2012/07/04
ماهر منصور - البيان
يسود إجماع نقدي كبير على أن اللجوء إلى الأصول الأدبية هو كوة الخلاص من ضعف النصوص الدرامية عموماً، ومع تراجع عدد الروائيين العاملين في الكتابة الدرامية التلفزيونية يبدو أن من بين من تولى مهمة تعويض حضور الروائيين، واليوم تذخر الدراما السورية بالكتاب - الصحافيين، بل يعد عدد كبير منهم من أهم الكتاب الدراميين، وقد رفدوا الدراما السورية بأعمال درامية مهمة، ولكن ما مدى استفادة هؤلاء من عملهم الصحفي في صياغة مادتهم الدرامية لاحقاً.
نصوص أقرب إلى الناس:
يرى كاتب مسلسل «لعنة الطين» السيناريست سامر رضوان أن العمل الصحافي هو فن البحث عن التفاصيل وفن الارتطام بمشاكل وهموم الناس، ومن هذه الزاوية يعتبر الكاتب رضوان أن «القلم المشاغب يبحث عن المخبوء والخاص، وهاتان الصفتان هما أهم عوامل العمل الدرامي، فالصحافة توفر العين الراصدة لكل ما هو غير نمطي واعتيادي وتشكل في النهاية أرضية لذاكرة غنية نستطيع من خلالها بناء أنماط بشرية تمتلك حكايات غريبة تدهش كل من يتابعها إذا تحولت لمادة درامية. ويؤكد الكاتب رضوان أن الذين «عملوا في الصحافة هم الأكثر غنى وتنوعاً بين كتاب الدراما فإذا لم يكن الكاتب صحافياً بالمعنى الميداني فإنه حتماً سوف يستعير أدوات الصحافي ليدخل بالناس ويستمع لهمومهم، لأن هذه اللقاءات هي أولى درجات النجاح الدرامي»، ويشير رضوان إلى أنني «مررت بهذه المراحل عبر ارتطامي بمشاكل الناس من خلال الإذاعة كوني عملت في برامج لها صفة التواصل المباشر مع الناس كمذيع ومُعد ومن خلال بعض البرامج التلفزيونية».
الكاتب الإشكالي فؤاد حميرة، صاحب الحصرم الشامي، وغزلان في غابة الذئاب وممرات ضيقة عمل بداية مديراً لمكتب جريدة الدستور الأردنية بدمشق، لكنه، كما يقول، لم يستفد إطلاقاً من عمله في الصحافة في عمله ككاتب درامي، مشيراً إلى أنني «كنت أعمل في المسرح الجامعي والمسرح العُمالي واستفدت من عملي المسرحي في الدراما، وليس من عملي بالصحافة، خصوصاً أن الصحافة محدودة ومقيدة وتحكمها شروط قاسية، كما أنني كصحافي كنت مُختصاً بالقضايا السياسية..»، ولا يستبعد الكاتب حميرة أن يكون سواه قد استفاد من عمله في الصحافة المحلية والعمل الصحفي الميداني في عمله ككاتب دراما، إلا أن صاحب «شتاء ساخن» يرى أن «الموضوع الاهم هو ان يكون لدى الشخص قراءات واقتناعات مُعينة وان يكون مُهتماً بالمسرح وبالدراما وبالثقافة بشكل عام».
الكاتب والزميل إياد شربجي كاتب مسلسل «راكورات» وواحد من كتاب لوحات «بقعة ضوء» عمل في جريدة «الدومري» قبل أن يؤسس أول مجلة شبابية سورية «شبابلك» قال إن «المفيد في العمل الصحفي أنه يمنح صاحبه اطلاعا أوسع على حياة الناس، فالصحافة وسيلة مثلى لرصد المجتمع وأي كاتب درامي يكون بالأساس صحافياً يكون لديه اطلاع على هموم الناس»، ويجزم الكاتب شربجي أن «هناك الكثير من الكتاب المهمين الذين هم بالأصل صحافيون».
مشيراً إلى أن «الصحافي يُقدم مادة درامية قوية تكون أكثر قرباً من الناس، فالحقائق التي يعلم بها الصحافي هي أكثر من الحقائق والأشياء التي يعرفها الشخص العادي، وبالتالي هو يمتلك القدرة على إطلاق أحكام أكثر صحة ومصداقية».الكاتب والناقد علي سفر، وهو يشغل الآن منصب مدير البرامج في قناة «سورية دراما» دخل عالم الإعلام من زاوية الدراما والمسرح، كونه خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق- قسم النقد المسرحي، وقد عمل بالنقد الدرامي وسواه إلى أن «أُتيحت لي عدة فرص لكتابة المادة الدرامية وكنت متروياً جداً بشأن هذا الموضوع، كوني ناقداً بالأساس ويجب أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار وجاء موضوع الاقتراب من الدراما بناءً على الحاجة من تقديم وكشف أمور عديدة لم يقدموها الآخرين، وعملي كان يتعاطى مع القضايا الاجتماعية، وأجزم أن الإعلام والدراما لهما دور في عملية التنمية بالمجتمع».
