2012/07/04
داكونة بوسطة
الباب جديد، بس الإسم قديم كتير.. ما بعرف إذا حدا منكن عاش بالشام القديمة وبالذات بالبيوت القديمة تبعها.. "الداكونة" كانت موجودة بكل البيوت.. بظن هيك.. وببيتنا بالذات كان في داكونة.. وهنيك كنا نحط كل شي ما منستخدمه كتير، بصراحة ما كنا نستخدمه أبدا.. بس المصيبة كانت إنه حتى الشغلات اللي ما عاد حدا يستخدمها ما كان في حدا عنده "الشجاعة" الكافية ليرميها بره البيت.. مشان هيك لاقوا الداكونة وحشوها غراض ليوم الغراض.. ويا ولينا لما أمي تقرر إنه صار وقت تعزيل الداكونة.. غير الغبرة والعت والبلاوي الزرقا اللي ممكن نلاقيها جوه ونحنا عم نغوص بين الكراسي المكسرة ورجلين الطاولات اللي ما كنا نوعى إيمتا كانت عنا بالبيت وكيف استخدموها.. وغير الصوبيات المكسرة والبواري اللي بينبع الشحوار منها.. غير كل هادا.. الداكونة كانت خنقة وما فيها شي ليدخل منه الهوا إلا الباب اللي كان ينفتح كل كم سنة مرة..
المهم.. قررنا ببوسطة إنه يكون عنا "داكونتنا" الخاصة فينا.. بس هل المرة مو لنرمي فيها غراض ننساها.. ومو لنخلي بابها مسكر دائما.. داكونة بوسطة مفتوحة للكل.. ليش؟!!.. هي بدها منجم أعمى ليفسرها.. بكفي وإنتو عم تدوروا بين الكراكيب اللي راح تلاقوها جوا الداكونة.. يمكن.. والله أعلم.. تلاقوا السبب اللي خلا أهلنا يحتفظوا بكل هل الكراكيب وما يرموها أبدا...
من ناحيتنا ببوسطة نحنا متأكدين إنكن راح تلاقوا شي.. وراح نلاقيه معكن كمان.. مشان هيك منقول إنه اللي عنده شي مانه حابب يرميه.. يتفضل ويحطه عنا بالداكونة..
ولنشجعكن راح نبتدي بأوراق لاقيناها ونحنا عم ندور.. "الأعمال الكاملة لواحد ناقص" راح تنشر على فصول كل يوم خميس.. ولما تنتهي الفصول منتمنى إنه ينضاف إلها شي جديد من حدا تاني.. نحنا عم ننتظر..
شكري الريان
الأعمال الكاملة لواحد ناقص
المجلد الأول "المكتب العقاري"
الفصل الأول (وكر جواسيس)..
بدكن الصراحة.. أحيانا بحس هل الأبو سعيد رح ينجلط مني.. مو أحيانا.. دائما.. وكل مرة بقول لحالي هلق بتجيه الجلطة وبخلص.. النتيجة بتكون أنه بقوم متل القرد وبيقعد بخلقتي.. وكنت قول لحالي، قبل البلاوي اللي صارت معنا بعدين، يعني شو فيها لو مات.. كنت راح استلم المحل لحالي ولا حدا يتدخل بشغلي.. طبعا هادا قبل ما يخبص أبو سعيد خبصاته كلها.. وكل اللي بطلعه من أرباح رح أعطي حصة منه لأم سعيد ولبناته.. وبالذات أم سعيد.. تقبر قلبي.. بس اللي صار أنه أبو سعيد انجلط كذا مرة ومع ذلك ما فلسع[1] وبقي قاعد بخلقتي وبقيت متل العادة شقفة شقيع عم يحلم يصير معلم[2].. لك حتى أم سعيد، تقبر قلبي دائما وأبدا، ما وفرتها.. طبعا لما كنت أحلم وبس...
