2012/07/04
أحمد الخليل - تشرين
لعروض الفنان هشام كفارنة المسرحية خصوصية تعود لحساسيته الشعرية واهتمامه باللغة وتورياتها وتشابيهها وإيحاءاتها.
فهو كشاعر يوشي عروضه دائماً بالشعر وبالصور الشعرية فالحوار الذي يعده اعتماداً على نصوص عالمية أو على نصوص محلية متخم بمفردات شاعرية وموضوعة في سياق أدبي يراه البعض خانقاً للدراما في المسرح ويعتبره آخرون ميزة وخصوصية في مسرحياته (شوباش – بيت الدمية- الموت والعذراء- بيت العيد...).
فكفارنة المسكون بلغة المسرح الاغريقي والمسرح الملحمي عموماً لا يحفل باللغة العادية اليومية الجافة للبشر، بل يعبئ لغته المسرحية ويشحنها بحس إنساني وتعبيري عالي النبض، وبالوقت نفسه يضمنه الآلام والأفراح والعذابات التي يعانيها البشر في إطار تاريخي محدد.. وغالباً ما يزج مخرجنا بمخزونه الثقافي في نصوصه ويحمل شخصياته مسؤولية نقلها إلى الجمهور عبر ممثليه الذين هم حسب رؤية الكفارنة الحاملون الأساسيون لأفكار ومقولات العرض بينما لا تعدو العناصر الأخرى من ديكور وإضاءة وموسيقا وإكسسوارات إلا أدوات يستخدمها الممثل كوسائل إيضاح في عمله الفني ليكون تجسيد الممثل للشخصية في منتهى الجودة والاتقان، لذلك يقتصد هشام في عروضه بالديكور ويبتعد عن التزويقات والزركشات الشكلانية التي يستخدمها بعض المخرجين كنوع من الاستعراض الفارغ من أي دلالة فنية أو فكرية...
المخرج الدرامي
فالمزج بين نزعة التجريب والتقليدية هو ميزة يحاول كفارنة تكريسها كهوية لعروضه، فالشخصيات لها فكرها وتركيبتها النفسية والجسدية وسياق لتحولاتها أي ليست منقطعة الجذور تهيم في الفضاء المسرحي بشكل عشوائي متعرج المسارات لا يربطها بالأرض إلا خيوط واهية...
في (بيت بلا شرفات) – العرض الذي انتهى عرضه قبل أيام في مسرح الحمراء وقدم ضمن فعاليات مهرجان حماة المسرحي وفي مهرجان دمشق الخامس عشر للفنون المسرحية- ثمة استمرارية مع تطوير لأسلوبية كفارنة في العمل المسرحي ان كان في نزعته التجريبية أو في استخدام الشاعرية أو في الفضاء المسرحي الحر الذي يتيح للممثل حرية حركة وتجل لروحه بحسب الشخصية التي يجسدها..
(بيت بلا شرفات) بوح مؤلم لمجموعة نساء يعشن بلا رجال يعبرن عن آلامهن وأعبائهن حيث تتحول قضايا الأسرة والمجتمع إلى مسؤولية الأنثى حيث تنتقل السلطة الذكورية باتجاه الأم التي تتحول إلى راعية لمجموعة نسوة فتمارس عليهن نوعاً من السلطة حيث تكرس المحظورات وتتعامل معهن بقسوة أشد وطأة من قسوة الرجل فهي تجسد المفهوم النفسي (التماهي في المتسلط) أي تتقمص مفاهيم الذكورة لتكون طاغية مثله، وبالتالي في ظل هذا البيت المغلق (بيت بلا شرفات) يتحول المكان إلى سجن للجسد والروح ما يؤدي إلى انفجار أحلام سكانه من النساء، فكل منهن تحلم بالمفتقد (الرجل الغائب) هو حلم مشترك لكل النساء في البيت، لذلك يتواطأن على ذواتهن فيقمن بقتل هذا الحلم ثم يضعن قصيدة رثاء له متمنيات أن يتسع قلبه للمغفرة، وأن يكون نافذة خلاص من هذه العذابات لتتحول جراحه إلى ورود يتبادلها العشاق ويحفظوها في دفاتر أيامهم ويزرعوها على شرفات الروح في هذا البيت المنعزل حيث لا شرفات يتسرب منها الضوء ولانسمات حرية تدخل منها لتزيل عتمة الروح وتنعش الأنوثة المأسورة في إهاب أجساد مقفلة بقيود العادات والتقاليد والعفة الكاذبة التي تحيل المرأة شيئاً من لوازم الرجل له مطلق الحرية بفعل ما يشاء بها...
مسرح الفضاء الفارغ
في (بيت بلا شرفات) هناك اعتماد على مسرح الفضاء الفارغ حيث يستطيع الممثلون بمساعدة أدوات بسيطة وإكسسوارات وملابس وديكور فقير خلق فضاء للعين وللموضوع يستقبله المشاهد كلوحات تعبيرية غنية واضحة الدلالة والمعنى، في العرض نزعة تجريبية باتجاه المنهج التعبيري، دون إغفال قوة الواقع وسطوته كل ذلك ضمن رؤية المخرج لخصوصية فن المسرح حيث الممثل هو الحامل الأساس الذي يمد جسوراً غير مرئية مع جمهور أمامه في حالة تفاعل حي ومباشر...
في العرض هناك ربط محكم بين المشاهد المتتالية وبين أفكاره وخطه العام، فكل المعاناة والآلام والأمل الذي نراه في كل لوحة من لوحات العرض موصولة بوضع الأنثى عامة ومفاهيم الحرية والأنوثة والجمال والقسوة عبر استخدام متقن لتنويعات الإضاءة بين سطوع وخفوت وألوان كابية ومتفائلة أحياناً، فالمفردات التقنية من إضاءة وموسيقا ومؤثرات وديكور شكلت في العرض وحدة عضوية مشحونة بطاقة تعبيرية جسدها الممثلون بحس تصاعدي أعطت لدواخل الشخصيات إمكانية البروز من خلال تعابير وجه وحركة الممثلين وردات فعلهم..
بيت بلا شرفات دعوة لتجاوز الآلام وبناء شرفة للأمل والحلم والحرية، هذه الدعوة يكثفها هشام كفارنة في تحية شاعرية يهديها إلى شاعر اسبانيا فردريكو غارسيا لوركا (ستصير جراحك ورداً يتبادله العشاق، ويحفظونه في دفاتر أيامهم ويزرعونه على شرفات أرواحهم، إن كانت بيوتهم بلا شرفات...).
بيت بلا شرفات نص وإخراج هشام كفارنة – إنتاج مديرية المسارح والموسيقا 2010 تمثيل: جيانا عيد – أمانة الوالي- إيمان عودة – رنا ريشة- سوسن أبو الخير....
ألحان وغناء: عفاف حديفة، نضال الحمادي، خلود عيسى، ريم محمد، نورهان قصبالي. التأليف الموسيقي: إيهاب المرادني، التوزيع الموسيقي: فيكين جيفايان، تصميم الإضاءة: نصر سفر، تصميم رقصات: جمال تركماني، مساعد مخرج نضال حمادي، ديكور: زهير العربي، أزياء: سهى حيدر، مكياج: هناء برماوي.