2012/07/04
علي وجيه
كانت بادرة لطيفة أن يستقبل مهرجان دمشق السينمائي الأخير الأفلام السورية القصيرة التي أنجزها شباب هواة بجهود ذاتية وتمويل ذاتي متقشّف، وإن كان من الظلم وضعها في سلة واحدة مع الأفلام الاحترافية ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة. ربّما كان من الأجدى والأكثر عدالةً أن تفرد تظاهرة خاصة لهذه الأفلام، ولا مانع من تكريسها سنوياً أو كل عامَين حسب التوافر الكمّي وظروف المهرجان. هكذا، يضمن هؤلاء الشباب منبراً لائقاً لعرض تجاربهم، ويتجنّب المهرجان تهمة استقبال أفلام بسويّات متفاوتة قد تكون ظالمةً لنفسها ولغيرها على السواء.
بنظرة عامّة على هذه التجارب، نلاحظ أنّ هناك سمات/ هنّات مشتركة فيما بينها، وإن بنسب مختلفة. روح التلفزيون حاضرة ومؤثّرة في شريط يُفترض أنّه سينمائي، سواءً في النص أو المشهدية. حوار فائض عن الحاجة يمكن حذف نصفه على الأقل. لا تفاصيل دقيقة موظّفة درامياً في عناصر المشهد السينمائي. إيقاع غير مدروس يتصاعد ويهدأ كيفما اتفق. زوايا التصوير مدروسة من ناحية عملية بحتة، والإضاءة والتقطيع وما إلى ذلك وظيفية «خدماتية» لا أكثر. هذا قابل للمرور في عمل تلفزيوني مؤلف من عشرات الساعات، ولكنّه غير مقبول في فيلم قصير يقوم أصلاً على التكثيف والاختزال والدراسة المستفيضة للحركة واللون والجدوى الدرامية لكل ثانية وتفصيل.
ثمّة استعراض زائد أيضاً إذا كان الشاب متمكّناً من بعض الأمور والحيل التقنية. لا يستطيع منع نفسه من إظهار ذلك حتى لو كان خارج السياق الدرامي والفني للفيلم. وهو ما يظهر بوضوح في التجارب الأولى المرتبطة بالحماس الزائد والاندفاع لإثبات الذات والقدرة على تقديم منجز ما.
من ناحية أخرى، لا ذنب لهؤلاء الشباب في مشاكل أفلامهم التي يعتبرونها كأولادهم وينفقون عليها من جيوبهم الخاصة لتبصر النور. الدولة لم تفتتح لهم معهداً عال للسينما كما في مصر، ولم تضف كلمة «والسينمائية» للافتة «المعهد العالي للفنون المسرحية». لم تفكّر بإيفاد الموهوبين منهم ليدرس السينما أكاديمياً في الخارج بعد مشاهدة تجاربهم القصيرة.
أكثر من ذلك، لم تسهّل الجهات المسؤولة عملية إنجاز هذه الأشرطة القصيرة، فالحصول على إذن تصوير عملية معقدة ومتطلبة بشكل لا يتناسب مع إمكانياتهم المحدودة وعلاقاتهم العادية. أعرف شباباً يصوّرون أفلامهم فجراً لتفادي المساءلة والمشاكل لأنّهم لا يمتلكون إذن تصوير.
إذاً، المسألة ليست عابرة أو محدودة، بل تتعلّق بهمّ عام طالما تحدّثنا عنه. لا بدّ من إيجاد حل أكاديمي محلي لكل مَن يتمنّى دراسة السينما في سورية، يشمل الإخراج والمهن التقنية بأنواعها. المعهد العالي للسينما حلم لأجيال برمّتها من الشباب الحالم بالشاشة الكبيرة وعلب الخام وكاميرات الريد المجدية أكثر اقتصادياً، وهو ليس بالأمر المستحيل لدى توافر النية الحقيقية لإنجازه. كذلك يجب تسهيل أمور هؤلاء الشباب فيما يخصّ إذن التصوير (ولا نقول حالياً المعدّات الفنية باهظة التكلفة)، فمن الصعب جداً أن تحصل على سينمائي موهوب، ولكن أمر في غاية السهولة (والقسوة) أن تخسره فقط لأنّه سئم الروتين والورقيات.