2012/07/04
5 حواس- البيان أُغلقت أمامهم بلاتوهات التصوير بمجرد أن أجبرهم المرض على الابتعاد عن الأضواء التي عاشوها عن جدارة، وكانوا يوما ما ملء الأسماع والأبصار، يُضحِكون ويُمتعون الجماهير، إلا أنهم من خلف ستار العزلة يصبُّون غضبهم على زملاء الكفاح الذين ولَّوهم ظهورهم، فظلوا يعانون الوحدة والفقر والشيخوخة والمرض.. فهل يمكن نسيان جورج سيدهم، محمد أبو الحسن، المنتصر بالله، رأفت فهيم، سيد زيان، ونظيم شعراوي؟.. تقدم بعضهم في السن، وأصاب البعض الآخر المرض، لكن حتى من يتمتع منهم بالصحة والشباب يُعاني العزلة الإجبارية والتجاهل المتعمَّد من زملاء التمثيل ومنتجين ومخرجين، الأمر الذي يثير التساؤل حول لغز تجاهل الفنانين بعضهم لبعض..هل هو الجحود الإنساني أم أنها ظاهرة يتفرد بها الوسط الفني في مصر؟ فعندما يقع الفنان أسيرا للمرض يكون ألمه مضاعفا وأشد مرارة من الدواء الذي يتجرعه؛ بسبب جحود زملائه الذين لا يفكر أي منهم في مد يد العون باستثناء عدد قليل منهم، ما يدفع هذا الفنان إلى أن يعاني وحده في الظل وطأة المرض محاصرا بعلب الأدوية وذكريات أيام مضت. أبو الحسن يتسوَّل ومن هؤلاء الفنانين الذين انحسرت عنهم الأضواء وراحوا يتسوَّلون أدوارا صغيرة في الدراما التلفزيونية والسينما الفنان محمد أبوالحسن الذي ظهر في كل احتفالية فنية قبل 3 سنوات متشحا بملامح المرض والإرهاق والتقدم في العمر، معلنا أنه صار يحمل لافتة مكتوب عليها «محمد أبو الحسن فنان سابقا.. متسوِّل حاليا»، ما يُنذر بكارثة على المستوى النفسي بعد أن افتقده الجمهور منذ سنوات عدة وقت أن تسلل إليه المرض في بداية تسعينات القرن الفائت؛ حيث فوجئ أثناء عمله بإجهاد شديد وتم نقله إلى المستشفى، واتضح أنه يعاني مشاكل عدة في القلب، فسافر إلى باريس لإجراء جراحة عاجلة لتغيير 7 شرايين، وتكفَّلت الفنانة سهير رمزي بسداد تكاليف الجراحة. لكنه فوجئ بانتكاسة أخرى بعد إصابته بجلطة في المخ، وظلت حالته تسوء يوما بعد يوم حتى أصبح يعاني من 10 أمراض على الأقل، وعلى الرغم من كل ذلك كان يصر على المشاركة في أي عمل ولو بدور صغير لا يتناسب مع تاريخه الفني، إلا أنه فوجئ بالجميع يتعاملون معه بمبدأ المهزوم من المرض والبعيد عن العين والقلب، وتجاهلوه وأغلقوا الأبواب في وجهه. في الوقت الذي كان في أشد الحاجة إلى المال للإنفاق على الأدوية التي تتكلف مبالغ باهظة، وتوقع كثير من زملائه أنه قد فارق الحياة، لكن ظهوره مع الإعلامي معتز الدمرداش في برنامج «90 دقيقة» وضع الجميع في موقف حرج، خاصة وهو يبكي على أيام تألقه التي تعاون فيها مع فنانين كبار أمثال عادل إمام، محمود ياسين، وفاروق الفيشاوي، الذين رفضوا مساعدته ولم يكلفوا خاطرهم بالسؤال عنه طوال 10 سنوات كاملة. عودة شويكار ولم يكن محمد أبو الحسن الفنان الوحيد الذي تناساه الوسط الفني لمرضه، بل إنهم تناسوا نجمة كبيرة في كامل صحتها وقدرتها على العطاء الفني وهي النجمة شويكار، التي أنقذها المخرج خالد يوسف في الوقت الضائع من الآلام النفسية التي كادت تقضي عليها بعد تجاهلها سنوات عدة. ولم يُسند خلالها أي دور حتى قرر خالد أن يستعين بها لأداء دور في فيلم «كلمني شكرا» بعد غياب 15 عاما، وكانت سعادة شويكار بعودتها للأضواء مرة أخرى بعد سنوات الوحدة بمثابة طوق نجاة لها، فشعرت أن أمجادها تعود مرة أخرى. وهي تعطي كل ما عندها كما فعلت مع الراحل فؤاد المهندس عند قيامهما بتكوين أول ثنائي كوميدي ناجح في السينما المصرية، لكنها في الوقت ذاته تعترف أن السينما والفن بصفة عامة يدور دائما في فلك الشباب. وأن العثور على فرصة عمل في الأعمال السينمائية صعب للغاية، إلا أن الدراما هي التي تستقطب المراحل العمرية المختلفة بحفاوة؛ حيث تشارك شويكار هذا العام النجمة ليلى علوي في مسلسل «فتاة العاشرة» من الجزء الثاني من مسلسل «حكايات وبنعيشها».. قائمة طويلة وفي قائمة الانتظار يقف الفنان المنتصر بالله الذي كان عاني أيضا من جلطات عدة جعلته يفقد ثروته ويعيش على مساعدات بعض أقاربه، بعد أن تجاهله زملاء مشواره الفني، على الرغم من أن الله منَّ عليه بالشفاء جزئيا، إلا أن التجاهل كان السمة الرئيسية المميزة للوسط الفني؛ حيث جلس في المنزل منذ العام 2007 وحتى بداية 2010 بلا عمل. ولم يفكر أحد من المنتجين أن يعرض عليه دورا صغيرا يستطيع من خلاله تسديد ديونه والإنفاق على بناته، بعد أن تراكمت عليه الديون وباع كل ما يملك، ولم يعد لديه سوى الشقة التي يسكنها وبعض الأجهزة الكهربائية البسيطة، لكنه قهر المرض وبدأ يخرج من عزلته، فكان أول ظهور له في المركز الكاثوليكي عندما كُرِّم مع النجمة ليلى علوي، وأعلن خلال الحفل لوزير الإعلام المصري أن الأزمة المرضية التي تعرَّض لها لم تأخذ منه وأنه عاد إلى طبيعته، لكنه لن يتسوَّل الأدوار. وشعر وقتها وزير الإعلام أن المنتجين والمخرجين تجاهلوا المنتصر بالله كثيرا، وبمجرد أن انتهى الحفل فوجئ باتصال من المخرج محمد عبدالحكيم التونسي يطلب منه المشاركة في مسلسل «الصيف الماضي»، وأسند إليه دورا محوريا، فشعر وقتها أنه يعود إلى الحياة من جديد، وتمنى ألا ينساه زملاؤه مرة ثانية حتى لا يقع في أزمة صحية جديدة، واعتبر أن هذا العمل فاتحة خير عليه حتى يستطيع استكمال المشوار مع بناته الصغار. تجاهل متعمد أما الفنانة إيمان الطوخي التي تعد من جيل الوسط، فلم تسلم من تجاهل النجوم والنقابات الفنية، على الرغم من أنها لا تعاني أي مرض، كما أنها قادرة على العطاء الفني؛ حيث ظل التجاهل لمدة 17 عاما ولا يزال مستمرا، ما يؤكد أن التجاهل في الوسط الفني لا يعترف بسن معينة، لكن من الممكن أن يوجه إلى فنان شاب أو فنان متقدم في العمر، فالكل أمام التجاهل سواء. يذكر أن الفنانة إيمان الطوخي قد أعلنت اعتزالها الفن في العام 2002، لكن كثيرين أقنعوها بالعدول عن قرارها، إلا أن حزنها على الفن وما جرى له على يد من أساؤوا إليه - حسب قولها - زاد في ابتعادها أكثر. أم بدوي