2012/07/04
عهـد صبيحـة
يتميّز مسلسل "سقوط الخلافة"، الذي يُعرَض هذه الفترة على شاشة قناة سورية الأولى، بأنه قدّم صورة جديدة تماماً ومختلفة عن الصورة النمطية للآخر/المستعمر، وهو هنا التركيّ، وبغضّ النظر عن اختلافنا حول صحة المفردتين (الوجود) أو (الاستعمار) العثماني فإننا ما فتئنا نصوّر التركيَّ، في أعمالنا الدرامية، بصورة مشابهة لصورة الفرنسيّ أو صورة الانكليزيّ، المستعمرَين الأشهر لبلادنا العربية، ومشابهة أيضاً لصورة الرومانيّ أو الفارسي في مسلسلاتنا التاريخية التي تحكي حكايات حقبٍ زمنية أقدم.
يوجِّه المسلسل، ولأول مرة، ضربةً للوعي العربي تجاه قضاياه، ويفرض على المتلقي وجهة نظر أخرى مغايرة تماماً لثقافتنا المصرّة دائماً على تجميل تاريخنا وإظهار تاريخ الآخر بأبشع المظاهر! فالسلطان العثماني عبد الحميد، رأس هرم الإمبراطورية العجوز في آخر أيامها، يحاول لمَّ شتات الدولة والوقوف في وجه المؤامرات الداخلية والخارجية وأهمها تلك المتعلقة بمخطط تهجير اليهود إلى فلسطين، وبذلك استطاع المسلسل، الذي قال أصحابه إنه استند إلى وثائق تاريخية جديدة، أن يقدم شهادة براءة للسلطان العثماني من تهمة تقسيم العالم الإسلامي عقبَ سقوط الخلافة العثمانية.
ولأول مرة نشاهد -في هذا الآخر/المستعمر- إنساناً مثلنا من لحم ودم، يحبّ ويكره، ويفرح ويحزن، وله عقل مفكر يخطط، طيب وشرير، متميز بثقافة وتاريخ ويمتلك إدراكاً للأمور، لأول مرة نشاهد أُمّاً لذلك الآخر تـُفجَع به، أو حبيبة تنتظره، أو ابناً يتوق لرؤياه... زبدة الأمر: نشاهد إنساناً مثلنا!
بينما في سابق الأعمال كانت الصورة مغايرة تماماً؛ الوالي العثماني الوحش البشري المتعطش للدماء، ذو الكرش الضخم، الشّره، الجاهل بالحضارة، أو الضابط الفرنسي الشرير، الفاسد، الداهية المتحدث بالفتنة فقط، أو جنود عثمانيون أو فرنسيون مهلهلو الثياب، ضعيفو البُنى، أغبياء، يركضون كمن لم يركض يوماً، تراهم واقفين منتظرين وراء ضباطهم لا أحاسيس لديهم ولا مشاعر ولا تعابير!
لست هنا في موقع الرفع من شأن هذا الآخر بقدر ما أنا مستغرب من تلك الصورة النمطية التي حُشِرت في نصوص مسلسلاتنا حشراً، وأذكر للمثال فقط مسلسلات "أخوة التراب" وباب الحارة" و"الخوالي"، لم تستطع هذه المسلسلات أن تصنع توازناً مقبولاً في ظل عدم استنادها على الوثيقة التاريخية الداعمة، فظهرت شخصيات الآخر مشوَهة مقابل شخصيات العربيّ المدعومة دائماً من قبل كتاب نصوصنا حتى بات هذا الصراع التاريخي صراعاً بين ملائكة وشياطين فقط!!
ببساطة، نسفت مسلسلاتـُنا ثقافةَ الآخر، وقدمته خالياً من التعبير والثقافة والتاريخ، لا لشيء إلا للتغني ببطولات وأمجاد الماضي، بينما ينبهنا مسلسل "سقوط الخلافة" إلى ضرورة مراجعة تاريخنا وإلى احترام صورة الآخر.