2012/07/04
حسان محمد محمود مقدمة: هذه المقالة، تحاول إيجاد الرابط بين الفنّان مصطفى الخاني والحرب العالميّة الثانية. إزاء ما يجري من تكريماتٍ غير مسبوقة، للفنّان مصطفى الخاني، أبيّن أنني لست مختصّاً بالدراما وخصوصيّاتها، فأنا متلقّ، ومراقبٌ يملك بعض الثقافة، التي تجبره على التفكير، ولا تسمح له بتصديق كلّ ما يراه، ووصَل غيظي مرحلةً، إن لم أتحدّث عنه؛ لانفجرت، ولا أحسَب أنّكم تريدون الموت لمواطن، أو متفرّج على دراماكم، جرّاء دراماكم. سأبدأ بمحاولة رسم الإطار المحدد، والحاكم، والمحيط، بنجوميّة السيّد مصطفى الصاروخيّة، كي نرى الحقل الذي قُطفت منه هذه (الزهرة)، وخصائص التربة التي غذّتها. اسمحوا لي بالقول: إنّ ثمّة ما يشوب سلوك ووعي بعض ممثّلينا فيما يخصّ العلاقة بين الفنّ والمال، وكذلك العلاقة بين الفنّ و الإعلام، وربما وصل أمر بعضهم إلى التغاضي ـ عمداً أو جهلاً ـ عن سوءات سطوة المال و الإعلام، والاكتفاء بما يقدّمانه من قدرة على الإشهار، بغضّ النظر عن شروطهما ومقاساتهما، التي يسعيان لتكريسها، سواءٌ لمضمون العمل الفنيّ أو تشكيلاً وتكريساً للمعايير التي تتطلّبها حيازة لقب فنان، ولكم في (نجوم) ستار أكاديمي والمغنين و المغنيات الجدد مثلٌ يُظهر حقيقة ومصير هؤلاء النجوم. ما سبق، يجعلني أستصرخ حصافة ممثّلينا الفنية و حسّهم الإنسانيّ، للتخفيف ولو قليلاً من السعي الحثيث خلف الشهرة والدخل الماليّ، وأن يسألوا قبل الشروع بأيّ عملٍ عن مصادر هذه الأموال، وتأثيرها في وظيفتهم الفنية، والأهم: مدى خدمتها لمجتمعهم الذي ـ يا لحزني!ـ صار يعتبرهم قدوته، بسبب التركيز الإعلاميّ عليهم. وكما نطالب بعض المديرين والموظّفين باتباع دوراتٍ معيّنةٍ، تخدم اختصاصهم وأداءهم وظائفهم، يمكن أن نطالبهم بما يلي: ليتكم تدرسون قليلاً عن إمبراطوريات الإعلام وسياساتها، وفي مثالنا المحدد (الـ mbc والقنوات التابعة لها ومنها قناة العربية الإخبارية). حبّذا لو تمعّنتم وفكّرتم بدور كلّ قناةٍ من قنواتها حسب تخصصها في تنفيذ السياسة العامة لهذه الكتلة الإعلاميّة ـ الماليّة الضخمة. دراسةٌ كهذه، سوف تُمكّنكم، قبلَ تقرير قبولكم أو رفضكم شروط الجهة المنتجة، من معرفة موقعكم وموقع المسلسل المزمع إنتاجه في اللوحة العامة لسياسة هذه الإمبراطوريّة، وهنا أقصد مسلسل "باب الحارة"، منطلق نجوميّة السيد مصطفى الخاني. للأسف، خلال العقد الأخير، لم يكن للإعلام السوري دورٌ في نجوميّة أيٍّ من ممثلينا، وهذا أمرٌ يمكن فهمه موضوعيّاً، ولئن كانت درامانا بوصفها مُنتجةً للنجوم قد قامت بما يشبه المعجزة، فإنّ الإعلام السوريّ لم يسوّق هؤلاء الذين قدّمتهم الدراما السوريّة، وكان أمر تسويقهم بيد إعلامٍ آخر، بعضه عربيّ اللغة أمريكيّ التوجّه، وأشير هنا إلى قناة (العربية) و شقيقتها الـ mbc التي موّلت تصنيع مسلسل باب الحارة...