2012/07/04
ابراهيم توتنجي- البيان حين أقدم تلفزيون دبي على إعادة انتاج الدراما السورية التي قدمت في منتصف سبعينيات القرن الماضي »أسعد الوراق«، وتقديمها في رمضان الحالي في نسخة جديدة مفصلة و»ملونة«، مع طاقم عمل جديد، لم تنطو خطوته على كثير من التحدي فحسب، بل على »مغامرة« حقيقية، يبدو أنها كللت بالنجاح، إن أجزنا لأنفسنا تقييم العمل من الحلقات الأولى. في الزمن الماضي، الذي لم يكن المشاهد الخليجي أو المغاربي يعرف الكثير عن الحارة الشامية، كانت قصة صدقي اسماعيل، المأخوذة عن مجموعته القصصية »الله والفقر«، حديث الناس في سوريا، ومن كان يتسنى لهم التقاط بث التلفزيون السوري. هال الجمهور والنقاد أداء هاني الروماني، ووصفوه بالشكسبيري، دلالة على تعمقه في أداء شخصية أسعد »الدرويش«، الذي يعرفه أهالي الحارة طيبا، طفلا بجثة كبيرة، ليكتشفوا أن بوسعه أن يلعب دور أقوى الرجال حين يتعلق الأمر بمحاربة الطغيان. وثق العمل في ذاكرة الدراما السورية، وشكل على مدى سنوات، وحتى منتصف الثمانينيات »عقدة« لدى مبدعي الدراما الشامية، أو »مثلا« يريدون الاقتداء به. أصبح أسعد الوراق، الذي أخرجه علاء الدين كوكش وقامت بدور الخرساء فيه منى واصف، الى جانب الروماني، أيقونة الدراما السورية التي انقضى وقت طويل قبل ان تمس. قدم كوكش، آنذاك، تجربة اخراجية متطورة لما كانت عليه الدراما، وكان النقاد يتحدثون عن لقطاته وكادراته وإدراته لممثليه، كمن صنع »فتحا«. ثم مضت السنون ال53 سريعا. كبرت منى واصف، وهرم الروماني، قبل أن يتوفى، وجاء جيل جديد يريد أن يعرف سيرة البطل الوراق، وتحمس تلفزيون دبي مع شركة عاج لانتاج النسخة الحديثة، وجعلها في ثلاثين حلقة برؤية جديدة، تستند بالطبع الى قصة صدقي اسماعيل الأصلية. جاءت رشا شربتجي لتقول إنها خارج المنافسة. لا تعيش في عقدة المخرج الأول، تقدم فكرها، زوايا كاميراتها، اضاءة الأزقة والمطحنة والمخزن، تشويق الفلاش باك وحركة الشخصيات، وقبل ذلك كله إدارة الأداء التمثيلي. فخلال عقود ثلاثة ونيف، نضجت التقنيات وأصبحت الامكانات الانتاجية أكثر توافرا، وعلى شربتجي أن تستفيد من ذلك كله لتقديم مقاربة جديدة مختلفة، وتطوع تلك الامكانات في خدمة الصورة والممثل. تيّم حسن هو الوراق الجديد. لا حاجة للكتابة عن موهبة الرجل الماضي بابهار الجمهور العربي بأداء أصعب التركيبات النفسية وتلبس أثواب أكثر الشخصيات اثارة للجدل والاعجاب (قبل الوراق الملك فاروق ونزار قباني). كتب الكثير عن موهبة تيّم، والاضافة تبدو ضربا من المزايدة على المادحين، الصادقين بطبيعتهم (لديه موقع باسم عشاق تيم على الانترنت). لكن مراقبة أولية لأدائه في الشخصية الجديدة، تضع المشاهد في السؤال التقليدي عما اذا كان قادرا على الامتثال الى رؤية المخرج، أم ينفذ فقط »ما في رأسه«. تيم حسن يمثل بعينيه، حين ينكسر الوراق الذي واجه عالما عصيا على فهمه، بتعابير الوجه، حين تأخذه الشهامة لانقاذ مناضل جرحه رصاص الانتداب الفرنسي في سوريا العشرينيات. وبصوته الذي يختفي ومعه الحروف، كما هي لهجة المهمشين الضعفاء. »أسعد الوراق«، مجددا، يستحق المشاهدة يوميا الحادية عشرة على تلفزيون دبي، ويستحق، بالتأكيد، تحية لصناعه.