وأم سعيد بالذات حكاية لحالها وبدها وقت طويل لتنحكى.. مع أني كنت بالأول معلق على بنتها بسمة، قبل ما أكتشف أنو الدسم كله عند الأم.. بكل الأحوال تقبر قلبي هي وأمها.. بس بسمة شايفة حالها، وناشفة.. صحيح شقفة بتشل.. بس كمان مهندسة.. وأنا يا دوب معي إعدادي.. وقلت لحالي وشو فيها يعني.. الرجّال بعروقه مو بخروقه.. بس شو بدنا نعمل بجيل هل اليومين.. مرة لحقتها عل شغلها بحجة إني بدي طلع ترخيص لعقار.. وكل اللي عملته الست بسمة أنو نادت كل رفقاتها بالشغل وقالت لهن "شوفوا هل الأهبل اللي بيشتغل عند بابا.. جاي على وزارة الثقافة ليطلع ترخيص بناء".. إيه والله وركبت مع أبو سعيد وصار للخـ.. مرا وصار يحلف عليها بالطلاق.. وصار عنده شغل وصار الناس يشتغلوا عنده.. الله يرحم أيام ما كان يشحد من عند فلان وعلان ليكمل الشهر...
أبو سعيد متلي معه إعدادي.. وتعين من كذا سنة أمين مستودع بشركة من شركات القطاع العام.. وهبر وهبر ليوم الهبر.. بعدين كشفوه.. أو حسوا فيه.. أو معلمه طار.. المهم حولوه على التحقيق وما ثبت عليه شي.. ولأنهن كانوا متأكدين أنه عملها ونفذ، قرروا يشغلوه شغلة تانية بنفس المصلحة.. حطوه مراقب دوام بمرآب السيارات تبع المصلحة.. ومتل العادة العلقة مع إبليس أرحم من العلقة مع الشوفيرية.. والنتيجة أبو سعيد من كتر ما هو تيس وراسه يابس صمد له سنة زمان بشغلته الجديدة.. لغاية ما أجته أول جلطة..
قعد بالبيت كم شهر راحة.. وفكر بطريقة يطلع فيها من المصلحة ويشتغل باللي مخبيهن تحت البلاطة بدون ما يلفت انتباه حدا.. مشان هيك طلعت معه فكرة مكتب "الأمانة" العقاري.. وفتح المكتب وسلمني إياه.. هو ما كان بده يعمل هيك.. بس ما كان قدامه حدا تاني غير ابن اخته فتحي الدب.. وفتحي دب قبل ما يسموه.. ومشان هيك خلاه بالمكتب يشتغل أي شي.. وأحسن شي عمله فتحي بحياته كان أنه لما علّق معه غلق باب المحل البلور من بره وما فتح، كسره وفات خايف أنه يكون خاله إجته جلطة جديدة.. لأنه شاف موبايل خاله على الطاولة من ورا البلور.. وبما أنه خاله ما بيتحرك بدون موبايل فمعناتها انه خاله جوات المحل.. ولما دق الباب كتير وما فتح خاله.. فكر فتحي أنه خاله الله العليم أجته جلطة تانية.. فكسر الباب وطلع على النصية اللي فوق المحل ليلاقي خاله مع زبونة كانت تلفي على المحل كتير.. التنين كانوا بالزلط، يعني بدون أواعي[3].. فقام خاله انجلط عن جد.. وكانت الجلطة التانية..
الحادثة صارت وقت كنت أنا مستلم المحل وأبو سعيد (قال يعني) عم يشتغل عندي بعد الظهر، مشان يستر على حاله قدام المصلحة اللي كانوا متأكدين أنه أبو سعيد عملها ونفذ.. بس العملة الأخيرة ما نفذ منها إلا بطلوع الروح.. من جهة كان بالمستشفى عم يتعالج.. ومن جهة تانية كانت أم سعيد بدها تنشر عرضه وبالذات قدام المصلحة.. وما كان في غيري يلاقيله حل بهل الورطة.. وإذا بدكن الصراحة أنا ما فهمت ليش هل الحمار عمل هل العملة.. يعني لو بتشوفوا الزبونة اللي كان معها، وبتشوفوا أم سعيد.... أخ، شغلة بتدوخ، لحم ودفا ونظافة الله وكيلكن.. يعني لولا أنه أبو سعيد كان بالمستشفى، وكنت خايف أنه يصير له شي واطلع بلوشي من المولد بلا حمّص.. قصدي من المكتب.. ولسه يا دوب مبلشين.. وأم سعيد كانت جانّة من المكتب وبدها تسكره بأي طريقة.. يعني لولا هيك، كنت قلتلها طلقيه وأنا جاهز.. بس شو بدك تحكي مع واحدة طق عقلها لما عرفت أنو المتعوس جوزها اللي ما بيقدر يتحرك من هون لهون بدون ما يكون كيس الدواء المعبا تحت باطه.. قاعد عم ينط على... قردة...
