2012/07/04
أنور محمد – تشرين دراما
المتعة, الفن, الفكر. هذا ماتسعى إلى تحقيقه جمعية مؤلفي الدراما العربية التي يرأسها الكاتب «محفوظ عبد الرحمن» في مؤتمرها
المفتوح منذ الثالث من شهر كانون الثاني 2011 بخصوص الوصول إلى هذه الغايات في عمليات الإنتاج الدرامي المقبلة للارتقاء بالدراما
التلفزيونية المصرية. وذلك حتى لا تكون استهلاكية غايتها فقط الربح ولو على حساب الكرامة- كرامة الفن. وحتى لا تكون متشابهة. وأيضاً
وهذه من عندنا- حتى لا تستغل همومنا وأحلامنا وتتاجر بها, وحتى لا تكون تركيبة أو خليطاً من سيناريوهات وحوارات هندية ومكسيكية وتركية.
فثمة صدمة وجودية ثقافية نعيشها كبشر من صراع الأفكار إلى صراع الأحلام التي نسعى إلى تحقيقها, وهي ما يحفِّزنا أو ما يحرِّك في
أعماقنا الظمأ إلى الحياة الكريمة التي لا أثر لها في أغلب الأعمال التلفزيونية, وكأننا منقطعون عن العالم أو كأننا نعيش في عزلة- معزولين.
وطبعاً نحن لا نكلف أو نطلب من الدراما السورية أن تقوم بمهمات رسولية؛ من مثل أن تطرح أسئلة وجودية ذات طابع فلسفي, أو تقوم
بحراسة الأراضي العربية من أي عملية غزوٍ أو سطوٍ عليها. لكن بالمقابل لا نريدها أن تشتغل فينا مثلما يشتغل الحلم, ونصير عندما نتفرَّج
عليها كمن ينام و يحلم و يحلم, وعندما يستيقظ لا يتذكَّر شيئاً- تتبخَّر أحلامه. لذا نحن بحاجة إلى تشكيل مثل هذه الجمعية للدراميين
السوريين, لكن لتشجِّع الإبداع وليس لتزرع أسلاكاً شائكة بدلَ الشَعَر على رؤوسنا- وهذا الطلب نوجِّهه إلى «المؤسَّسة العامة للإنتاج
الإذاعي والتلفزيوني «كشريكٍ وليس وصياً- لأنَّ كثيراً من المسلسلات تُعاملنا بصفتنا أناساً آليين وليس بشراً من لحم ودم وأحاسيس؛
فأغلبها متشابهة أو هي مستنسخة من بعضها وخاصة مسلسلات «البيئة الشامية» ومسلسلات «السيرة الذاتية والبدوية», لأنَّ معظم
المسلسلات يتمُّ ارتجالها من الكتابة إلى الإخراج إلى العرض على الشاشة. بالمناسبة - يجوز في المسرح أن نرتجل كلَّ هذه العمليات
خاصة في مسرح الكوميديا «ديلارتي» ذلك لأنَّه ارتجال مبدعين.
نريد أن تكون للدراما السورية إستراتيجيات يعمل بها كما في المسرح- نريدها أن تشتغل بـ (علم الدراما). فالأكاديميون أو خرِّيجو المعهد
المسرحي وفي المسلسلات تراهم يتحوَّلون إلى لعبة في يد المخرجين الذين أغلبهم من الهواة والمحترفين.أنا أسأل: أين الدراسة.. أين
النظري؟؟؟ .. أين جسدهم وأين موقفهم من جسدهم وهم يؤدُّون أدوارهم بتلك الطريقة التقليدية وكأنَّهم (ريبوتات) خوفاً من المنتج أو
المخرج؟.. أين علم الدراما؟؟؟. فهذه الكثرة في الإنتاج من 25 إلى 50 مسلسلاً في السنة هي كمن يستحلب من الماء حليباً, كثرة مليئة
بالفوضى اللامنهجية التي لا يمكن المراهنة على جديتها أو مصداقيتها, بسبب من أنها لا تنبع من»إبداع». بل كما ذكرنا تأتي من «ارتجال»,
وهذا ما يمنعها من تحقيق الفاعلية الإنسانية بينها وبين المشاهد, إذ لا قيمة فكرية ولا فنية ولا معرفية تحملها لأنَّها بالأساس مشغولة
بمعايير تجارية ليس لها علاقة بعلم الدراما.
لابدَّ من رقابة صارمة على السيناريو والحوار, فكلمة «صُنِعَ في سورية» يجب أن تحترم (سورية) ولا تسيء إليها, كما أساءَ سابقاً صُنَّاع
الأحذية والألبسة التي كانت تُصدَّر إلى دول أوروبا الشرقية وروسيا. لأنَّه سيُقال عنها دراما (سورية) وليس دراما أبو كابس أو أبو داعس,
وتمارس سلطاتها بما يرضي الضمير الأخلاقي ويحافظ على كرامة الفن والفكر الذي تحمله وتنشره. وبالمقابل نحن لا نريد لأيِّ منتجٍ أن
يخسر- لكنَّنا لا نريده أن يستغلَّنا لاسيما وأنَّنا صرنا كما يقول الذي يقول ننافس الدرامات العربية. نريدُ مواضيعَ؛ نريد أن تطرح الدراما السورية
قضايا ذات بعد ثقافي/جماهيري, وليس أن تتاجر بنا, تتاجر بآلامنا وأفراحنا كما يحصل في كثير من المسلسلات.
نريد جمعية للدراميين السوريين تُخرج (اللغة) إن كانت بالعامية أو الفصحى من مومياء المنظومات السوقية المُسِفَّة باستبدادها لجماليات
لغتنا العربية على حساب القباحة التي تروِّج لها, فلا تترك كلمةً؛ اسماً أو فعلاً يثير الغرائز ويحرِّض على الميوعة وعلى السفاهة بشكل
مباشر وسافر إلاَّ وتستخدمه في حواراتها ممَّا ينسف معنى القوَّة التربوية/القوَّة التثقيفية في الخطاب اللغوي الدرامي السوري. إذ إنَّه نادراً
مانرى في هذا الكم من الإنتاج الدرامي عملاً مشغولاً بتأمُّلٍ نقديٍ بصيرٍ يذهب إلى تحقيق: المتعة, الفن, الفكر.. الذي تدعوا إليه جمعية
المؤلفين المصرية في مؤتمرها المفتوح.. فلا نعرف نعقل ولا نعرف نجن ولا نعرف نطلق سراح عقلنا من سجن أحادية الحقيقة وسلطتها
وسطوتها في مصادرة وإلغاء الحوار /الإبداع