2012/07/04
القاهرة: من مندوبنا الفني
بكى فريد الأطرش بشدة وبحرقة.. وطلب مندوبنا الفني الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. وقال له: أرجوك الحقني.. أما متدايق ارجوك.. ورمى السماعة.. وبالحال ذهب إليه مندوبنا ليسمع حديثاً تنفرد به الدنيا عن سائر المجلات..
قال فريد مبتدئاً حديثه.. إيه ده يا أخي.. إيه الظلم ده.. إيه المؤامرات ديه.. أنا فنان من عشرين سنة.. مايصحش أوقع تحت سيل من المؤامرات..
- طيب قلي إيه الحكاية يا فريد.
- عبد الوهاب يا أخي والسي عبد الحليم..
- مالهم..؟
- نازلين مؤامرات في.. وتشنيع لغاية ما عقدوني
- عيب يا فريد أنت فنان كبير
- كبير صغير.. أنا إنسان يا أخي.. إنسان لي شعوري وكرامتي.. أنا عملت معاهم إيه..
- طيب أقدر أعرف إيه الحكاية.
- أقولك يا سيدي.. أنت عارف طبعاً لما كنت عندي من أربع شهور.. وكنت بسمعك اللحن اللي بعمله لعبد الحليم..
- أيوه ماله..
- عبد الوهاب يا سيدي (الفنان الكبير).. ما استلطفشي الحكاية ديه.. وراح تشنيع علي.. وخلى عبد الحليم يغير رأيه ويتناسى اللحن وأنا ما سألتش.. واليوم حصل بأن كمال الشناوي أعطى قصيدة لي وقصيدة لعبد الوهاب.. لا تكذبي له هو.. ويوم بلا غد.. لي أنا.
ووضع فريد يده على جبينه وراح يتنهد بحرقة وألم.. ثم قال ما معناه أن عبد الوهاب وعبد الحليم.. وضعا خطة دنيئة استطاعا بها أن يؤثرا على انتشار يوم بلا غد.. وهذه المؤامرة هي اتفاق عبد الوهاب وعبد الحليم بصفتيهما صاحبي شركة صوت الفن للأسطوانات التي أسساها منذ شهور.. ويوزعانها في كل مكان كهدية.. ولم يقفا عند هذا الحد.. بل أخذ عبد الوهاب بما له من تأثير على أصحابه أن يكلم المسؤولين في الإذاعة والصحف ليشيدوا بعظمة لا تكذبي.. ويضعوا من قيمة يوم بلا غد.. في حين أن إحسان عبد القدوس.. وموسى صبري وكامل الشناوي.. وناصر النشاشيبي وكافة الأصدقاء كانوا قد كتبوا عنها بأنها أغنية العشر سنين القادمة.. ولكن إذاعة لا تكذبي كل يوم.. والمؤامرات التي قام بها عبد الوهاب.. ونجاة.. وعبد الحليم.. أثرت على ذوق الشعب وجعلته ينطلق بأغنية لا تكذبي..
وعندما سألته لماذا لا تقوم أنت نفسك بما قام به عبد الوهاب قال ما معناه أنه لا يتمكن من ذلك.. لأن هذه الأعمال لا يسمح لفنان أن يقوم بها وقال إنه يتحدى عبد الوهاب بقصيدته.. على أن تسمعها لجنة فنية كبيرة وتقرر مدى عظمتها..
- لكن يا فريد أنت لك شعبية كبيرة جداً جداً.. فهذا سلاح لك عظيم..
- إنني لا أنكر ذلك.. ولكنني أكلمك عن النبع الذي تصدر منه الشهرة.. إنه الإذاعة.. وعبد الوهاب.. وعبد الحليم..
- وهل الإذاعة وقفت ضدك يوماً؟
- أيام كثيرة يا أستاذ.. لقد مر علي في خلال عشرين عاماً أشياء لا يمكن أن يصدقها إنسان فاترك جروحي لا تفتحها..
- إنني لم أفهم بعد ماذا تريد أن تقول..
- أقول يا سيدي أن عبد الحليم وقف من جهة وعبد الوهاب وقف من جهة ثانية وبدأ الاثنان بمكالمة أصحابهما في الإذاعة والصحف.. وهنا أصبحت الإذاعة (إكراماً) لعبد الوهاب وعبد الحليم تذيع لا تكذبي كل نصف ساعة.. بينما قصيدتي لا تذاع إلا ثلاث مرات في الأسبوع..
- وناوي تعمل إيه؟!
- ناوي.. كل خير طبعاً لأنني لم أعتاد على مثل هذه السخافات.. يكفي.. بأن جميع المسؤولين.. يؤكدون.. بأن واردي السنوي يزيد على وارد عبد الوهاب من لجان حقوق التأليف العالمية.. بحوالي ثلاثماية جنيه..
- وهل هذا يعوض لك هذا البكاء يا فريد؟
- إنني أبكي لأنني إنسان أحس.. وأكرم الناس وهم لا يكرمونني وأخاف على شعورهم وهم لا يخافون على شعوري.. إنني أبكي لأنني وهبت حياتي لفني.. ولم يهب أحد لي حباً صادقاً على الأقل..
رد عبد الوهاب وعبد الحليم..
اتصل مندوبنا بعبد الوهاب وعبد الحليم وأخذ رأيهما في هذه المسألة فقالا:
محمد عبد الوهاب:
فريد أخي وحبيبي وأنا أقدره تقديري للفن العربي الأصيل.. ولكن عدم نجاح قصيدة يوم بلا غد.. يعود إلى أن فريد قد وضع كل إمكانياته الفنية ليشهر نفسه أكثر من القصيدة ذاتها!!
عبد الحليم حافظ:
قطبان في الشرق أقدرهما.. عبد الوهاب وفريد الأطرش.. وفريد سامحه الله لما بتضايق من حاجة بيربطها مع حاجات كثيرة سر نجاح لا تكذبي بسيط جداً: هل عندما يغني الغنوة الواحدة ثلاث مطربين زي لما يغنيها مطرب واحد؟!
الدنيا الجديدة/ تشرين أول 1962