وربما لا يتذكر كثيرون هذه الفنانة التي تركت أثرا كبيرا في الفن المصري منذ ظهورها في العام 1945 في أول أفلامها «مبروك عليك»، إنها الفنانة سميحة توفيق التي شاركت في 60 فيلما، ولمعت في أدوار عدة، وكان آخر أفلامها «الملائكة لا تسكن الأرض» في العام 1995. لكن مشاركتها في مسرحية «ريا وسكينة» لاتزال عالقة في أذهان الجمهور بجملتها الشهيرة تعريفا بشخصيتها في المسرحية «الهبلة الحمارة أم بدوي»، فسميحة توفيق بلغت حاليا من العمر 90 عاما، وتعيش في إحدى العمارات القديمة في منطقة شبرا بعد وفاة شقيقها عازف الإيقاع إبراهيم توفيق، الذي كان يتولى رعايتها، لكن جيرانها حاليا يقومون بالمهمة، ولاتزال تتمتع بذاكرة قوية خاصة فيما يتعلق بتاريخها الفني وذكرياتها مع هند رستم، تحية كاريوكا، الملك فاروق، وإسماعيل ياسين. «فوت علينا بكرة» أما الفنان رأفت فهيم الذي اشتهر بعبارة «فوت علينا بكرة يا سيد» والتي كان يقدمها في الإذاعة باستمرار من خلال برنامج شكاوى المستمعين «همسة عتاب»؛ حيث ظل لسنوات طويلة يؤدي شخصية الموظف البيروقراطي، وقد شارك الفنان رأفت فهيم في الكثير من الأفلام السينمائية منها «أمير الانتقام»، «أجازة نصف السنة»، «أهل القمة»، «أريد حلاً». وأخيرا «إسكندرية كمان وكمان» في العام 1990، علاوة على تجسيده شخصية «عم شكشك» في مسلسل الأطفال الشهير «بوجي وطمطم»، إلا أنه يعيش حاليا مع أحد أبنائه في شقة صغيرة بشارع نادي الصيد بحي الدقي، ولا يسأل عنه أحد من زملائه؛ لذلك يفضل ألا يشاهد التلفزيون منذ سنوات ويكتفي بقراءة القرآن والصحف اليومية فقط، كما يبتعد في قراءته للصحف عن صفحات الفن حتى لا يتابع أخبار مَن تناسوه عمدا، فقد دخل في الفترة الأخيرة في حالة فقدان للبصر، وساءت صحته بشكل كبير. شادية والمعتزلات وعلى الرغم من ذكر عدد كبير من الفنانين المعتزلين، إلا أن الراقصة المعتزلة سحر حمدي لا يعلم أحد مكانها حاليا بعد أكثر من 15 عاما من ارتدائها الحجاب، فقد ظهرت مرة واحدة في أحد البرامج على قناة «اقرأ»، إلا أن هناك بعض الأخبار وردت عن موتها ودفنها في مقابر الصدقة بأكتوبر. بينما أكدت إحدى المقربات منها أنها لاتزال على قيد الحياة، لكنها تعاني هشاشة العظام وتآكل الغضاريف ولا تجد ثمن الدواء، وتقوم الفنانة المعتزلة شادية بزيارتها، وكلفت إحدى السيدات بمتابعتها وشراء الأدوية اللازمة لها، وذلك من خلال مبلغ مالي ترسله إليها أول كل شهر. ولم تكن الراقصة سحر حمدي الوحيدة التي تشملها الفنانة شادية برعايتها؛ حيث تتولى أيضا مسؤولية الراقصة المعتزلة نعمت مختار، بعد أن تجاهلها الجميع وتركوها متسوِّلة في الشوارع على الرغم من أن تاريخها الفني بدأ العام 1954 في فيلم «الآنسة حنفي»، وأنهت مشوارها العام 1973 في فيلم «حمام الملاطيلي»، علاوة على أنها قامت بإنتاج فيلم «المرأة غلبت الشيطان»، لكنها فقدت أموالها وأصبحت على فيض الكريم. أدعية سيد زيان وإذا كانت الراقصتان سحر حمدي ونعمت