2012/07/04
علا محمد – دار الخليج قدمت الدراما السورية الجديدة المعروضة حالياً فكرة عما تتضمنه من موضوعات خلال الحلقات التي عرضت منذ بداية شهر رمضان . إلا أنه، وللأمانة، وكي توضع الأمور في نصابها، يمكن القول إنها “فشلت” في تقديم الجديد المنتظر الذي وعد به القائمون عليها بعد روتين العامين الماضيين والتكرارات الكثيرة التي وقعت، فجاءت الصورة واضحة، جلية، بأنها فوتوغرافية عما تم تقديمه في الموسمين الرمضانيين الأخيرين . لعل أبرز ما يمكن الإشارة إليه، ما دمنا في مرحلة البدايات، هو موضوع الأفكار التي تضمنتها المسلسلات التي تجاوزت الثلاثين والتي خلت تماماً من أطروحة غير مطروقة في السابق, فالمسلسلات الاجتماعية جاءت لتكرس المجتمع بصوره الباهتة، المخزية، الخالية من أي خيط أبيض، حتى يخيل إلى المشاهد العادي، أو المتخصص، على السواء، أننا نعيش في مجتمعات الكاوبوي والعصابات حيث لا قانون ولا التزام ولا احترام للآخر . أما المسلسلات البيئية التي طرحت لهذا العام، فجاءت نسخة طبق الأصل عن سابقاتها، تتبنى فكرة تطهير الماضي من أي رجس حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة، فما زال الحديث عن مجتمع دمشقي جاهل، منغلق، في فترة ما قبل العقود الثمانية الماضية، سائدة، بهدف تكريس فكرة الأخلاق، وكأن الانفتاح والعلم والمعرفة على تناقض أو حرب مع الأخلاق والمبادئ . ومع كثرة المسلسلات التي تحاكي دمشق، تبدو العاصمة السورية اليوم، ووفق ما قرأه أبناؤها في أسفار كتبت في الثلاثينات من القرن الماضي، تبدو على خلاف مع تاريخها حسب ما تراه على الشاشة . أما المسلسلات التاريخية التي تعرض من إنتاجات الدراما السورية، فلا يمكن الحديث عنها فكرة، لأنها تشبه السيرة الذاتية لمرحلة وقعت فيها أحداث تم توثيقها، وبالتالي فإن كل ما يتم عرضه إعادة قراءة للتاريخ، لا علاقة للكتاب في القصة الآتية من أفكار التاريخ وليس أفكارهم . أما أبرز المشاهدات التي تم رصدها في الدراما السورية خلال الأسبوع للعرض ويتحمل مسؤوليتها المخرجون، فقد تم تلخيصها بالتالي . مسألة مشاركة الفنان في أكثر من عمل واحد في الوقت نفسه تعطي علامات سلبية لهذه الدراما، إذ إن الممثل الذي يشارك في عمل ويتوجه للمشاركة في عمل آخر، يبقى في الثاني على وضعه نفسه الذي كان عليه في الأول، والأمثلة على ذلك كثيرة وأهمها على الإطلاق، الشكل الذي ظهرت فيه الممثلة ضحى الدبس في أربعة مسلسلات اجتماعية تعرض في وقت واحد، ففي المسلسلات الأربعة تلعب الدور نفسه، دور الأم، الأم المسحوقة، المغلوبة على أمرها، تظهر بالشكل والهندام والمكياج نفسه، بالحالة النفسية المتردية نفسها، تشكو أمرها في المسلسلات الأربعة بالعبارات والكلمات نفسها وتناجي ربها المناجاة نفسها، تظهر ب “الكركتر” ذاته حتى أن المشاهد الذي يشاهدها في مسلسل “وراء الشمس” على سبيل المثال ثم ينتقل مباشرة إلى مسلسل “الخبز الحرام” يظن أنه لا يزال في المسلسل الأول، وينطبق الأمر نفسه عليها في مسلسلي “الصندوق الأسود” و”لعنة الطين” . وكذلك من يشاهد الممثل أيمن رضا في “أسعد الوراق” ثم ينتقل ليتابعه في “أهل الراية” سيتابع شخصيته نفسها في المسلسل الأول، سيما أنه يشارك في العملين بالشخصية والدور نفسيهما، ونفس الشعر