2012/07/04
فقط على صفحات بوسطة مذكرات فاتن حمامة1 عندما هددت عبد الوهاب بالطرد · أحببت المعلم كريم! · هدايا وشوكولاته بالجملة · اسم أنيسة منعته الناظرة بعد وصولي إلى القاهرة ومقابلتي للمخرج محمد كريم الذي وقع معي، بعد اختبار قصير، عقداً للقيام بدور أنيسة في فيلم يوم سعيد. وبدأت أتردد على مكتب عبد الوهاب كل يوم، ليقوم المخرج محمد كريم بتدريبي على التمثيل فأجلس في سريري الصغير وأقول لأبي: "بابا أحنا مش رايحين عند المعلم كريم النهارده" وكن أبي يضحك عالياً ويقول لي:"المعلم ؟ طبعاً !" هكذا صوّر لي خيالي مخرجي الأول .. صور لي معلماً، فقد كان المعلم أو المدرس أقرب الشخصيات إلى نفسي بعد والدي، والطفل عادة لا يبتعد كثيراً في تشبيهاته وتصويره البدائي للأمور عن المحيط الذي يعيش فيه، ومن هنا كان المخرج الأول في نظري .. معلماً! وكان كريم يستقبلني على الرغم مما اشتهر به من عصبية بابتسامة مشرقة، وكنت أرى على مكتبه دائماً عشرات الهدايا وقطع الشوكولاته الكبيرة .. وكانت هذه الهدايا وقطع الشوكولاته وعوداً صامته من المخرج ونداءً للإجادة .. فكنت كلما اتقنت مشهداً من المشاهد حصلت على أحدهما ! وقد عرفت فيما بعد أن دور أنيسة لم يكن بالصور التي ظهر عليها في الفيلم، كان دوراً ثانوياً قصيراً لا يتطلب ظهور صاحبته على الشاشة أكثر من دقائق قصار، ولكن كريم ازاء ما رآه في من مقدرة ولمسه في من موهبة_ وهذا كلامه أنقله بأمانة وبلا غرور _ رأى أن يعيد كتابة القصة في كل ما يختص بدوري، وقد أقتضى التغير في الدور إدخال تعديل كبير على السيناريو بأكمله، كما استعان المخرج بثلاثة من كبار كتاب الحوار ليضعوا للطفلة حواراً يلائم سنها وتنطقه كما ينطق الأطفال. كنت الزائرة اليومية الوحيدة لمكتب عبد الوهاب، كما كان كريم هو الوحيد الذي ألتقي به هناك، ولكني لاحظت في أحد الأيام وجهاً آخر كريم، وجهاً أحمر صاحبته ممتلئة الجسد تتكلم بطلاقة لغة لا أفهمها، ويوافقها كريم على حديثها بهزات من رأسه، وقد وقفت الزائرة تتأملني طويلاً ثم أمسكت ورقة وقلماً وراحت ترسم خطوطاً سريعة، وبعد أن انتهت من الرسم عرضته على كريم فأدخل عليه بعض التعديلات وبالرغم من زيارة السيدة الغريبة أثارت فضولي إلا أنني لم أسأل عمن تكون، أو ماذا كانت تريد ، وعرفت فيما بعد أن هذه السيدة لم تكن إلا حائكة ثياب الممثلات، وقد جاءت يومها لتصمم لي ملابس الفيلم! وبعد هذه الزيارة بأيام ثرت لأول مرة كما تثور كل حواء .. وكان السبب هو أقوى ما يثير حواء، فقد حملوا إليّ بضع جلابيب من النوع الريفي ذي الألوان الزاهية.. وقد رفضت بشدة أن أرتديها وصحت قائلة :"مش ممكن ألبس زي دادة نفوسة" .. وهكذا ثارت فاتن الصغيرة دفاعاً عن أناقتها قبل أن تعرف ما هي الأناقة، وما هو الغرض منها، ولكنها غريزة المرأة وإحساسها الداخلي! وقد لجأ كل من والدي كريم إلى الحيلة في سبيل إقناعي بلبس "جلاليب نفوسة" كما أسميتها، فقد استحضرا لي أثواباً أنيقة جديدة، وعرضا على أن ألبسها بشرط أن ألبس قبلها الجلاليب في الفيلم .. وكان العرض عادلاً فقبلته على الفور! وكان طبيعياً وقد طرأ تغيير كبير على حياتي أن يتغير معه نظامي اليومي، لقد وضع لي المخرج برنامجاً دقيقاً يبدأ في الساعات الأولى من الصباح وينتهي بدخولي السرير. وكان من بين ما أشترطه على هذا البرنامج أن أستقبل الصباح الباكر في أحدى الحدائق الغناء، وأن أزور كل ليلة الطبيب الخاص .. وللزيارات الطبية هذه ذكريات عندي .. ذكريات مؤلمة، فقد كان منظر رسول الإنسانية بملابسه البيضاء يثير في نفسي الفزع ويدفع بالدموع إلى عيني .. وبدأ العمل في الفيلم، دخلت الاستديو لأول مرة، ووجدت نفسي صورة من"أليس في بلاد العجائب". فقد كان كل ما حولي غريباً: الأضواء، والآلات السوداء العملاقة، وتلك العين السحرية التي راحت تحصى علينا حركاتنا وتسجل علينا لغاتنا والتي كان صراخ كريم يعلو في كل مرة ينظر أحدنا داخلها .. الكاميرا!