كان لازم أعمل شي مو مشان أبو سعيد الحمار.. مشاني أنا.. ومشان هيك قلت لأم سعيد الحل الوحيد أنه تخلي أبو سعيد يكتب لك نص المكتب.. هي هديت شوي.. مع أنه لما كانت معصبة كانت بتجنن.. بس لما هديت صارت بتجنن أكتر.. كانت المرة الأولى اللي بشوفها بأواعي[4] البيت.. يعني بدون هل البانطو اللي نافخها ومخليها متل بيتنجانة بيضات العجل.. كانت لابسة غلابية عادية وكانت حاطه على راسها إيشارب وما كتير مهتمة تغطي رقبتها كلها.. اللحم اللي كان مبين من تحت الإيشارب لعند أول الغلابية من فوق كان.. أخ.. شغلة تانية.. لحم حقيقي لأول مرة بشوفه..
لما هديِت، فكّرْت أنو ظبطت معي.. وأم سعيد قالت راح تفكر باللي حكيته وقامت لتقلي مع السلامة.. وعلى الباب تذكرت أنه لعمه لك حتى فنجان قهوة ما شربتني.. على الأقل كانت بتطخي شوي وهي عم تقدملي الفنجان.. بركي شفنا شوي من تحت حفة الغلابية من فوق..
وما مر يومين ولسه أبو سعيد ملحوش متل الكلب لحاله بالمستشفى، اتصلت أم سعيد وقالت بدها تشوفني.. وركدت متل الطير لعندها.. للاقي خازوق غير شكل.. هاني ابن اختها قاعد بالصالون وعم يدخن مارلبورو ولابس كل الدهب اللي طلع معه.. وعم يتطلع فيّ من فوق لتحت بدون ما يحكي كلمه.. شفته قبل هل المرة.. مر عل المحل ليشوف جوز خالته[5] بشغلة، ومن وقتها ما حبيته.. بس اللي ما حسبته أنه هاني رح يلزق بخلقتي ليل نهار بالمكتب ليراقب جوز خالته وليحسب حصة خالته من الغلة.. مصيبة.. ما بكفيني أبو سعيد، وكمان جاسوس أم سعيد..
طلع أبو سعيد من المستشفى وترك الوظيفة نهائي وقعد بخلقتي متل القرد.. وصدقوني لو كان طالع بإيده يقلعني ما كان قصر.. بس هو حسب حساب أكتر من شغلة.. الأولى أنو ما بيقدر دغري يقلعني وهو (قدام المصلحة) عم يشتغل عندي.. والتانية أنو الشغل كله كان بإيدي ولو بده يقلعني الشغل راح يوقف.. وكمان كان لازم يلاقيله حدا يوقف بوش الحية هاني.. اللي ما بهش وما بنش.. وبضل طول النهار يدخن مارلبورو ويتطلع بالكل من فوق لتحت..