مختار قد عثرتا على من يرعاهما، فإن الفنان سيد زيان الذي أضحك الدنيا بخفة دمه يجلس وحيدا على سرير المرض يبكي بعد أن أُصيب بجلطة في المخ منذ 8 سنوات تقريبا أدت لإصابته بشلل تام، وبالرغم من أنه ليس في حاجة إلى من ينفق عليه، لكنه يتمنى أن يتصل به زملاؤه من الوسط الفني من أجل أن يُعيدوا إليه الثقة في نفسه، لكنه قرر أن ينتصر على مرضه ويقوم بتسجيل أدعية دينية بصوته. أيضا، يرقد حاليا الفنان جورج سيدهم يعاني من وحدته ومرضه، فلا يسأل عنه أحد باستثناء ما جرى في يوم عيد ميلاده الذي فاجأه فيه بعض زملائه بحضورهم، الأمر الذي كان له عظيم الأثر في نفسه، إلا أن صديقه المقرب الذي لازمه رحلته الفنية الفنان سمير غانم لم يحضر؛ لذلك بكت السيدة ليندا، زوجة جورج، على أصدقاء العمر الذين لم يسألوا عنه على الرغم من مواقفه النبيلة معهم. نظيم فقد الأمل وكما فقد جورج سيدهم الثقة في أصدقاء الوسط الفني، فقد الفنان نظيم شعراوي الثقة أيضا في أن يتذكره الزملاء وهو على فراش المرض منذ سنوات، وتوفي الخميس الماضي، حيث كان يعاني من عدة جلطات وضعف في الذاكرة. وتحدثت زوجته بلسانه بأن الوسط الفني رفع شعار الجحود بعد أن غابت العلاقات الإنسانية، وحلَّت محلها المجاملات المزيفة؛ حيث كان زوجها مريضا وحيدا، ولم يشفع له تاريخه الفني الطويل الممتد لأكثر من 50 عاما في أن يتذكره زملاؤه أمثال عادل إمام، محمود ياسين وغيرهم. مهمة نقابية وعلقت الناقدة ماجدة خير الله على ما يحدث من علاقات في الوسط الفني يغلِّفها الجحود ونكران الأيام الفائتة، بأن هذا الوسط قائم على المجاملات والظهور الدائم؛ لذا حين يختفي أحدهم بسبب المرض يبتعد عنه الكثيرون؛ لأنهم في هذه الحالة يبحثون عن الفنانين الذين يحتلون مساحة من الأضواء ليكونوا بجوارهم، أما هذا الذي يعيش في الظل فيزداد ابتعادا.. تضيف: إن الاهتمام بالمرضى والبعيدين من أهل الفن مهمة النقابات الفنية، وذلك بأن تعيدهم مرة أخرى إلى العمل إذا كانوا قادرين على ذلك، وأن تتواصل معهم؛ لتدعمهم معنويا بتنظيم احتفاليات في كل مناسبة تخصهم، وإلا فما فائدة العمل النقابي الذي يتهافت عليه كثيرون؟ كذلك فإن صناعة السينما في مصر تفتقد إلى أفلام النجوم الذين تجاوزوا سن الشباب بعكس السينما في الغرب التي يجد فيها الفنان مكانا مهما كان عمره، أما السينما لدينا فقط هي سينما الشباب للشباب، باستثناء بعض النجوم الكبار الذين حافظوا على وجودهم في شباك التذاكر كاستثناء من القاعدة مثل عادل إمام، إلا أن هذا الوضع غير الإنساني لا بد أن ينتبه إليه كل فنان بأنه من الممكن أن يحل محل زميله الذي جار عليه المرض أو أبعدته الظروف رغما عنه. كما أن نقابة المهن التمثيلية لا بد أن تُفعِّل التواصل بين الأجيال، وتغير من استراتيجية العمل السينمائي بالاستعانة بنجوم اختفوا في ظروف مؤلمة وغامضة، حتى لا نفقد عددا كبيرا من أعضاء الأسرة الفنية، الأمر الذي يُعد خسارة لوسيلة التواصل بين الفن والمتلقي