2012/07/04
ماهر منصور - السفير
لا يمكن النظر إلى المؤلف الموسيقي في الدراما التلفزيونية إلا بوصفه سيناريست ثانيا للعمل، وواحدا من صناعه الأساسيين إلى جانب المخرج والكاتب والممثل على الرغم من أنه ما زال لا يلقى التقدير الذي يستحقه.
وربما ليس من المبالغة القول إن التأليف الموسيقي للعمل الدرامي يمكن أن يسقطه أو يرفع من أسهمه. ففي أحيان كثيرة، وفي حالات درامية معيّنة، يخفق المخرج أو الممثل في إيصال الإحساس المطلوب من المشهد فتأتي الموسيقى التصويرية لتسد الثغرة، وفي مرات عديدة كان يبدو أن لدى المؤلف الموسيقي تفهما لمضمون النص الدرامي أكبر من المخرج نفسه..
وقد نجح مؤلفون موسيقيون بالخروج بموسيقاهم التصويرية من حدود العمل الدرامي لتصير أعمالا قائمة بحد ذاتها، يتلقفها الناس كمؤلفات موسيقية مستقلة عن العرض الدرامي.
وبرزت مع الأيام أسماء عدد من المؤلفين الموسيقيين في الدراما التلفزيونية السورية، مثل سعد الحسيني وطاهر ماملي ورضوان نصري وسمير كويفاتي والأردنيين وليد الهشيم وطارق الناصر والعراقي رعد خلف.
وصار هؤلاء يزاحمون نجوم الدراما كعلامات تضمن نجاح أي عمل تلفزيوني، ويحصدون جوائز تقدير نقدية وجماهيرية محلياً وعربياً..
إلا أن التقدير الجماهيري (والنقدي نسبياً نتيجة غياب الكتابات المتخصصة التي تتناول الموسيقى التصويرية في الدراما) الذي يلاقيه بعض المؤلفين لا يقابله في الغالب تقدير مواز من شركات الإنتاج.
وباستثناء عدد محدود منها، ما زالت شركات الإنتاج تنظر إلى التأليف الموسيقي على أنه عنصر متمم في صناعة العمل التلفزيوني، وقلما يتم الاعتراف بدور المؤلف الموسيقي في إنجاح العمل. وينسب النجاح في الغالب لأربعة هم: المخرج والكاتب والممثل ومن خلفهم شركة الإنتاج.
ووفق تلك الصورة، تبقى قائمة أجور المؤلفين الموسيقيين مماثلة للفنيين الآخرين في العمل، أي ان الأجر يرتفع أو ينقص بحسب الموسم والحاجة له. وهناك أجور زهيدة نسبيا تلقاها المؤلفون الموسيقيون، قياساً بالجهود التي يبذلونها في العمل الدرامي.
ففي العام 2003، لم يتجاوز ما يتقاضاه المؤلف الموسيقي الثلاثمئة ألف ليرة سورية، وقد تضاعف الرقم اليوم ليصل إلى مليون ونصف المليون ليرة سورية أو أكثر من ذلك بقليل. إلا أن تلك المبالغ تشمل أجور الموسيقيين والمغنين وكلمات الأغاني وتسجيلات الأستوديو وسواها... هكذا، لا يبقى للمؤلف أكثر من نصف مليون ليرة سورية في حين أن أجور المخرجين وعدد من الممثلين تتضاعف عشرة أضعاف أو أكثر.
ويشكو أحد المؤلفين السوريين من أن ما يتقاضاه من أجر لا يساوي شيئاً قياساً بالجهد المبذول في صناعة الموسيقى التصويرية للعمل فيما يتهكم مؤلف موسيقي آخر وهو يشير إلى عدد من شركات الإنتاج التي باتت تستقدم مؤخرا مغنين معروفين لأداء شارات مسلسلاتهم، بهدف الترويج لها، متسائلا «من يخدم من، ومن يساهم في شهرة الآخر قياساً بشهرة المسلسل السوري وعدد مشاهديه، ومن يستطيع تجاهل حقيقة أن الدراما السورية تتيح للمغني أن يقدم أغنيته يومياً على مدار العام تقريبا أمام شريحة تفوق شريحة مستمعيه بكثير؟».
ويعرب المؤلف الموسيقي عن دهشته من أن يمنح المغني على الرغم من ذلك، مقابل أدائه شارة العمل، أجرا يعادل ثلث أو نصف الأجر المرصود للموسيقى التصويرية للعمل كاملا.
في سياق آخر، يبدو المؤلفون الموسيقيون في الدراما السورية كمن يحملون على عاتقهم مهمة الترويج وصناعة أغنيات سورية «خالصة»، وكما نجحت الدراما المصرية في ترسيخ أسماء فنانين مثل محمد الحلو وعلي الحجار لدى شريحة واسعة من الجمهور العربي، استطاع المؤلف الموسيقي طاهر مامللي أن يوسع جماهيرية الفنانات ليندا بيطار وديمة أورشو ولينا شماميان وعامر خياط وآخرين، على الرغم من خصوصية أغانيهم التي لا تلقى رواجاً في الغالب إلا عند نخبة معينة.
ونجح المؤلف الموسيقي سعد الحسيني في تكريس اسم ينال طاهر كواحد من الأسماء الغنائية الشابة التي تعد بالكثير، بالإضافة إلى استقدامه لعدد من المنشدين لأداء أغنيات كما فعل في مسلسلي «باب الحارة» و«أسعد الوراق».
ألا تستحق كل تلك الجهود إعادة النظر بدور المؤلفين الموسيقيين ومدى تقديرهم معنوياً ومادياً.. ولا سيما أن عددهم قليل جداً ولا يحتمل خسارة أي منهم؟