2012/07/04
يارا بدر –القدس العربي يحتار المشاهد ما سيُتابع من مائدة رمضان الدرامية كُلّ عام، وهناك الأصناف المصرية والخليجية والسورية بالتأكد. ومن جهتهم، يتفاءل صناع هذه الدراما والعاملون فيها كلما زاد العدد وتنوّعت الطروحات، خاصة في سورية التي وعلى عادتها، امتلكت الكثير من المواهب والطاقات من جهة الكتاب والمخرجين والممثلين، إلى جانب طاقمها الضخم من ذوي الخبرات الفنية، لكنها وعلى عادتها أيضاً لم تمتلك منهجاً لدعم طموحاتهم وبناء صناعة مستقلة بالدراما السورية تكون ذات خطة واضحة، تحميها وتدفعها للإمام. فانطلقت الدراما السورية قبل زمن بدعمٍ من التمويل الخليجي، واستمر الحال في تصاعدٍ كمّي ونوعي حتى وقع شبه خلاف سياسي بين السوريين والخليجيين وامتدَ موجهُ ليُبللّ الساحة الدرامية، فاستيقظ السوريون على واقع أزماتهم الدرامية المتتالية، وبدأ العمل في محاولة جادة للخروج منها. اليوم في رمضان 2010 تقدّم الدراما السورية أكثر من ثلاثين عملاً درامياً، قليل منها لصالح مديرية الإنتاج الدرامي السورية، وأغلبها لصالح المحطات والفضائيات الخليجية، وهذا البعض الثاني هو الذي يتميّز بضخامة الإنتاج وجودة التوزيع على محطات العرض. فنتساءل مجدداً عمّا أنجزناه في فورتنا الماضية التي كشفت لنا سوء وضع الدراما السورية، من حيث أنّها مهددة دوماً بسطوة المنتج والموزّع الخليجي. غربة الفنانين السوريين ليست بالجديدة، بل هي ساحة تنافسية بين من فاز بأكثر من مشاركة في الدراما المصرية، ومن نجح بعملٍ في الدراما الخليجية، ودافعهم الدائم لهجرانهم الدراما السورية، يكمن في الأجر المالي المُذهل الذي يتلقونه في دول الخليج وتحديداً قطر ودبي، بينما كانوا يفتقدونه في سورية. حتى أنّ مخرجاً حقق اسماً باهراً في صناعة الدراما السورية من طراز المخرج حاتم علي يغيب لأكثر من عام عن الدراما السورية. باستثناء مسلسله البدوي 'صراع على الرمال' الذي تابعناه العام المنصرم، وانتظرنا إلى اليوم لنتابع عمله البدوي الجديد 'أبواب الغيم'. أمّا ما بينهما فقد تفرّغ علي لتحقيق المشروع الفني الأضخم بالنسبة لأيّ مخرج، ألاّ وهو السينما، فاشتغل فيلمين روائيين طويلين، هما 'سيلينا' و'الليل الطويل'. علماً بأنّ الفيلم الثاني لم يُعرض حتى الآن في سورية، وذلك لأسباب رقابية تقص وتلغي كل ما يتحدث عن مُعتقلي الرأي. في مقابل هذا التهميش الفني للأسباب الرقابية، يجد علي وكل من معه في 'أبواب الغيم' دعماً مالياً يصل حدود بناء قرية كاملة صممت خصيصاً للعمل في منطقة 'دير علي' قرب العاصمة دمشق، ويؤمن له ما يريده من المجاميع البشرية الضخمة المستعدة للعمل المتواصل طوال اثنتي عشرة ساعة، إلى جانب الخيول المُدرّبة ومُستلزمات مشاهد الحرب والإكسسوارات والملابس وسواها، بل وينقل بكل سهولة ويسر كل من يرى المخرج ضرورة حضوره إلى مختلف مواقع التصوير التي امتدت من دبي إلى المغرب وصولاً إلى دمشق. لكن ما هو مسلسل 'أبواب الغيم' ذو الإنتاج الضخم، الذي لم يُصرّح عن ميزانيته بشكل نهائي حتى الآن؟ كتب سيناريو وحوار المسلسل المأخوذ من أشعار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الكاتب عدنان العودة، وتنتجه شركة 'صورة' للمخرج حاتم علي بالتعاون مع مدينة دبي الإعلامية، على أنه يُعرض حصرياً على قناة 'دبي'. أمّا للجهة الفكرية فيقدّم العمل ما يريده المنتجون، ألا وهو صورة ملحمية عن حياة الإنسان البدوي، كما عاشها في شبه الجزيرة العربية، هذه الحياة التي تشكّل ماضي وتاريخ مواطني الخليج قبل اكتشاف البترول واللؤلؤ في دبي، وسواها من دول وإمارات الخليج العربي. حيث يعرض المسلسل مقوّمات الحياة الأساسية اليومية والاجتماعية والاقتصادية التي حكمت تلك المنطقة من أواخر القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين، أي على مساحة زمنية تمتدُّ قرابة السبعين عاماً، في خط درامي لا يمكن للمسلسلات البدوية أن تعرف سواه، ألا وهو الصراع العاطفي والانتقام وتعقيدات الحياة بين القبائل المتعايشة على ذات الرقعة الجغرافية، إلى جانب تأثّرها - في هذا العمل تحديداً- بالقوى الجديدة في المنطقة من الأتراك والإنكليز. فهناك الجميلة 'صبحة الحفيانة'- قامت بالدور الممثلة سلافة معمار- التي يتصارع على حُبها كل من عبد المحسن النمر بدور 'مجول' وقصي خولي بدور 'غازي'، وتطوّر حياتهم عبر سبعة عقود تضمُّ ثلاثة أجيال كاملة، ضمنت مشاركة أسماء عدّة من نجوم الدراما السورية من غسان مسعود بدور كبير القبيلة إلى أندريه سكاف ونادرة عمران ووائل نجم وسواهم.. بالنظر إلى كافة هذه العناصر الغنية من الإخراج الذي يقوده أحد أهم مخرجي الدراما إلى الإنتاج الضخم والممثلين المتميزين، وصولاً إلى العناية بمواقع التصوير المبنية خصيصاً للعمل، وليس انتهاء بالسيناريو الملحمي والأشعار التي لا غنى عنها في الحديث عن البيئة البدوية... بالنظر إلى كل هذا لا يمكننا سوى توقع الأفضل، لكنه الأفضل بالنسبة للدراما البدوية تحديدا، التي ابتعدت عنها المسلسلات السورية منذ عقود، لابتعاد الحياة العامة عن ذلك النمط المجتمعي، ولمحدودية الخيارت الدرامية التي يمكن البحث فيها. لكن الأهم من ذلك كله وربما بسبب ذلكً لا نستطيع القول عن 'أبواب الغيم' بأنه عمل سوري، بل إنه دراما خليجية حيث أنّ إنتاجه خليجي وموضوعه كذلك. مع ذلك نشك في متابعة الجمهور السوري وحتى العرب غير الخليجيين لأعمال بدوية كهذه، بالقياس إلى مسلسل متواضع الإنتاج، سوري بأكمله، وهو المسلسل الكوميدي 'ضيعة ضايعة' من إنتاج شركة 'ساما' السورية وبتوقيع الليث حجو مخرجا، عن سيناريو الكاتب محمود حمادة، الذي يعتبره البعض (فخر الصناعة الوطنية). وبالطبع نحن لا نقصد المقارنة في طرحنا هذا، وندرك عبثيّة المقارنة بين الدراما البدوية والكوميديا الاجتماعية الساخرة، لكننا قصدنا السؤال حول ماهيّة الدراما التلفزيونية بشكلٍ عام. وماهية صناع هذه الدراما؟ ودور الإنتاج الضخم بكل مُغرياته، وميّزاته في استيلاد الدراما من رحم الصحراء القاحلة؟ لأن الحياة البدوية شئنا أم أبينا تبقى فقيرة بمعطياتها وتكويناتها، ونحن ندرك أيضا أن حاتم علي مخرج ماهر وفنان بارع، قدم صورة متميزة وملحمة غنية بصراعات الإنسان مع شرطه الصحراوي ومع نظيره الذي ينافسه على المياه والكلأ والنساء أيضا. لكنها صراعات أصبحت خارج الزمان والمكان، وخارج حياتنا الأغنى والأجمل، وهذا كله يدفعنا للقول اننا خسرنا حاتم علي باعتباره أهم مخرجي الدراما السورية.