2012/07/04
دوماً أحاول البحث عن التنوع في الشخصيات التي أمثلها. المشكلة أننا وأمام النصوص المتاحة تكون خياراتنا محدودة. أنا ضد حالات الشللية في الوسط الفني. النص الجيد يأتي بشخصية جيدة، ولا يعقل أن توجد شخصية جيدة في نص سيئ. أنا مع الدماء الجديدة التي تضيف للحركة رفداً وحياة جديدة ونفساً ولوناً آخر. من المعيب أن تقيم عمل مخرج مبتدئ بدرجة جيدة جداً. بوسطة-علي أحمد استطاعت الفنانة نادين عبر مسيرتها الفنية الطويلة أن تثبت نفسها كإحدى الممثلات السوريات ذوات الحضور الخاص في الوسط الفني من خلال العديد من المشاركات التمثيلية لها "يوميات مدير عام، طيبون جداً، حمام القيشاني، تل الرماد، سيف بن ذي يزن، الداية، أيامنا الحلوة، حاجز الصمت، الشمس تشرق من جديد"، وغيرها من المسلسلات العالقة في ذاكرتنا دائماً. وتعمل نادين بصمت ودأب وتصر على الروح الجماعية في العمل الفني وعلى روح العائلة الواحدة بين الممثلين، معها كان لنا هذا اللقاء: ماذا تحدثينا عن أخر أخبارك الفنية؟ شاركت مع المخرج يوسف رزق في مسلسل "سفر الحجارة" الذي كتب نصه هاني السعدي، وأشارك مع المخرج سيف سبيعي في الجزء الثالث من "الحصرم الشامي". هل تحرصين على التنوع في مشاركاتك؟ دوماً أحاول البحث عن التنوع في الشخصيات التي أمثلها، وحقيقة هذه مسألة شاقة أمام الخيارات والنصوص المحدودة والشخصيات التي لا تعطي مساحة كبيرة للممثل.. وفي ظل غياب الفرص العديدة، أحاول اختيار الأفضل كما أبحث عن التنوع وكل ذلك ضمن الموجود والمتاح، سيما أن معظم الأعمال محصور عرضها ضمن شهر رمضان المبارك، فبتنا معنيين بهذا الأمر، وبات مطلوباً منا الاعتناء باختيار أدوار مختلفة عن بعضها، وألا تكون نمطية. معظم العروض هي لشهر واحد أي رمضان، وعلى الممثل أن لا يقدم أدواراً متشابهة. لهذا أعود وأقول إنني أحاول التنويع والتركيز على البحث أكثر عن أدواتي بطريقة أخرى مع شخصيات جديدة ، هذا الموضوع هام بالنسبة لي، ويجعل عندي حالة تجدد مستمرة، وبالتالي هذا التجدد ينعكس للمشاهدين، وأعتقد أن المشاهدين يملون من الممثل الذي يقدم نفسه في شخصيات نمطية، لذلك دوماً لدي هاجس في أن أمتحن نفسي أمام شخصيات عديدة.. لكن في مشاركاتك الأخيرة، كانت هناك ملاحظة على تكرار ظهورك بالشكل نفسه في شخصيات عديدة؟ قد يصدف أن تكون الشخصية منتمية لطبقة ثرية، والشخصية الأخرى أيضاً من نفس الطبقة، ولا يمكن أن أظهر شخصية أقل مستوى من الأخرى، فأكون مضطرة أن أقدمها ضمن (ستايل) محدد. هنا قد تكون هذه الملاحظة صحيحة، لكني أحاول أن أنوع في الشخصيات التي أمثلها، وفي السنوات الأخيرة قدمت شخصيات مختلفة تماماً عن بعضها، كمصدر أو بيئة أو سلوكيات، كل شخصيات كانت مختلفة عن الأخرى. مثل شخصية في مسلسل الداية؟ نعم كانت شخصية مختلفة، حتى أن الأعمال المعاصرة تختلف كل شخصية عن الأخرى، ففي مسلسل "قتل الربيع" أمثل شخصية المحتالة والنصابة، وقبل أن تكون كذلك فهي من عائلة فقيرة، حيث نشاهدها في حالة مادية متدنية، ثم تنتقل بعد ذلك إلى مستوى مادي أعلى، بعد أن تصبح نصابة. أيضاً في مسلسل "حاجز الصمت" مثلت شخصية الباحثة الاجتماعية، ومن عائلة متوسطة الدخل المادي، وقد يكون التشابه الخارجي بين الشخصيات الذي تحدثت عنه بين هاتين الشخصيتين. ألا تلاحظين أن فرص الأدوار لا تكون بمستوى طموح الممثل، سيما بعد أن يقدم الممثل شخصية ناجحة وهامة، لا تكون الفرص التي بعدها بنفس مستوى هذه الشخصية؟ المشكلة أننا وأمام النصوص المتاحة تكون خياراتنا محدودة، بالإضافة إلى دقة اختيار الممثل لأدوار تلعب دوراً هاماً في نجاحه بعمله، فمن الممكن أن أمتنع عن أداء شخصية ليس لها خط درامي واضح وليس لها هدف أو معنى أو مضمون أو لا تترك أثراً عند المشاهد.. إنما أن يعمل الممثل لمجرد التواجد فقط، فمن المؤكد أن هذه الشخصية ستعيد الممثل خطوة إلى الوراء.. أما إذا أراد المحافظة على مستوى معين فيجب أن يكون دقيقاً في خياراته، حتى لو كانت الفرص قليلة أمام النصوص الموجودة، يفترض أن يكون الاختيار دقيقاً، وإلا فإن النمطية تقتل أدوات الممثل. اليوم تشاركين مع المخرج يوسف رزق في مسلسله "سفر الحجارة" ، وأنت لا تغيبين عن أعماله؟ إذا كان المقصود الشللية في الوسط الفني، فأنا ضد هذه الحالات، لكن يمكن أن يصدف وجود شخصيات متنوعة في أعمال المخرج يوسف رزق، فقد طرح عليّ في مسلسل قتل الربيع شخصية "رانيا" المرأة النصابة، وحتى أنه قال لي" إن لعب هذه النوعية من الشخصيات هو جرأة منك، في حال تقبلتي ذلك". لقد قرأت النص وكنت مع أن يكون فيها خطوات جريئة، وتحمست لها، بالإضافة إلى أنه عندما يوجد مخرج ويطرح عليّ شخصية جريئة مختلفة عن الشخصيات التي قدمتها، وأستطيع الاندماج مع هذه الجرأة فإني أعتبرها مسألة هامة في عملي. والشخصيات الأخرى التي قدمتها معه مختلفة عن التي قدمتها في مسلسل "قتل الربيع"، ففي مسلسل "أسياد المال" شخصية ردينة، نمط جديد على أدواري، كذلك الأمر في مسلسل "حاجز الصمت". لذلك ليس الأمر أن أتواجد في أعمال لمجرد التواجد مع هذه المجموعة، فأنا ضد هذا الموضوع، وحتى المخرج يوسف رزق يرفض ذلك، لكن الشخصية تفرض نفسها عليّ، وهنا أنا أستعير جملة قالتها الفنانة المصرية ناديا لطفي في لقاء معها عندما سئلت عن اختيارها للشخصيات فقالت إنها تحب الشخصية التي تطلبها وتخطبها.. تخيل أن الشخصية تخطب الممثل، هذا التشبيه جميل جداً، فأنا أستعير هذا الوصف الراقي وأتمنى من الشخصية أن تناديني. لكن قد تكون الشخصية جيدة في نص ضعيف؟ هذا الأمر مرتبط بعدة جوانب، لذلك أرى أن النص الجيد يأتي بشخصية جيدة، ولا يعقل أن توجد شخصية جيدة في نص سيئ، فالكاتب يؤلف شخصية جيدة في نص جيد، لكن عندما لا تتوافر الشروط الإنتاجية أو الإخراجية أو التمثيلية أو الفنية ضمن عمل، فمؤكد أنه سيكون في العمل خلل. وتضيف نادين: أنا كممثلة أختار الشخصية والنص على الورق، من دون معرفة بكل ظروف العمل وكيف ستكون النتيجة، لذلك تكون النتيجة في بعض الأعمال لا تتوافق مع طموحنا، ولا توازيه، وهذه مسألة لا يمكن أن نتنبأ بها.. ومع ذلك أحاول دوماً أن أختار الأفضل.. لذلك ترفضين بعض الأدوار التي تقدم لك؟ أكيد لأنني أجد منذ القراءة الأولى للنص أنه نمطي وفيه تكرار لشخصيات قدمتها، وأشعر أن مشاركتي في العمل لمجرد التواجد فقط، وسيكون حضوري عند المشاهدين ممل، فإذا لم أصنع الدهشة عند الجمهور سيكون تواجدي بارداً. ألا يعنيك اسم المخرج الذي ستعملين معه؟ يعنيني العمل مع المخرجين أصحاب التاريخ الكبير ، وهذا يدخل الطمأنينة في داخلي، وأني بين يدي مخرج متمكن، يستطيع أن يظهر جوانب أخرى من أدواتي الفنية، لكنني لا أستطيع إنكار وجود مخرجين شباب من مسؤولياتنا الوقوف بجانبهم وتشجيعهم عندما يطرحون علينا شخصية في أعمالهم، فليس من الصحيح أن نقول إن هذا المخرج حديث التجربة، وليس معروفاً أو مشهوراً فلا نقبل المشاركة معهم. ومن مسؤوليتنا المساهمة مع المخرجين الجدد، مع احترامنا للمخرجين أصحاب التجارب الكبيرة والذين أصبحوا نجوماً. كيف تجدين تجاربك مع المخرجين الشباب؟ إلى حد ما جيدة، فلا يمكن أن نقارن بين تجاربنا مع مخرجين مخضرمين بالتجارب التي خضناها مع المخرجين المبتدئين، فكما كنا ممثلين مبتدئين تعلمنا الكثير من تجاربنا، واقتربنا من أدواتنا الجديدة وتعمقنا أكثر مع الشخصيات التي مثلناها، كذلك الأمر بالنسبة للمخرجين الشباب الذي يبدؤون بتجارب يتعلمون منها.. لذلك يجب أن نتعاون سويةً في إنجاح هذه التجارب، وأنا متحمسة لتجارب الشباب.. وأعتقد أن مساهمتي في أعمال الجيل الشاب جاءت بنتائج معقولة.. ولماذا معقولة؟ لأنه من المعيب أن تقيم عمل مخرج مبتدئ بدرجة جيدة جداً، وإلا بعد ذلك ماذا سيكون التقييم جيد جداً جداً جداً... ماذا عن بقية من مشواره الفني، لذلك يفترض أن نكون منطقيين في حكمنا وتقييمنا، فنقول مثلاً معقولة فنحن بدأنا بمراحل معقولة ثم أفضل فأفضل ثم جيد وجيد جداً أي بالتدرج.. مع أن مخرجين شباب تفوقوا على أساتذتهم؟ أكيد بين المخرجين الجدد، ليس الذين عملت معهم بل من شاهدت أعمالهم على الشاشة، عندهم لمسات جميلة ونظرة جديدة وحيوية بتحريك الكاميرا، ولديهم نفس جديد ويبشرون بالخير. كيف تجدين مستوى الأعمال التي قدمت في الفترة الأخيرة؟ قدمت الدراما السورية تنوعاً جيداً في الفترة الأخيرة، خاصة في الأعمال المعاصرة، سيما أننا نفتقد للجرأة في أعمالنا المعاصرة فقد كنا نرتكز على الأعمال التاريخية لنتخفى خلفها، كي نهرب من رصد واقع الحياة المعاشة.. لقد قدمت الدراما السورية أعمالاً معاصرة رصدت مواضيع جريئة سواء كان في الطرح أو المعالجة.. طبعاً لا يوجد عمل كامل، لكن طرح هذه المواضيع وبهذه الجرأة هو خطوة هامة نحو الأمام وأتمنى أن تستمر بطرح مواضيع أخرى، فمجتمعنا مليء بأحداث وشخصيات وزوايا لم نعرفها لا نحن ولا المشاهدين، وأعتقد أن من واجبنا تقديمها.. ألا تعتقدين أن هناك أخطاء يجب أن تتجاوزها الدراما السورية؟ بشكل تقريبي لا يوجد عمل درامي إلا وعليه ملاحظات، ويكون من المفيد عندما تعرض هذه الأعمال، ويتم نقدها، يقوم الكاتب بتلافي هذه الأخطاء. أيضاً المسألة الأخرى هي أنه لدينا أخطاء يجب تلافيها، مثلاً المحادثة على الهاتف، وتكرار الجمل كي نفهم المشهد، هنا يجب أن يكون الحل الدرامي بالتلميح لا بالتكرار.. يجب تجاوز هذه الأمور والارتقاء بعملنا، لذلك أقول إننا ما نزال في مرحلة التعلم ولا يفترض أن نقول إننا قدمنا ونجحنا.. حتى في الأعمال المعاصرة؟ وحتى في هذه ما نزال في الخطوات الأولى، ورأيي الشخصي أننا نفتقد للتلقائية في هذه الأعمال، طبعاً لأنها معاصرة، فمثلاً تجد أن هنالك ممثلين مشدودين ومتوترين، لذلك يجب أن يكون الممثل مرناً، هذه المرونة يعيشها بعض الممثلين، والبعض الأخر متشنجون.. لذلك هذه الملاحظات في طور المناقشة والتطوير وما زلنا في البدايات.. تحدثت عن جرأة الأعمال، كيف تفهمين الجرأة؟ الجرأة في الموضوع بالدرجة الأولى وهو الذي يفرض جرأته على الآخرين، فعندما يتم طرح موضوع جديد على الشاشة يكون بمثابة محرض أساسي لنا كممثلين وللمخرج.. لذلك يفترض منذ البداية أن يفرض النص جرأته، وإلا كان نمطياً وعادياً.. من يشاهدك في موقع التصوير يلاحظ جديتك وحرصك على العمل؟ أريد أن أسألك هل من المفترض أن يكون الممثل مستهتراً بعمله، وغير مهتم بالتفاصيل، أعتقد أنه من واجبنا كممثلين الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة.. في بداية مشواري الفني نشأت في مدرسة تقول بأن على الممثل الاهتمام بكل التفاصيل، كي يكون ضمن الفضاء الذي يصور فيه، وليس خارجه، فأي ممثل يهمل تفاصيل شخصيته فإنه لن يكون تحت الغطاء العام للعمل، حتى أن العمل يلفظه.. برأيك هل سقطت الرومانسية من أعمالنا؟ لا يمكن أن نقول أنها سقطت، بقدر ما هي غائبة، فنحن بحاجة لهذه النوعية من الأعمال التي نستعيد معها العصر الجميل، فالأفلام السينمائية كانت تتحدث عن هذه الرومانسية، لكننا افتقدناه في أعمالنا مع أن هناك بعض الأعمال تحاول تلمس الرومانسية.. وكيف يمكن أن نستعيدها؟ الموضوع يحتاج لأقلام تكتب في هذه المواضيع.. قد يكون ذلك بسبب غياب الحب عن حياتنا؟ هذا يشكل جزءاً من الموضوع، لأن الكاتب يستلهم من الواقع وتجاربه، لكن من واجب الكاتب استعادة اللحظات التي بدأنا نفتقدها في حياتنا "القيم ـ المثل ـ التقاليد ـ العادات.". كي يذكر الناس بها، وهذه دعوته الدائمة، فلا يتوقف هدفه فقط عند الحديث عن الواقع المعاصر، وأعتقد أنه من واجبنا كعاملين في مضمار الفن أن نرسخ في عقول المشاهدين من الأجيال الجديدة، هذه القيم الجميلة، ونستعيد هذه الحالة الرومانسية الشفافة الرقيقة..خاصة بوجود فهم جديد للرومانسية، التي كانت في القديم رومانسية راقية وإنسانية.. شكراً نادين