واللحية وحطة الرأس واللباس، رغم الفارق الزمني الممتد لأربعين عاماً بين الفترتين اللتين يتحدث عنهما العملان . أما النجم عباس النوري، فإن المخرجين، على ما يبدو، اختاروا له اللهجة الشامية التي ميزته في مسلسل “باب الحارة” ليأتوا به إلى أعمال اجتماعية معاصرة لينطق باللهجة نفسها التي لا تناسب إلا الحارة الشامية القديمة، وعلى ذلك لم يخرج النوري من عباءة اللهجة الشامية حتى لو شارك في عمل يتحدث عن سورية في عام ،2050 وحول ذلك، على المخرجين أن ينتبهوا إلى أن العمل المعاصر يجب أن يتحدث باللهجة السورية العامة . وكذلك فإن عباس النوري، وللعام الثاني على التوالي يظهر في مسلسل اجتماعي معاصر بالهيئة نفسها، ففي العام الماضي برز في مسلسل “شتاء ساخن” بدور “وكيل”، وفي هذا العام يراه الجمهور بالشخصية والوجه والشعر والماكياج واللهجة والسلوك نفسها مع تغيير الزمان والمكان والاسم فقط . ومن أبرز الصور التي على الدراما السورية وعلى الرقابة التنبه إليها، هو مسألة الصدقية في نقل الشؤون الداخلية للبلد، وبخاصة فيما يتعلق بالأمور القانونية التي تعرف سورية بالتشدد حيالها . لكن ما حصل في مسلسل “الخبز الحرام” في الحلقة الأولى منه، هو أن مشكلة بين طرفين في قسم الشرطة، احتاج الضابط إلى إثبات أن المرأة التي كانت مع راتب (عباس النوري) هي زوجته، فقام راتب بالتحايل على الشرطة لإثبات أنها زوجته، من خلال اتصالين بصديقين له غير معروفين أكدا للضابط أن فلانة هي زوجة راتب، فاقتنع الضابط في مشهد غير مقبول حتى في الكوميديا، وذلك أن القوانين والإجراءات الخاصة في سورية فيما يتعلق بقضايا كهذه، تبدو متشددة إلى الحد الذي يجعل من المشهد الدرامي الذي عرض في المسلسل، إساءة إلى القوانين في البلد . ولأن ما عرض في الدراما قبل سنوات لا يمكن أن يمحى من الذاكرة بالتقادم، فإن تصوير شخصية من التاريخ في عمل سوري عرض عام 2006 وتجسيدها بشكل هزلي كوميدي، ثم عرضها عام 2010 في مسلسل آخر بصورة واقعية لها أبعادها، أمر لا يجوز تجاهله، ففي مسلسل خالد بن الوليد الذي عرض قبل أربع سنوات تم تقديم شخصية “مسيلمة الكذاب” الذي ادعى النبوة بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، تم عرضها بشكل هزلي لرجل أحمق، غبي، شهواني، يوجه أتباعه من خيمة يجلس فيها وهو يداعب النساء فيخبرهم بأنه ينتظر في هذه الخيمة مجيء (جبريل عليه السلام) ليوحي له بما يفعل، وقد جسد شخصيته آنذاك ممثل كوميدي هو أندريه اسكاف، فيما الآن وفي مسلسل “القعقاع بن عمرو التميمي” رضي الله عنه، يبدو مسيلمة الكذاب رجلاً من الدهاة، بليغ اللسان، لديه قدرة على إقناع البعض بأكاذيبه المحصنة بمفردات تؤتي أكلها في مخيلة البعض، وأسند الدور هذه المرة إلى ممثل واقعي، هو عبدالرحمن آل رشي . ولنا هنا أن نسأل عن أندريه اسكاف الذي ظهر بدور مسيلمة وعمره قرابة الأربعين، وبين آل رشي الذي ظهر بالدور نفسه وعمره تجاوز السبعين، فكم كان عمر مسيلمة عندما ادعى النبوة . تلك صور مختصرة عن عشرات الصور التي تم رصدها خلال الحلقات التي عرضت حتى الآن، واختصارها إلى هذا الحد، هو من كون الحديث هنا يأتي بصورة عامة عن الدراما، وعندما نأتي على كل عمل على حدة، فإن الثغرات في الدراما السورية اليوم، ستكون أكثر .