2012/07/04
ابراهيم العريس - الحياة ليس من السهل على المرء أن يعرف إلى أيّ من مسلسليه الجديدين المعروضين في هذا الموسم الرمضاني الجديد، يميل نجدت أنزور أكثر: الى مسلسل «... وما ملكت أيمانكم» أو الى «ذاكرة الجسد». وحتى اليوم، على رغم عرض أكثر من ثلث حلقات كل من المسلسلين يحار المرء المتفرج، بدوره، في معرفة أيّ من العملين يجذبه أكثر... بل يستفزه أكثر، مع العلم أنّ الاستفزاز هنا هو المطلوب لأن العمل الفني، أي عمل فني، لا تكون له قيمة كبيرة إن هو لم يستفز متفرجه، وعياً وأحاسيس وانشغال بال. والحقيقة أن لعبة الاستفزاز المبدع هذه، لعبة يتقنها انزور بشدة... ولم يشذ لعبه لها هذا العام، في شكل مزدوج، عن لعبه لها دائماً: غير أن المجال هنا لا يتسع للولوج في مزيد من التفصيل، الذي ربما يكون مكانه في فرص لاحقة. أما هنا فنود فقط الاشارة الى أمر لا يقل أهمية بالنسبة الينا. أمر يتعلق بما ننادي به دائماً من أن الوقت قد حان للمزج الخلاق بين لعبتي السينما والتلفزيون. وفي يقيننا ان مقارنة أولية بين عملي أنزور الجديدين تتيح الإطلال على قضية المزج هذه. ونسارع طبعاً الى القول هنا بأن هذا الرصد لا يزال أولياً مبنياً على مشاهدة الحلقات الأولى من كل مسلسل من المسلسلين الانزوريين الجديدين. فالحال أن اول ما يمكننا رصده هنا هو قوة التعبير السينمائي التي تتجلى في «ذاكرة الجسد»، مقابل الاكتفاء ببساطة اللغة التلفزيونية في «... وما ملكت أيمانكم». فبالنسبة الى اقتباس رواية أحلام مستغانمي الشهيرة التي تلقى حظوة طيبة لدى القارئ العربي العادي، أدرك انزور منذ البداية انه امام نص من الصعب أفلمته، وأفلمته خاصة للتلفزيون، طالما أن الرواية تعتمد ما يسمى «تيار الوعي» وتقوم على المشاهد الحوارية التي تبدو للحظات وكأنها لا تنتهي. وكل هذا على موضوع تفقأ عاديته العين ما جعل الرواية تتكئ - الى عنوانها الاستفزازي - على حربين عزيزتين على العربي (الجزائر وفلسطين)، ناهيك باتكائها على الأبعاد الجنسية التي يصعب ترجمتها مشاهد تلفزيونية... وكل هذا لا بد ان نقول انه يبدو مقحماً على الموضوع الأساس (حكاية الغرام بين الفتاة والرسام) إقحاماً. ومن الواضح أن ادراك أنزور محدودية الموضوع وصعوبة أفلمته في شكل مقنع، هو الذي جعله يستند الى ما هو شديد الجاذبية، في المسلسل لا في الرواية طبعاً: لغة سينمائية شديدة القوة، في كل لقطة وحركة للكاميرا، وأداء ضمن الحدود القصوى قدمه المتميز جمال سليمان، والجديدة المدهشة أمل بوشوشة. فملآ الشاشة حياة وقوة تعبير كانتا كافيتين لتحويل رواية مستغانمي التقليدية الى عمل فني طليعي... في المقابل لم يحس انزور كما يبدو، في «... وما ملكت أيمانكم» بهذه الحاجة الى استنفار لغة سينمائية (مكنته منها على اية حال ضخامة الانتاج التي أتيحت لـ «ذاكرة الجسد») مكلفة ومتعبة، طالما أن الموضوع هنا قوي يقدم نفسه بنفسه والشخصيات مرسومة بقوة تكفي ذاتها بذاتها... فقدم عملاً تقوم قوته في مضمونه، مقابل عمل آخر تقوم قوته في لغته، اللغة التي نشير فقط هنا الى جدّتها التلفزيونية المطلقة... في انتظار مناسبة اكثر ملاءمة للتوسع في هذا الأمر.