مُطلِق النجوم. وحينما تموّل و تسوّق جهةٌ ما سلعةً؛ يكون ذلك لفائدةٍ ترجوها، لذلك استثمرت جماهيريّة الجزأين الأوّلين من المسلسل المذكور لاستجرار الإعلانات، وتمرير رسائل إعلاميّة، قد يكون من أهمّها على الإطلاق: ـ كيف تشكّون بتوجّه الـ mbc و(العربية) ؟ ها هي تبثّ مسلسلاً عن المقاومة. وفي هذا لن أستفيض أكثر، وأكتفي بتذكير الجميع بتغطيتها المنحازة للعدوّ الصهيونيّ الإرهابيّ العنصريّ في حربيه الأخيرتين اللتين دُحر فيهما بفضل بطولات أبطالٍ مهمّشين، عزفت القنوات المذكورة عن إنصافهم (وهذا جريمةٌ إنسانيّةٌ ومهنيّةٌ) وأمعنت في تسويق حجج (عدوّهم) عدوّنا، مكتفيةً بإبراز بطولات أبطال (باب الحارة) الوهميين. ثمّة إذن، في الحالة التي نتكلّم عنها؛ تأثيران، أو تأثيرٌ مركّبٌ على كلّ من الممثّل والعمل الفنيّ، الأول هو: تأثير قدرة إمبراطوريّةٍ إعلاميّةٍ على التسويق والإشهار، و الثاني: أنّ ذات الإمبراطورية الإعلاميّة هي المموّل للإنتاج. فانظروا !! وخمّنوا !! أية هوامش بقيت لكلّ ما يمتّ للفنّ الحقّ بصلةٍ، وفي هذا أستنهض ذاكرتكم لتحليل كلّ خلافات أهل (الكار) التي رافقت هذا المسلسل، و(تلزيق الأحداث) كيفما اتفق وقولبتها لتعويض غياب الحردانين أو المطرودين، قالبين معادلة الشخصيّة أولاً ومن ثمّ البحث عن الفنان المناسب لها رأساً على عقب، فصارت الشخصيات والأحداث تصاغ على إيقاع تلك الخلافات وغياب أو حضور الفنانين، ولا أظنّ أنني سأكون مجافٍ للحقيقة لو قلت أنّ معظم تلك الخلافات سببه ثنائيٌّ شيطانيٌّ، هو المال والشهرة. أما من جهة المضمون القيميّ؛ فمن الجدير الإشارة إلى سطوة الجهة (المسوّقة ـ المنتجة) في جعل العمل (السوريّ شكلاً) لا ينبس ببنت شفةٍ، عن العرب المشاركين في حصار غزّة، لأنه لو فعل؛ لزعل من يأخذنا باتجاه النجوميّة، وأحجم عن تمويل جزءٍ خامسٍ منه، ما جعل معظم متابعي العمل يوقنون أنّ التلميح لمجازر غزّة لم يكن إلا محاولةً بائسةً لإضفاء بعض المضمون على سلسلة من الإثارات الفارغة اللاهثة خلف ما يملؤها بشيءٍ من المغزى، محاولةٌ؛ أودت بالعمل إلى منزلق المتاجرة بما لا يتاجر به. وقد يسأل سائلٌ عمّا أقصده بعبارة أنّ العمل (سوريٌّ شكلاً) فأجيب: لأنّه لم يتّسق مع إرث المسلسل ذاته في جزأيه الأوّلين، ومع إرث الدراما السوريّة بوجهٍ عام، ومع إرث الفنّ السوريّ في التناول الجادّ للقضيّة الفلسطينيّة، والأهمُّ: لم يتّسق مع اكتشاف المتفرّج لدور الجهة (المموّلة ـ المسوّقة) في الترويج لأفكار أعدائه في فترة الشحن المذهبيّ والتحريض ضد سوريّة والمقاومة، وفي إهمال إنجازاتٍ حقيقيّةٍ تاريخيّةٍ منتظرةٍ لشعوبٍ عطشى لأقلّ انتصارٍ، والمشاركة في وأدِ قضيّةٍ كان يتابعها الجمهور يوميّاً، ساعةً إثر ساعةٍ، عبر ما تنقله الفضائيّات الإخباريّة من صورٍ للمجازر وتصريحاتٍ أمعنت في طعنه ومحاولات تهشيمه إنسانيّاً و وطنيّاً ودينيًّا. إذن: كان المهمّ في المسلسل عامل الإثارة التي تجعل المشاهد يتسمّر أمام الشاشة، وهذا أمرٌ غير مستغربٍ في مجال صناعة وتشكيل الذوق العام، إذ الهدف ليس تقديم فنٍّ، بل سلعةٌ ذات لبوسٍ فنيٍّ، يُقصد منها التربّح في سوق الاستهلاك الدراميّ الرمضانيّ، وكأنّ لسان حال الجهة المنتجة ـ المسوّقة يقول: ـ أيها المشاهدون!! عليكم! مشاهدة الأبطال الذين نقدّمهم نحن، أما الحقيقيّون في غزّة ولبنان، فيجب أن لا تفكّروا فيهم، أن تنسوهم، وتصدّقوا ما تقوله محطّة (العربية بنت الـ mbc) عنهم. ـ أيها المشاهدون!! الفنّ ليس ما تقدّمه فيروز أو عبد الحليم حافظ أو أم كلثوم، بل هو مقدار الزيادة في خفقات قلوبكم، جرّاء ما نقدّمه من إثارةٍ مصطنعةٍ بأحداث دراميّة أو بالتواءات وعري وتأوّهات بعض (الفنانات)، والحدث ليس هناك، في غزّة، بل في المسلسل، والنجوم نحن نصنعها، باستفتاءاتٍ تلي (ملحمة رمضان) تبرز شعبيّة الفنّان، استفتاءاتٌ سرعان ما يتلقّف نتائجها الباحثون في أمريكا (مقر هوليود والأمم المتحدة) فيتساءلون: من هذا الذي حاز اهتمام الجماهير في الشرق الأوسط ذي النفط وإسرائيل؟ لم لا نستثمره؟! وكيف لا تكون نتيجة الاستفتاءات (الشعبيّة) كما كانت؟ ومحطّاتٌ فضائيّةٌ ستٌّ وما يتبعها من فضائيّاتٍ أخرى و صحفٍ ومجلاتٍ ورقيةٍ وإلكترونيةٍ قادرةٌ على تحويل عطسةٍ إلى حدث؟ فهذي تبثّ المسلسل، وشركات الخليوي لا أعرف ماذا تفعل، و محطّةٌ إخباريّةٌ (العربية) تستضيف الفنانين أثناء عرضه، وفي نشرة الأخبار الرئيسة، و.. و.. بناءً على ما سبق، يظهر جليّاً أنّ تكريمات مصطفى الخاني الاستثنائية و (نجوميته) ليست إلا حصاد بيادر ثلاثة هي: ـ نجوميّة من سبقوه، وإنجازاتهم، في المسلسل. ـ استغلال غرائز الجمهور، وتوقه لانتصاراتٍ حتى لو كانت دراميّةً، على المحتلّين. ـ الضخّ الإعلاميّ المهول، السابق والمرافق واللاحق للمسلسل. وهي ليست بسبب تميّزٍ فنيٍّ، له أو للمسلسل، برغم كونه الأكثر طرافةً في عرضٍ تركّزت الأنظار عليه، للأسباب السالف شرحها. أما (شعبيّة المسلسل) التي صدّعوا رؤوسنا بها، فبوسعي القول بخصوصها: إنّ المحطات الإباحيّة شعبيّةٌ كذلك، ومواقع الإنترنت الإباحيّة هي الأكثر زيارةً عربياً وعالمياً، والصراع المصريّ الجزائريّ على كرة القدم هو أيضاً ظاهرةٌ شعبيّةٌ، ولعلّكم تتفقون معي في أنّ الرهان على الغرائز أمرٌ يتناقض مع جوهر وظيفة الفنّ، في تشذيب الغريزة و السموّ بها، وهو أمرٌ؛ ليس كمثله شيءٌ في تدمير النجوميّة، لأنّ هبّةً أخرى من هبّات الغريزة تطيح بهذه الدراما ونجومها، وتأتي بنجومٍ يناسبون هبّتها الجديدة. يا سادتي (النجوم): مهمٌّ أن نقدّم للجمهور ما يبغيه، لكن يجب أن نجترح طريقةً (فنّيةً) نمرّر فيها المضمون الرصين، الخادم لقضاياه، والأهمُّ من الحصول على النجوميّة أو المال هو طريقة وصولنا إليهما. ولكي نصل إلى غاية هذه المقالة، في صلة تكريمات السيّد الخاني بالحرب العالميّة الثانية، لا أجد بدّاً من طرح التساؤلات التالية: ـ الفنان العربيّ الأوّل الذي يكرّم في الأمم المتّحدة هو السيّد الخاني، ليس على مستوى الممثّلين فقط، بل في جميع أنواع الفنون الأخرى، لماذا؟ لمَ لمْ يكرّم في الأمم المتّحدة و هوليود أشخاصٌ (دراميّون) مثل: خالد تاجا، منى واصف، دريد لحام، وسواهم من الفنانين العرب؟ ألا ينبغي علينا، وعلى السيّد (المكرّم) في مقدّمتنا، أن يسأل نفسه عن سبب نيله ما لم ينله الأكبر سنّاً منه، والأغنى تجربةً، دراميّاً، مسرحيّاً، في الفنّ التشكيليّ، في الموسيقى، في النحت، وفي.. وفي..؟ أنفرح فرح الطفل بلعبةٍ دسّ فيها العدوّ قنبلةً، ورماها لنا أثناء غارةٍ من غاراته؟ هل يتساوى من تعب وحصل على الثروة بمن ربحها في ضربة حظٍّ، أو قلبة دولابٍ من دواليب اليانصيب؟ ـ إن كان السيد الخاني الآن في هذا المستوى النجميّ؛ فماذا خبّأ له المروّجون لنجوميّته للسنوات الكثيرة القادمة من حياته، التي نرجو أن تكون مديدةً؟ ـ أيجب الركون إلى (صناعة) النجوم بطريقة الرهان على غرائز الجمهور دون الالتفات لمصالح وخلفيّات الإمبراطوريّات الإعلاميّة؟ ماذا حلّ (بنجوم) ستار أكاديمي؟ مهما كان العطش قاسياً، أيجوز للفنان أن يشرب من يد أيٍّ كان؟ دون السؤال عن مصدر الماء، وما فيه؟! ـ هل عالميّة غسان مسعود، الناشئة بخفرٍ، وتؤدةٍ، وحذرٍ من السموم المدسوسة في دسم الأعمال التي رفضها، برغم إغراءاتها، كعالميّة السيّد الخاني؟ أليس ما يأتي بسرعةٍ يذهب بسرعةٍ؟ ـ أعلينا، نحن التوّاقون للانتصارات وشهرة أيٍّ كان من أبناء وطننا؛ أن نخدع ببريق ما يُلمّعه لنا الإعلام الأمريكيّ الناطق بالعربيّة، و يسوّقه لنا، ونسمّيه انتصاراً؟ أخيراً؛ ألا توافقونني الرأي أن مفارقة نيل فنّانٍ صغير السنّ و التجربة ما لم ينله غيره؛ تشبه مفارقة امتلاك باكستان قنبلةً ذريّةً، وافتقار اليابان لها، برغم تفوّقها التقنيّ على الباكستان؟ لعمري، مصالح ومعايير المنتصرين في الحرب العالميّة الثانية، هي سبب التكريمات (النوويّة) للبعض، والتعتيمات على البعض الآخر، ولا أظنّها بريئةً إزاء ما يتمّ تهشيمه فينا، وفي فنّنا. [email protected] هي فسحة لمقالات ضيوف البوسطة.. نقدم فيها مقالات جادة تشكل بنية لحوار طموح في شؤون الفن في سورية والعالم العربي.. ويدفعنا الأمل بمشاركة كل كتابنا الغيورين على الفن الجميل. ملاحظة: لا تعبر آراء الكتاب بالضرورة عن رأي الموقع.