ومن هون لقيت حالي قاعد بالنص بين تلات لعنات.. أبو سعيد جلطة.. وهاني مارلبورو.. وفتحي الدب.. وكان لازم لاقي حل، وفكرت أنو أحسن طريقة لنخلص من أول مصيبة هي أنو اتفق مع أبو سعيد لنطق هاني برغي[6] ونخلص منه.. وفكرت دبر لي شي شقفة حشيش حطها لهاني بباكيت المارلبورو وبلغ الشرطة.. قال يعني أنا "فتك"[7].. وضحكت على حالي، متل اللي قالوا له وين إدنك.. قام لف إيده من ورا راسه.. يعني منخلص من ورطة منوقع بأكبر منها.. أبو سعيد قال أنه في طريق أقصر، وهو فتحي الدب.. وأنا كان حاسسني قلبي أنو ما راح تظبط.. بس شو بدي أعمل بأبو سعيد اللي قعد ينق وراح يجبلي الجلطة.. وكانت الفكرة أني راح وصل لفتحي أنه هاني حاطط عينه على نجوى.. بنت أبو سعيد الصغيرة.. هي بالصف الحادي عشر وفتحي قال قاعد عم ينتظرها لتخلص جامعة مشان يتجوزها.. الولد ما بيعرف يكتب أسمه وقاعد عم ينتظر حبيبته لتخلص جامعة.. المهم.. نقلت لفتحي الخبرية.. فتحي متل العادة.. متل الدب هجم على خاله وسأله.. الخال اتطلع جهتي وصرخ بوجهي وقال تضرب إنت واللي بأمنك على سر.. قام الدب دق بخوانيقي.. وبألف زور خلصت حالي وقلت له تضرب إنت واللي بفكر بمصلحتك وهاني هو غريمك.. وطبعا ما بدها كتير تفكير..
بنفس اليوم بعد ساعتين كان أبو سعيد بالمخفر عم يحاول يخلص ابن أخته.. وكانت أم سعيد بالمستشفى عم تطمن على ابن اختها اللي كان على وشك يلفظ أنفاسه الأخيرة.. ويا ليته فعل.. بس شو بدكن تحكوا عن الحظ.. وأنا كنت متخبي لأنو أم سعيد حلفت يمين بالعظيم بدها تقصف عمري لو شافتني بعد هلق.. يعني الشغلة انطبشت[8] براسي.. وبراس أبو سعيد اللي صار لازم يكتب زيادة ربع المكتب باسم أم سعيد ليقدر يرجعني على المكتب.. ويقدر يرجع على البيت.. وهيك طلعنا من المولد بربع مكتب.. وصار هاني يدخن مارلبورو ويتطلع بالكل من فوق لتحت وهو قاعد ورا طاولة المعلم وأنا وأبو سعيد قاعدين على جنب.. وفتحي الدب مو فارقه معه لأنه نجوى بعد ما عرفت باللي صار رمت شنتاية[9] الكتب وحملت خاتم الخطبة.. وصار فتحي الدب جاسوس تاني لحماته.. وعلقت يا خال بوكر جواسيس الله وحده بيعرف شو راح يصير فيه.. وكيف راح إخلص.. هادا إذا خلصت...
[1] يعني اتكل وخلصنا..
[2] المرحومة أمي كانت كل ما تشوفني تتذكر مثل بقول "طيزه بالعرا وبيشتهي البخور"... فسروها لحالكن..
[3] المقصود بها ملابس.. بس اللهجة الشامية فيها شغلات غريبة عجيبة.. لا تواخذونا.. وبدكن تتحملونا لآخر الفصول....
[4] يعني بتصور فهمتو شو معنى "أواعي".. مع إني كنت بحلم شوفها بدون هلـ... الأواعي...
[5] المقصود الجحش أبوسعيد جلطة...
[6] "يطقه برغي" مصطلح شامي بعقد القرود متل العادة.. المقصود باللهجة المصرية "يديله بمبه" يعني يفرقعه.. يعني يخلص منه..
[7] مصطلح مصري هل المرة من باب التغيير.. والمقصود به.. ولد فلتة ما حدا قده.. بدكن ما تواخذونا بس المصري هي اللغة "الأجنبية" الوحيدة اللي بعرفها.. وطالما الكل عم "يعوج" لسانه هل اليومين، فما حدا أحسن من حدا...
[8] بتعرفوا معنى "انطبشت" أكيد.. وما في داعي للتفسير.. لأنه تعبت عن جد..
[9] المقصود بالفصحى "حقيبة"... هي ظبطت معي أخيرا..