2012/07/04
ماهر منصور - السفير لن يخيب أمل عشاق رواية «ذاكرة الجسد» للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي من النسخة المتلفزة عن الرواية التي قدمها المخرج نجدة أنزور عن نص كتبت السيناريو والحوار له السيناريست ريم حنا.. فقد جاء المسلسل موازياً لسحر الراوية، سواء بإضافات الكاتبة حنا لخيوط وأحداث جديدة لم تخرج عن الرواية الأم عن شغفها بالحب المستحيل، أو بما أنجزه المخرج أنزور من تشكيل لنص بصري مواز للنص الروائي، امتلك قدرة النص الأصلي ذاتها على جذب المتلقي والعزف على أوتار قلبه.. إضافة إلى أداء الممثلين ولا سيما الممثل جمال سليمان. أخذ الكثير من أحداث المسلسل مــباشرة من الرواية، وكان من الممكن أن يعطي ذلك إحساساً للمشــاهد بأنه سبق وشاهد المسلسل من قبل، أو أن ثمة من يعيد قراءتها له... إلا أن أكثر النــاس قراءة للروايــة وتــذكراً لتفاصــيلها كان كثيراً ما يتابع المسلسل كما لو أنه يكتشــفه لأول مرة، وذلك بــسبب الصنعة الإخراجية له. رغم أن طبيعة الرواية التــي هي بالأســاس نص أفكار، تنــساب عباراتها مغرقـة بالوصف الدقيــق والمعاني الشاعرية كان من شأنها أن تزيد من سطوة النص الروائي الأم على تشكيل الصورة.. وهو الأمر الذي بدا المخرج أنزور متحرراً منه ومن ضغــط شهرة الـرواية.. وهو وإن قدم قراءة عاشقة لأحداث الرواية - المسلسل.. إلا أنه أبدى حساسية تخصه كمخرج في التعامل مع الكلمة حين تركها سلطان الصـورة أحيــاناً، وترك مقدار الإبهار البصــري في هذه الأخيرة أحياناً أخرى (وهو رائده في الدراما الســورية) رهن الدفق العاطــفي الذي تــحمله حوارات أبطال، وهو الأمر الذي نستطــيع أن نتلمسه في المشـاهد التي جمعت بطلة العمل حياة بالشاعر زياد.. أو من خلال تعامـل الكاميرا الخاص مع شخصيتي حياة وخالد في لحظات رصد عوالمها الداخلية وقلقها وحالاتها النفسية.. إضافة إلى طريقة تصوير عدد من المعارك التي خاضها الثوار الجزائريون... وفي الحالتين كان نجدة أنزور يتعامل بواقعية مع النص الذي بين يديه.. ويبعد المسلسل عن رواية أحلام مستغانمي ويقربه منها في آن معاً.. وهو ما أسميناه منذ البداية بالنص الدرامي الموازي للرواية الأم... وهو الشكل - النموذج، برأينا، للتعامل مع النصوص التلفزيونية المأخوذة عن أصول أدبية. النــص الدرامي الموازي للنص الروائــي الأم، يمكن فهمه أكثر من خلال الخيوط الدرامية الجــديدة التي أضافتها الكاتبة ريم حنا فوق أحـداث الرواية الأم. وقد كــانت الإضافات موفقة في كثير من الأحيان في خلق حالة مواءمة وانسجام مع خيوط الرواية الأصـلية كتفاصيل قصة الحب بين فريدة وناصر أخ حياة.. وقد جـاءت تفاصيل تلك القصة في حالة تماه مع قــصة الحب الأســاسية.. وعلى نحو يصعب الفصل بينهما لمن لم يقرأ الرواية.. وفي هذا ابتعاد واقتراب في آن مــعاً من الرواية.. ويبـقى الاخــتلاف بينهما هو اختلاف تقنيات الكتابة الدرامية والروائيــة وما تطلـبها كل منهما.. وهو الأمر الذي أمل أن تكون صــاحبة العمل الروائي مستغانمي متفهمة لآلياته وبالتــالي لا تأخذ من العمل موقف الورثة عندما يتم إنجاز أعمال سيرة ذاتية عمن يرثوه. تبقى نقطتان لا بد من الإشارة إليهما في المسلسل هما أداء سليمان، وقد أبدى قدرة فائقة على فهم طبيعة شخصية خالد.. وما حالة التعب التي تظهر في عينيه أو معالم وجهه إلا دليل على أن جمال فهم أن هزيمة العاشق خالد كانت من الداخل أكثر مما هي العيش في ظل هزيمة معركة وسقوط منظومة القيم عند عدد من رفاقه الثوار. اللغة العربية الفصحى كلغة للمسلسل الدرامي تطرح نفسها كنموذج مبهر ومقنع في «ذاكرة الجسد» (مع اعتراض على الأخطاء اللغوية فيها)، وتعيدنا بقوة إلى سجالات اعتماد الفصحى والعامية في الأعمال الدرامية وأي منهما أقدر على إيصال أفكار الشخصية الدرامية وحرارة مشاعرها.. ولعل نموذج «ذاكرة الجسد» يبدو مشجعاً لتبني اللغة الفصحى بشكل كامل أو حتى مطعمة ببعض مفردات اللهجة العامية كما حصل في «ذاكرة الجسد» التي طعمت بمفردات من اللهجة المحلية الجزائرية.. إلا أنه لا بد من التنبيه أن جدوى استعمال تلك اللغة يكمن في طبيعة النص ذاته.. فالمدقق في حوارات شخصيات «ذاكرة الجسد» سيكتشف استحالة تقديمها باللغة العامية، لا لصعوبة فهم اللهجة الجزائرية، وإنما لأن استعمالها كان من شأنه أن يفقد الكثير من المعاني حرارتها.. والكلام على هذا النحو يعني أن حسم اللغة المعتمدة في العمل الدرامي لا بد أن ينطلق أولاً من طبيعة النص الدرامي وحوارات أبطاله..