ويؤكد الكاتب سفر صاحب فيلم «صبحية بحرية»: «أنا أعمل في الإذاعة والتلفزيون ولكن توجد أشياء في الحياة لا يمكن التعبير عنها إلا عن طريق العمل الدرامي، فأنا كتبت هذا العام فيلماً تلفزيونياً وأشرفت على مسلسل كوميدي درامي، وأيضاً هناك مشروع لمسلسل درامي فالموضوع بالنسبة لي هو خطاب يريد أن يقولهُ صاحبهُ، سواء عن طريق موقعه الإعلامي أو عن طريق آخر».
بين الصحافة والدراما
ولكن ما الذي استطاع الصحافيون-كتاب الدراما تحقيقه في عملهم ككاتب للدراما ولم يستطيعوا تحقيقه كإعلاميين، وبالمقابل ما الذي توفر لهم كصحافيين لم تحققه لهم الدراما..؟
يقول الكاتب سامر رضوان إن «ما حققته في الدراما لم أستطع تحقيقه بالعمل الإعلامي لأسباب عديدة، فالدراما هي المؤثر الرئيسي على صعيد المتابعة الجماهيرية اليوم، فما تريد إيصاله من أفكار لا تستطيع الإذاعة ولا البرامج التلفزيونية إيصالها، أما ما نجحت به إعلامياً ولم استطع توفيره درامياً هذا ما لم أحققه أبداً على العكس فأنا أُدين بالكثير للدراما ولم اعد اهتم بالعمل الإعلامي، إلا إذا ظهرت قناة تلفزيونية لها مواصفات جيدة».
وبرأي الكاتب إياد شربجي فـ«الدراما أكثر حرية وانفتاحاً ووصولاً للناس، لأنها تدخل البيوت، كما أن لديها سعة من الزمن والوقت ففي الدراما 30 حلقة يستطيع الكاتب من خلالها معالجة الفكرة التي يريد بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة، ولديه قُدرة اكبر للتعبير، أما في الإعلام فأكبر ملف نعالجه لا يتجاوز العشر صفحات وهذا لا يكفي».ويتفق الكاتب فؤاد حميرة مع الكاتب شربجي، فيرى حميرة أنه «يوجد في الدراما هامش أوسع لنقول ما نريد فدائماً العمل الصحفي عمل مُكثف، فالفكرة التي يريد الصحافي قولها سيقولها بشكل موسع ومُكثف وبالتالي هذا الموضوع مُقلق.
أما في الدراما نستطيع تمرير هذه الفكرة بشكل سهل وسلس، أي أن الكاتب يكون لديه مجال ليكون سياسي لبق في طرح فكرته أكثر من أن يكتبها في تحقيق أو مقال صحفي»، ويؤكد فؤاد حميرة أن «الدراما تعطيك فرصة اكبر لتصل لشرائح أوسع من المجتمع، فنحن لدينا مشكلة الأمية كبيرة في المجتمعات العربية، تصل إلى حوالي الـ60% من الأشخاص الأُميين، وعن طريق التلفاز نستطيع الوصول لهؤلاء الأشخاص».
الكاتب علي سفر أكد أن «الإعلام يُعطيك قراءات مُتعددة المستويات للمجتمع أي أنا من خلاله استطيع أن أُكون قريبا من المجتمع بكل تفاصيله الإجرامية والاقتصادية والاجتماعية، بينما في الدراما نستطيع مسك خط واحد من الخطوط التي ذكرناها سابقاً لنتحدث عنه بالتفصيل من خلال نسج حكاية، ولكن بالمحصلة العملية مُتكاملة فعندما ترى أنه هُناك شيئاً في العمل الدرامي لا تستطيع تحقيقه في الدراما تتجه للعمل الإبداعي الإعلامي لتحقيق ما تُريد».
الصحافة كلما استطعنا إليها سبيلا:
ميزات الكتابة الدرامية المادية والمعنوية على ما يبدو لم تكن كافية ليفكر أي من الكتاب الدراميين بـ«طلاق» الصحافة وهجر العمل فيها ما دام متاحا لهم ذلك، فيؤكد الكاتب سامر رضوان أن «كلمة الطلاق بين الصحافي ومهنته أمر غير وارد إلا من الناحية الانفعالية، فالصحافة ليست قرار إنما هي نمط سلوكي»، وبالمثل يؤكد الكاتب فؤاد حميرة «أنا لا أُطلق الإعلام ولكن أُريد فرصة لكي أنشر ما كتبت..»، ويذهب الكاتب إياد شربجي، للقول بأن «الإعلام فيه ميزة حقيقية هي أن الصحافي لديه صفة اعتبارية ليكون اقرب من المجتمع ومن أصحاب القرار وله المبرر دائماً لدخول أي باب في أي لحظة، وهو مهما حاول الابتعاد عن الإعلام لا يستطيع إلا أن يعود له».
أما الكاتب علي سفر الذي ما زال على رأس عمله فقال بأن «علاقتي لا تنقطع بالإعلام فأنا ما زلت أمارس المهنة وأرى أن الخطين يمشيان سويا بنفس الاتجاه، فالدراما والإعلام لا يُمكن فصلهما عن بعض».