثروة فزاوج بين أخلاق الحثالة والثروة.. هذا الزواج المنتج لرجال أعمال (نص كم) انتقلوا من فئة اجتماعية لأخرى بشكل مفاجئ نتيجة الفساد وغسيل الأموال...لكن الدور لم يكن مرسوما ومكتوبا بشكل عميق وغني رغم محاولة ناجي إضفاء أهمية عليه كشخصية رئيسية، حيث انصب جهد المؤلف والمخرج في المسلسل على إبراز شخصية الطبيب المنتقم (فراس إبراهيم) فبدت أغلب الشخصيات الأخرى داعمة لها وتدور في فلكها دراميا، لذلك رأيناها هشة مفككة لم تخضع لتدقيق ومراجعة إن كان في سلوكها أو حواراتها أو مسوغات تصرفاتها..وأداء ناجي جبر أنقذها كما أعتقد من السقوط وحافظ على بعض من أهميتها وتماسكها من خلال طرافته ومحاولة إعطائها بعضا من روحه..
ناجي جبر في أعماله الأخيرة قبل رحيله يقنعنا بأنه من الكبار ولو توقف لفترة ربما تكون بهدف التأمل والمراجعة وشحذ الهمم... لقد ترجل جبر وهو في قمة نضوجه الفني فترك مكانه في ساحة الدراما السورية شاغرا لعل فارساً آخر يأتي ويشغله ويضيف إليه.